“جريمة التهجير”.. نقطة التقت عندها خطط النظام وإيران وروسيا


هل خطط نظام الأسد لعمليات التهجير قبل بدء الثورة؟ هل تقاطعت طموحاته مع طموحات الإيرانيين أم تصادمت؟ أسئلة عديدة وجوهرية أجابت عنها الورقة البحثية التي أعدها “المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية”، والتي تناولت التهجير الذي مورس بشكل ممنهج وواسع في سوريا منذ اندلاع الثورة السورية.
وميزت الورقة التي تسلمت “صدى الشام” نسخة منها، بين الأطراف التي قامت بالتهجير على أساس “التخطيط المدّبر”، متهمة نظام الأسد وإيران بالقيام بالتهجير الممنهج، وذلك على خلاف الأطراف الأخرى (الوحدات الكردية، داعش) التي مارست التهجير أيضاً، لكن دون أن يكون ذلك ضمن خطة محددة، وفقاً للمركز.

نقطة تلاقي

بحسب الورقة فإن النظام اتبع سياسة تهدف إلى “تذرير المجتمع، وتفخيخيه بالثنائيات المتناحرة”، بهدف قمع الثورة، واستمر الوضع على ما هو عليه، إلى أن أخذت إيران على عاتقها متابعة التهجير، مع اختلاف أهداف ودوافع كل منهما، إذ يسعى النظام لتأسيس دويلة علوية، بينما تسعى إيران إلى تغيير الواقع الديموغرافي، حتى تحول الأمر برمته إلى نقطة تلاقٍ بينهما.
وتعليقاً على ذلك، يقول رئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية، المحامي أنور البني، “مارس النظام التهجير المخطط في مناطق كثيرة، أهمها في مدينة حمص وأطراف مدينة دمشق، ويبدو أن النظام كان لديه هذا المخطط حتى من قبل الثورة، وهذه الأمر له مؤشرات كثيرة”.
ويضيف البني في تصريحات لـ صدى الشام: “جاءت إيران لتكمل المشروع لكن بأهداف أخرى، وبذلك كانت سياسة التهجير مصلحة للطرفين، علماً بأن التدخل الإيراني أوقف مشروع الدويلة العلوية، ومن هنا نستطيع تفسير سبب استماتة النظام في الحفاظ على وجوده في المحافظات الأخرى في حلب ودير الزور وغيرها، بطلب من إيران”.

 

البني: دخول إيران على خط التهجير في سوريا حقق مصلحة مشتركة مع نظام الأسد لكنه أوقف مشروع الدويلة العلوية، لذا فقد استمات النظام في الحفاظ على وجوده في المحافظات الأخرى.
آليات التهجير

تشير الورقة إلى آليات يتبعها النظام ومن خلفه إيران لتنفيذ “جريمة التهجير” بدواعٍ من قبيل أن التهجير “أمر طبيعي يحدث في كل بلدان العالم”، ومن هذه الآليات القتل الممنهج إذ ارتكبت قوات النظام بمساندة المليشيات مجازر عدة، من بينها مجزرة الحولة في 2012، ومجزرة حي مقبرة النصر.
ولا تغفل الورقة دور الإخفاء القسري في التهجير، والذي تحول إلى سياسة، وكذلك الاستخدام العشوائي للأسلحة “الغبية”، أي البراميل المتفجرة، بقصد إحداث أكبر حالات قتل ممكنة بحق سكان بعض المناطق المراد تغير ديموغرافيتها، وذلك لإرغام أهلها على مغادرتها.
كما تلفت الورقة إلى دور سياسة الحصار والتدمير الممنهج، وتشير هنا إلى استخدام النظام للحصار كورقة ضغط على الأهالي بهدف ضمان موافقتهم على المفاوضات التي غالباً ما تفضي إلى تهجيرهم من مناطقهم، وفق سياسة “الجوع أو الركوع”.

 

سعى النظام إلى تغيير ديموغرافية بعض المناطق من خلال دفع أهلها إلى المغادرة وذلك عبر الحصار والتدمير الممنهج والاستخدام العشوائي للأسلحة “الغبية” أي البراميل المتفجرة.

