السلال لـ صدى الشام: مناطق “درع الفرات” تشهد حركة عمرانية كبيرة.. وعودة الأمان بحاجة لإرادة دولية


رغم مرور نحو أربعة أشهر على إعلان تركيا انتهاء معركة “درع الفرات”، لا تزال مدن وبلدات ريف حلب الشمالي والشرقي تعاني من دمار كبير خلفته المعارك التي دارت مع تنظيم الدولة “داعش”، وقد كان لمدينة الباب النصيب الأكبر من ذلك، إذ قدّرت إحصائيات غير رسمية نسبة الدمار الكلي بحوالي 30% من حجم الكتلة العمرانية، بينما وصلت نسبة الدمار الجزئي إلى 70%.

ومع أن المشهد يبدو قاتماً، فإن عودة هذه المدن والبلدات إلى سابق عهدها ليس بالأمر المستحيل، من وجهة نظر رئيس لجنة “إعادة الاستقرار” التابعة لمحافظة حلب الحرة، منذر السلال، لكن بشرط تنظيم الجانب الأمني لدعم الاستقرار.

ويرى السلال في حوار مع صدى الشام، أنه لا بد من وضع هدف سياسي أمام الفصائل العسكرية في المنطقة، بالإضافة لتوفر الإرادة الدولية لتحقيق الأمان المطلوب.

من جانب آخر يشير السلال إلى حاجة المنطقة الملحة لوجود مؤسسات تقود العمل على المستوى الوطني وتتولى التنسيق مع الجانب التركي، لتخفيف العبء عن كاهل المجالس المحلية.

 

وفيما يلي نص الحوار الكامل:

 

– ما هي لجنة إعادة الاستقرار، و متى تأسست، ولمن تتبع؟

اللجنة جزء من محافظة حلب الحرة، وتم تشكيلها في أواخر العام 2015، وذلك بعد اجتماعات استشارية بين دول عدة من أجل البحث في سبل تقديم الخدمات للمناطق المحررة من يد تنظيم “داعش”، حينها كانت هناك سيناريوهات عديدة مطروحة، من بينها المنطقة الآمنة، أو”التجريبية”، وكانت فكرتنا كائتلاف وحكومة مؤقتة أن نشكل لجنة لإعادة الاستقرار، وعندما طرحنا الفكرة في الاجتماعات لاقت إعجاب غالبية الدول المعنية، وتم التوافق عليها، وشُكلت اللجنة وهي تعمل الآن في ريفي حلب الشمالي والشرقي.

 

– ما هي مهام اللجنة الرئيسية؟

اللجنة تعمل على محاور أساسية منها: تقديم دراسات ما قبل التحرير، وتحت هذا البند قدّمت اللجنة نحو 560 تقريرًا لدراسة واقع المناطق التي كانت تحت سيطرة التنظيم، وكذلك أعددنا تقاير لمناطق كانت تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية”، وجاء ذلك بالتعاون مع مستشارين محليين من هذه البلدات، وذلك للتعرف على الحاجات الأكثر حاجة من قبل الأهالي، هذا هو المحور الأول لعمل اللجنة، أما المحور الثاني فهو تجهيز إدارة مؤقتة لهذه المناطق بعد تحريرها، وقامت اللجنة بتنظيم مؤتمر لمجالس ريف حلب الشرقي في الأراضي التركية وذلك في الربع الأول من العام الماضي، وتم خلال المؤتمر تشكيل تسعة مجالس محلية “مجالس بلدات محتلة”.

أما المحور الثالث، فهو يبحث في مشاريع ما بعد التحرير، وذلك من خلال جمع هذه المشاريع، وصولاً للمحور الأخير أي تنفيذ هذه المشاريع، سواء الخاصة باللجنة أو تلك التي تُنفذ بالشراكة مع جهات أخرى.

-بعيداً عن المنحى النظري لعمل اللجنة، وبالتركيز على الشق التنفيذي، ماذا قدمت اللجنة للمدن والبلدات في ريفي حلب الشمالي والشرقي، بعد تحريرها من قبل تنظيم الدولة؟

قدّمت اللجنة خمسة أفران موزعة على مدن وبلدات: جرابلس وأخترين وبزاعة والباب، بالإضافة إلى المصاريف التشغيلية لهذه الأفران لفترة ثلاثة أشهر، وكذلك قامت اللجنة بإصلاح 15 مضخة مياه تابعة للمجالس المحلية، كما زودت المجالس بمضخات مياه جديدة مع تأمين المصاريف التشغيلية الكبيرة جداً، لأنها تتضمن ثمن المحروقات اللازمة لتشغيل هذه المضخات، وكذلك أجور الموظفين، ونفقات الصيانة.

وفي جانب آخر تهتم اللجنة بدعم قطاع النظافة، وقد عملت على تقديم معدات النظافة للمجالس المحلية (جرارات، ضاغطات قمامة، حاويات، جرافات صغيرة)، وأيضاً مع المصاريف التشغيلة.

