ماكرون – فورد، تبشير وتبخير للأسد


جيرون

“الأسد عدو شعبه وليس عدونا، ولا بديل شرعيًا عنه الآن، ورحيله ليس ضرورة”، هذه تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأخيرة عن سورية، تتزامن مع تصريحات صحفية للسفير الأميركي السابق في دمشق روبرت فورد، عن خداع الإدارة الأميركية للسوريين، وأن الأسد يقترب من إعلان نصره بعد الوصول إلى درعا وإلى الشمال السوري، تبشير وتبخير للأسد، بعد أعوام المذبحة الطويلة التي يرتكبها النظام.

الإشارات الفرنسية والأميركية للنظام ليست جديدة وغير مفاجئة، خصوصًا أن تجربة اليتم السورية في قسوتها كشفت التلاعب الغربي عمومًا في محاباة نظام القتل، وبشكل خاص في التقاعس الواضح بدعم جهود إسقاطه ووقف مذبحته، ربما التعبير الأوضح الصادر عن ماكرون اليوم، يعبّر بشكل جلي عن مفهوم العدائية واقتراب مصلحة الوظيفة للنظام من مصالح المحاباة المنتهجة في الكارثة السورية، “الأسد عدو شعبه وليس عدونا”، تعني إسقاطًا لكل الشعارات المنادية بحقوق الإنسان والقيم الديمقراطية، حتى لو كان ديكتاتورًا سفاحًا يقوم بتأدية مهماته في المصالح المشتركة بيننا، فهو لن يضير شيئًا لجهة تنفيذ الأجندة.

أميركيًا كما روسيًا أو إيرانيًا وغربيًا، يتفق الجميع على ضرورة بقاء السياج المحيط بـ”إسرائيل” على متانته المرصودة لعقود طويلة، السياج السوري الذي يرخي بظلاله على المتّفقين بعداوة الأسد لشعبه، لكنه حاجة ضرورية لمصالح الأجندة الإقليمية والدولية، البدائل لا تعطي إشارات بما يخص السياج مستقبلًا وهي غير واضحة نتيجة نجاح النظام وداعميه في ترويج مخاطر “إرهاب” من هم داخل السياج، فالمطلوب إبقاء النظام لتلك الضرورات حتى لو كلف ذلك ملايين المشردين والمعذبين أو أدى إلى دمار معظم المدن وأريافها، الثمن الذي دفعه الشعب السوري منذ بداية ثورته ويدفعه إلى اليوم بأثمانه الباهظة والمكلفة، مليون قتيل وجريح، وإحداث الشروخ العميقة في المجتمع والجغرافيا السورية، أكلافها نتيجة لمؤازرة القتلة في دمشق من طهران وموسكو، مضافًا لها النفاق والمحاباة للعصابة.

لم يطل الوقت في الشارع السوري، عندما رفع شعاره على كرتونة، في كفرنبل وبنّش، يقول فيها: يسقط العالم يسقط كل شيء، لم يكن مخدوعًا لا بزيارة السفير روبرت فورد لمدينة حماة، ولم يكن ينتظر جيوشًا جرارة لتقاتل معه، ببساطة لأنه عبّر عن ثورته بشكل سلمي، وراق في الهتاف والشعار إلى الخروج للتظاهرات، وحتى الرقص والغناء الذي انتقم منهما جلّادو النظام باقتلاع حناجر المغنين، ولم يشهد السوريون، في ثورتهم، ما يمكن أن يُقال إنه دعم  بالمعنى الحقيقي، وإلا لما استمرت ثورتهم ستة أعوام متواصلة من المذابح، والمجرم تصله رسائل تقضي له بإكمال ما بدأ.

سلاح كيماوي، فوسفور أبيض أو نابالم، قذائف ارتجاجية أو عنقودية، براميل متفجرة، أفران ومسالخ بشرية، تدمير وتهجير وتطهير عرقي، ممارسة كل أصناف جرائم الحرب والإبادة الجماعية، في معيار النفاق الغربي والأميركي أن “الأسد عدو شعبه وليس عدوّنا”، صحيح، ولكن حادثة إرهابية واحدة في الغرب كافية لدلق كل الشعارات المرتجفة على الإنسانية في وجوهنا، بينما إرهاب النظام المنتشر على امتداد سورية لا بديل عنه وفق رسائل التبخير والتشفير التي يتلقاها الأسد، وهو منطق يتطابق مع منطق التشبيح لشعار “الأسد أو لا أحد”.

بالطبع، طلب توضيح من ماكرون، عن نيته ومقصده من تصريحاته، يمكن أن يكون عبثًا من المعارضة السورية، إن كانت ستُصدر بيانًا تستوضح فيه المقصود غربيًا من خلف تصريحات الرئيس الفرنسي، فتجربة الخذلان كافية ومؤلمة والرهانات قاتلة وكارثية وتوسّع فاتورة الدم. المطلوب شجاعة موحدة على الأقل تصرخ في وجه العالم مجددًا: أنْ لا مكان للأسد مجرم سورية الأول، في حاضر سورية ومستقبلها.




المصدر