آخر الحلقات
يعدّ نهب وتدمير ممتلكات السكان “آخر حلقات سياسة التهجير”، وتقوم قوات النظام بتدمير البنية التحتية للمناطق التي يتم تهجير أصحابها منها، بعد نهب محتوياتها، كما جرى في حارات من حي التضامن بدمشق، بغية تغيير معالم المناطق.
من جانب آخر تعلّق الورقة على الاستيلاء على الممتلكات الشخصية من خلال شرعنة مصادرتها، عبر مراسيم بحجة تنظيم المخالفات، وتلفت إلى ما جرى في حي بساتين المزة، وتلفت إلى أنه تم الاستيلاء على ممتلكات الأهالي، واقتلاعهم عنوة من بيوتهم، في إطار مشروع ما يسمى “مدينة الأقحوان”.
وفي الاتجاه نفسه، تصنف الورقة التضييق الأمني الذي يمارسه النظام، على أنه أداة من أداوات التهجير، علاوة على سوء الخدمات وافتعال الأزمات، لدفع أهالي المستهدفين إلى الهجرة من تلقاء أنفسهم.

 

ضمن عملية التهجير نهبت قوات النظام منازل المدنيين واستولت على ممتلكاتهم عبر شرعنة مصادرتها أيضاً، كما لجأت إلى التضييق الأمني وافتعال الأزمات في هذا السياق.
أهداف
تتطرق الورقة إلى مجموعة أهداف تقع ضمن حسابات نظام الأسد وإيران، من بينها تفريغ مناطق جغرافية محددة، تمهيداً لإقامة الكيان العلوي الممتد من غربي نهر العاصي وحتى البحر، وهذا ما يفسر المجازر الكثيرة التي ارتكبها النظام في مناطق الحولة والقنبير والتريمسة، لأنها مناطق في عمق الدويلة.
أما عن الأهداف الأخرى، فتشير الورقة إلى أن النظام يريد من التهجير افتعال أزمات على المستويين المحلي والدولي، لصرف الأنظار عما يجري من أحداث مأساوية في سوريا.
وعلاوة على كل ذلك، يهدف النظام إلى تهجير الحاضنة الثورية في المناطق الخارجة عن سيطرته، وإلى “حشر للمعارضة” بهدف تشتيت الجبهات، وهذا ما يفسر تهجير حاضنة الثورة إلى إدلب.

 

ارتكبت قوات النظام مجازر عديدة في مناطق الحولة والقنبير والتريمسة، لأنها تقع في عمق الدويلة المنشودة، والتي تقتضي- طبقاً لحسابات النظام- تفريغ مناطق جغرافية محددة.
إيران والقوة الناعمة

في محاولته لتفسير الدور الإيراني، تذهب الورقة البحثية، إلى أن إيران تستخدم أداتين للتهجير: الأولى بالقوة كما توضحه شهادات محلية من القصير والقلمون الغربي، والثانية عبر القوة الناعمة، أي من خلال شراء العقارات، وإقامة المشاريع والاستثمارات، وخلق الألفة الدينية والاجتماعية.
وترى الورقة أن أحياء كاملة اليوم في دمشق ومحيطها باتت تتخذ طابعاً إيرانياً، وخصوصاً التي تضم مزارات شيعية.
وتلاحظ أيضاً، أنه “على خلاف النظام، لم تستهدف إيران إلا مناطق محددة بالتهجير”، موضحة أن إيران “لم تشارك في القتال الذي يدور في المناطق الشرقية الشمالية في سوريا، لكنها ركزت جهودها على المنطقة الجنوبية الشرقية، لتحقيق التواصل الجغرافي بين مناطق سيطرتها في العراق وسوريا ولبنان”.

الدب الروسي له حصة

تُجمِل الورقة أهداف روسيا من مشاركتها في عمليات التهجير بهدف واحد وهو “تسهيل التغطية الجوية”، من خلال تجميع المعارضة في مناطق محددة (إدلب)، لتقليل التكلفة الناجمة عن تغطيتها الجوية للمعارك التي تدور على كامل الرقعة السورية.
أما عن المليشيات الكردية، تؤكد الورقة أنها اعتمدت على عنصرين: قومي وسياسي، في عمليات التهجير التي قامت بها، تبعاً لظروف كل منطقة.
وتخلص الورقة إلى أن الشعب السوري هو الخاسر الأكبر من جراء عمليات التهجير، التي أثرت على النسيج المجتمعي والهوية الوطنية، وأن علاج هذه المعضلة مرهون بمفاعيل الزمن وموازين القوة على الأرض.



صدى الشام