وأخيراً قامت اللجنة بدعم العملية التعليمية عبر تقديم رواتب وأجور المعلمين لبعض المجالس المحلية، وكذلك من خلال دعم البنية التحتية المدرسية، ودعم المدارس بالمعدات اللازمة.

 

-من خلال حديثكم عن الخدمات التي تقدمها اللجنة يتضح أن تغطية هذا الجانب بحاجة إلى دعم، والسؤال هنا من أين تتلقى لجنة إعادة الاستقرار دعمها، وما هي أبرز التحديات أمامها؟

اللجنة تحصل على تمويل لربما أفضل من كل الجهات الأخرى العاملة بالداخل السوري، لكن مع ذلك فإن التمويل غير كافٍ في منطقة متعطشة للخدمات بسبب احتلال التنظيم لها وتدميره لكل شيء، وأما عن الجهة التي تمولنا، فاللجنة تحصل على تمويلها من المنظمات المهتمة بإعادة الاستقرار، والتي تدعم الحوكمة والمجالس المحلية.

هناك أقسام لدعم إعاد الاستقرار في المنظمات متضمنة صندوق لدعم إعادة الاعمار، وكما أشرت سابقاَ في بداية الحديث، اللجنة بالأساس كانت نتاج اجتماعات مع دول فاعلة بالشأن السوري بمشاركة الحكومة المؤقتة والائتلاف، والممثليات الخارجية التركية والأمريكية، أما عن التحديات فلكل منطقة احتياجات مختلفة عن الأخرى، والتحدي الأصعب كان بسبب سياسة التنظيم، فقبل أن ينسحب من هذه البلدات كان يقوم  بنهب وتدمير كل شيء.

 

-هل يمكن أن يغطي عمل اللجنة مناطق إدلب، فهناك حاجة أيضاً للدعم وما شابه؟

أولاً إن لجنة إعادة الاستقرار هي جزء من مجلس محافظة حلب الحرة، وهذا يجعل نشاطنا ضمن التوزع الجغرافي لمدينة حلب فقط، وثانياً نحن نبحث مع الحكومة المؤقتة توسيع عملنا وجعلنا هيئة على مستوى سوريا ككل، لكن يبدو أن لسرعة التحرير دور في إشغالنا عن متابعة هذا الموضوع.

 

– بعد مرور نحو أربعة أشهر على توقف عملية درع الفرات، ما هو تقييمكم لواقع عودة النازحين إلى ريفي حلب الشمالي والشرقي، من داخل المنطقة أو من خارجها؟

لقد عاد قسم كبير من المهجرين من أبناء المنطقة إليها، كما استقطبت النازحين من مناطق مجاورة محتلة من قبل “قسد”، وكذلك من قبل النظام، ومن مدينة حلب وحتى من مناطق سوريا الشرقية، ونتوقع توافد نازحين جدد وخصوصاً في الفترة الحالية، أي مع فتح تركيا للبوابات الحدودية لقضاء إجازة العيد، وعامل الأمان يرتفع نسبياً، وأكثر من ذلك صارت الخدمات متوفرة، لكن ما ذكر لا يعني نسيان وجود المشاكل التنظيمية للنواحي الأمنية.

 

تستقطب مناطق “درع الفرات” النازحين من مناطق “قسد” والنظام ومن شرقي سوريا، ويُتوقّع توافد نازحين جدد إليها خصوصاً في الفترة الحالية مع فتح تركيا للبوابات الحدودية لقضاء إجازة العيد.

 

-غالبية المدن والبلدات التي كانت خاضعة لسيطرة التنظيم هي في الغالب شبه مدمرة، وخصوصاً المدن الرئيسة مثل الباب، هل هذه المناطق قادرة على استقبال أعداد كبيرة من النازحين، بينما هي عاجزة أساساً عن إيواء سكانها؟

حالياً تشهد هذه المناطق- بدون استثناء- حركة عمرانية كبيرة، ولنذكر على سبيل المثال مدينة الباب، كانت التقارير تشير إلى دمار نحو 70% من كتلتها العمرانية بشكل جزئي، و30% بشكل كلي، الآن المدينة تشهد حركة عمرانية ويتم ترحيل الأنقاض، لتعود المدينة للحياة من جديد بعد ثلاثة أشهر على تحريرها، والملاحظ أن هذه الحركة كبيرة على الرغم من أن عامل الأمان لا يزال ضعيفًا نسبياً.

 

-ماذا يتعيّن على صانع القرار في هذه المنطقة فعله، حتى يرفع مستوى الأمان للوصول إلى تحريك هذه المنطقة اقتصادياً وتجارياً؟

يحتاج هذا الأمر إلى قوى عسكرية، ووضع هدف سياسي تحميه الفصائل، بالإضافة للإرادة دولية للوصول إلى درجة عالية من الأمان.

