صنّاع الثورة


عقاب يحيى

من فضائل الثورة أنها عرّفتنا على كثير من السوريين الذين ما كانوا ليلتقوا، أو يتجرّؤوا بالكلام والحركة لولاها! ومن ضمن ذلك، “اكتشافنا” أن تلك الثورة العظيمة من صناعة كمشة من المختصين الذين لولاهم ما قامت، ولا استمرت!

يتكلم بكلام كبير، كله ثقة، وبتفاصيل لا تجعلك تملّ أو تشعر أنه يبالغ، أو يكذب، ويذكر لك أسماء وتواريخ لا تعرف مدى دقتها، ويستعرض لك الوقائع من الألف إلى الياء: كيف كان يحضّر للثورة، وكيف انتقل كالبرق من محافظة إلى أخرى، وكم جمع من الشباب في الأحياء والجامعات والمساجد وغيرها، وماذا قال لهم، وكيف أقنعهم بتحطيم جدار الخوف، وكيف وضع خارطة طريق لتعاقب الأحداث وتسلسلها وتماسكها، حيث تبدأ في دمشق وتكون درعا على الموعد، ومن درعا إلى عدد من المحافظات، وقوفًا عند حمص “للتخفيف عن درعا” وحمل الراية، ويسرد لك بالتفصيل المفصل، الأحياء، وأين اجتمع، وكم واحدًا التقى، وتحضير الأعلام، والشعارات، وكتابة الأهازيج، ثم القيام بجولات طيارة على تلك التظاهرات لإعطاء التوجيهات.

– أبو أحمد مقتنع حتى النخاع بأنه الأب الحقيقي، والقائد الفعلي للثورة، وبأن الآخرين دعاة، وكَذبة، وأنه بدأ من الصفر، وكان يكوّن حلقات خاصة منفصلة عن بعضها ومرتبطة به فحسب، حتى إذا ما آن الأوان أعطاها كلمة السر للانطلاق.

– مرة، وبترتيب خبيث من أحد الأصحاب حضر اثنان من “صنّاع الثورة”، إضافة للأخ أبو أحمد، وكان كل واحد منهما، حين ينفرد بك أو بغيرك، يكلمك عن دوره الخاص وحده، وأنه لولاه لما كانت هناك ثورة، ولا مؤتمرات ولا تنسيقيات ولا شيء. اجتمع الثلاثة بوجود عدد من الشباب، ولم يكونوا يعرفون بعضهم، كما ظهر حين دخلوا، وفي طريقتهم بالمصافحة فـ “حركش” صديقنا عدنان أبو المكارم كي يتكلم ويفيدنا بذكرياته عن التحضير للثورة؛ فبدأ كالسيل الجارف يتكلم عن شجاعته، وقدراته الخاصة في التنظيم، والسرية، وخداع أجهزة الأمن، وكم عانى، وكم غامر، وكم صال وجال في ربوع الوطن يحضّر لها، وكم… أشياء كثيرة راح يقذفنا بها وكأنه يحفظها عن ظهر قلب، وفي حين فتح الثالث فمه للآخر دهشة، أو انكشافًا؛ هجم أبو أحمد على أبي المكارم وصفعه بقوة، ثم لبطه أمامنا لبطةً قوية أطاحت به، وهو يعربد بكلمات نابية، واتهامية قاسية، بأن أبا المكارم كذاب، دجّال، كان في صفوف النظام، ولا يتجرّأ على المشاركة بتظاهرة واحدة، وأن أبا أحمد هو من جرجره مرة للمشاركة في اجتماع سري، فبال تحته حين سمع أن الأمن يجوب المنطقة، وأنه قد يعتقل. وقد “كشفنا”، والبعض من الموجودين كان يعلم أنهم يعرفون بعضهم بطريقة ما، لكن التنافس كبير بينهم.

– أبو المكارم لم يسكت، بل فتح “باجوقه” على أبي أحمد، وهو يصفه متهمًا إياه بأنه مدّع، ورعديد، وأنه كان يهرب من الاجتماعات، بدعوى أنه مرتبط بمواعيد أخرى، وأن جميع الشباب الذين يعرفونه يعلمون أنه دجال، وأنه كان مستعدًا لكتابة التقارير عنهم، وأنه كان يسرق الأخبار والأنشطة وينسبها إلى نفسه، بعد أن يبهرها ويضيف إليها بعض الأسماء والوقائع.

– وحصلت معركة كبيرة، هرب الثالث فيها فورًا وهو يردد: كاذبان أنتما، وأنا أبو الثورة.

– الله يخلي أبو أحمد وأمثاله الذي والذين لولاه ولولاهم، لما عرفنا الثورة، وعرفناه أيضًا. ويمكن أنه لولا هؤلاء وأمثالهم لما قامت ولا استمرت!!!!!




المصدر