 

-كيف تقيّمون التعاون التركي مع اللجنة؟

نتعامل مع جهات تركية لديها باع جيد بالتعاطي مع الشأن السوري، من بينها منظمات “أفاد” و”الهلال الأحمر”، ونحن الطرف السوري الوحيد الذي يعمل بشكل جيد مع الأتراك في ريفي حلب الشمالي والشرقي، ونقوم حالياً بالعديد من المشروعات المشتركة في مدينة الباب، ومحيطها، وجرابلس أيضاً، وكل هذا الأمر ما كان ليحصل لولا التعاون التركي الجيد.

 

– مؤخراً وضعت الحكومة التركية معايير لدخول المنظمات إلى المنطقة، واشترطت رقابة من المجالس المحلية على عمل هذه المنظمات، ماذا تريد تركيا من وراء هذا التوجه غير المسبوق؟

هذا صحيح، لقد وضعت السلطات التركية معايير جديدة في محاولة منها لتنظيم عمل المنظمات بالداخل السوري، بالتعاون مع المجالس المحلية، وهي تسعى لجعل ذلك أمراً واقعاً، لكن حتى اليوم لم ينتظم العمل، أما بخصوص ما تريده تركيا، فهي تحاول العمل على تمكين المجالس المحلية لكي تمارس دروها كسلطة مركزية، بعيداً عن العشوائية في الدعم والعمل، وحين يكون المجلس المحلي هو المركز الناظم لعمل منظمات المجتمع المدني، فسيكون عملها أفضل، وأبعدَ عن الفساد أيضاً، وسينعكس هذه الأمر على حياة المواطن، بالرغم من أنه قد يعاني إلى أن ينتظم ذلك.

 

– نتيجة لذلك الأهالي يشتكون من غياب الدعم بما في ذلك السلة الإغاثية؟

بشكل عام نحن ضد ثقافة السلة الإغاثية، ويجب على المنظمات أن تدعم عملية التطور والبناء لا أن توزع السلل الإغاثية، وهذا ما تتجه له تركيا.

 

السلال: نحن ضد ثقافة السلة الإغاثية، ويجب على المنظمات أن تدعم عملية التطور والبناء لا أن توزع هذه السلل، وهو ما تتجه إليه تركيا.

 

 

-طالما أن حديثنا يخص المجالس المحلية والدور التركي، بعض المسؤولين عن هذه المجالس يشتكي من غياب القرار السوري المستقل والآلية لدى التعامل مع السلطات التركية، بما في ذلك غياب الحكومة المؤقتة، ما هو تعليقكم وأنتم على دراية تامة بما يجري؟

نتمنى تفعيل المجالس المحلية والحكومة، ونحن في اللجنة مع تفعيل دور الحكومة المؤقتة على الأرض، ونساعد بذلك من خلال مشاركة الحكومة في معاينة الخدمات التي نقدمها، لكن في الواقع تعاني المجالس المحلية ـ رغم أنها تمتلك تجربة- من غياب الإدارة الفعلية، والمجالس القوية اليوم تدير المدن بشكل مباشر وتلقائي دون أن تنتظر الدعم من الجانب التركي أو غيره.

 

– ماذا ينقصنا لتفعيل دور المجالس المحلية بشكل أكبر؟

المجالس في الوقت الراهن تتنقل لطور التفعيل بشكل أكبر، لكن حتى تقوم بدورها المطلوب لا بد من وجود مؤسسات سوريّة على المستوى الوطني ككل، لتقوم بدور التمثيل، بما يضمن أن تعود المجالس المحلية لدورها الأساسي والطبيعي، المجالس اليوم تقوم بدور المديريات ودور الحكومة ودور السلطة أيضاً، علماً بأن المجلس المحلي لا يجب أن يقوم إلا بدور الإشراف فقط على تلك المديريات، وليس التنفيذ كما يجري الآن، إذًا نحن بحاجة إلى منظومة إدارية في هذه المنطقة، قبل الحديث عن تفعيل كامل للمجالس المحلية.

 

لكي تعود المجالس المحلية لممارسة دورها المطلوب ينبغي أن توجد مؤسسات سوريّة على المستوى الوطني ككل، فالمجالس تقوم اليوم بدور المديريات والحكومة مع أنه يجب أن تقتصر على الإشراف.

 

-أخيراً لم نشاهد في المنطقة بوادر حركة اقتصادية، أي لا توجد مشاريع استثمارية كبيرة أو حتى متوسطة لربما، برأيكم لماذا؟

قد أختلف معكم في هذا الناحية، المنطقة تشهد -ولو ببطء- حركة اقتصادية جيدة، اليوم لدينا استثمارات خاصة في بعض المدن والبلدات من بينها شركات مجابل البيتون (شركات إنشاءات)، وهناك حركة تجارية مقبولة، لكن هناك ارتباك أيضاً نتيجة لغياب الأمن، والاقتتال الفصائلي، ولا ينقصنا إلا تلافي الجانب الأمني فقط.



صدى الشام