لأننا بشر.. امنحونا الفرصة كي نعيش كغيرنا


علاء كيلاني

ربما تكون مسألة اللاجئين السوريين واحدة من أهم المسائل الضاغطة على المشهد الدولي اليوم. فقد تخطت حجمها الطبيعي، بعد أن أمعنت آلة الأسد العسكرية في استهداف المناطق المدنية الآهلة بالسكان، وأحرقتها بأسلحة محرمة؛ لتنتقل في السنوات الثلاث الأخيرة، من مصاف أزمة دولة، إلى أزمة عابرة للحدود، لم تقتصر على دول الجوار وحسب، بل تخطت البحار والقارات، وشملت نحو 90 دولة، حمل السوريون أوجاعهم إليها.

من أحد مخيمات اليونان، كتب عبد الله -وهو فتى سوري عمره 16 سنة- رسالةً إلى زعماء أوروبا، يذكرهم فيها: “نحن هنا منذ 423 يومًا، بلا بصيص أمل، ولا تعليم، أريد أن تتاح لي فرصة الالتحاق بالمدرسة”.

في العام الماضي، بعد اتفاق 20 آذار/ مارس بين الاتحاد الأوروبي وتركيا؛ تحولت الجزر اليونانية في بحر إيجه إلى مرافق احتجاز من الناحية الفعلية. وخضع آلاف السوريين أثناء ذلك لتدابير وإجراءات قاسية وخطرة، شكلت اختبارًا صعبًا، لم ينجح العالم في تخطيه.

داخل مركز الاحتجاز بجزيرة” ليسفوس” اليونانية، قابل غوري فان غوليك، من منظمة العفو الدولية، الطفلَ أحمد، البالغ من العمر سنة واحدة. لقد أخبرته والدته أن قنبلة دمرت منزلهم، بعد ولادة أحمد بوقت قصير، حيث أُصيب بشظية في عنقه. وعلى إثرها عانى من أزمة حادة، وظهرت عليه أعراض أخرى تتسق مع أعراض استنشاق غاز الكلور. وعندما التقاه، بعد سنة تقريبًا من سقوط القنبلة، شاهد الندوب التي خلَّفتها الإصابة، والجسد الصغير الذي كان يقاسي من صعوبة التنفس.

أحمد ابن لعائلة فرَّت من أهوال الحصار والجوع في مخيم اليرموك بضواحي دمشق. غير أن الحرب لاحقتها لدى وصولها إلى إدلب، شمال البلاد، فنقلت الأم أولادها عبر الحدود إلى تركيا، ثم عبر الجميع المياه المُهلكة في قارب مكتظ، إلى إحدى الجزر اليونانية.

عندما وضع أفراد العائلة أقدامهم على اليابسة لم يُرحّب بهم كما كان متوقعًا.. فقد وصلوا بعد دخول الاتفاق الأوروبي/ التركي، حيّز النفاذ. واحتُجزت عائلة أحمد مع أكثر من 3000 شخص في مركز الاحتجاز في “موريا” المقطوع عن العالم الخارجي بسياجات شائكة. وبدلًا من توفير الرعاية الطبية الطارئة التي يحتاجها أحمد، على سبيل المثال، أعطى الطبيب للعائلة علبةَ دواء “باراسيتمول”. في وقت لاحق، تم إخراج العائلة من مركز الاحتجاز، ومنذ ذلك الحين، تهيم الأسرة على وجهها، وقد تقطَّعت بها السبل في اليونان، شأنها في ذلك شأن 60ألف لاجئ، أُغلقت الطرق المؤدية إلى أوروبا أمامهم.

مثل هذا الوضع المتردي الذي تعرض له اللاجئون السوريون، لم يقتصر على اليونان بمفردها، فقد عاشوا ما يشبهه أيضًا، في شتى دول أوروبا، كالمجر وصربيا ومقدونيا وغيرها. وقد وصف باسل -وهو حلاق سوري يعيش مع نجليه وبناته الأربع بالقرب من حدود الأخيرة- الحياةَ فيها بالرديئة للغاية: “الماء قذر وغير كاف، إذ يحصل كل ثمانية أشخاص على ثلاثة ليترات يوميًا، لا توجد مراحيض في الخيم، ولا تتوفر أدوية. السوريون هنا يشعرون في أوضاع رديئة. إنهم بشر لا بهائم”.

في مطلع عام 2016 فرّ الآلاف من بطش الأسد، ونيران طائراته وأسلحته الكيميائية، نحو تركيا. وعَبَرَ (حسب تقارير دولية) أكثر من 450ألف لاجئ ومهاجر مياه البحر الأبيض المتوسط، باتجاه أوروبا، 2748 منهم لقوا حتفهم أو فقدوا، فيما وصل نحو 310 آلاف إلى اليونان. ووفق بيانات المفوضية العليا للاجئين، فإن السوريين يمثلون نصف عدد الذين عبروا، و70 بالمئة من الذين وصلوا إلى اليونان.

يقول الخبير في شؤون حقوق الإنسان محمد ياغي: تسبب شلل مجلس الأمن وعجز المجتمع الدولي في كارثة إنسانية غير مسبوقة؛ وصلت تداعياتها إلى دول الإقليم، وسواحل أوروبا، والعالم كله.. اليوم تعتبر قضية اللاجئين السوريين من أكثر المشكلات المطروحة على المجتمع الدولي تعقيدًا، حيث يحتاج نحو ثمانية ملايين سوري لاجئ في العالم، إلى الأمن، والاستقرار، والغذاء إضافة إلى حاجتهم للرعاية الصحية والاجتماعية والخدمات الإنسانية الموازية. يضيف لـ (جيرون): وقبل ذلك، لحقوقهم الخاصة، وأعني بالحقوق الخاصة، الحقوق المتناسبة مع خصوصية ظرفهم. فعلاوة على ما يعرف بحقوقهم العامة كلاجئين، هناك حقوق أخرى يمليها هذا الظرف، تمثّلُ جوهر الحماية الدولية، وغالبًا ما تكون عرضة للانتهاك من قِبل الدول المضيفة، تحت ذرائع عدة، كالحفاظ على الأمن والسيادة. فعلى سبيل المثال، تحتجز بعض الدول الأوروبية اللاجئين ضمن معسكرات، تسميها وحدات سكنية. في حين أنها في الواقع، مراكز اعتقال، تتكبل فيها حرية حركة اللاجئين تكبيلًا كبيرًا، يرقى إلى الاحتجاز. علاوة على إخضاعهم لعمليات تدقيق وتمحيص تتخللها إجراءات وسلوكيات مهينة، تتناقض كليًا مع لوائح شرعة حقوق الإنسان.

في العام الماضي، وجهت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين رسالةً واضحة إلى الحكومات في العالم للعمل معًا من أجل اللاجئين. متضمنة ثلاثة مطالب محددة: ضمان حصول كل طفل لاجئ على التعليم، ضمان تمتع كل أسرة لاجئة بمكان آمن للعيش، ضمان كون كل لاجئ قادرًا على العمل أو تعلم مهارات جديدة لدعم أسرته.

وفي العام القادم 2018 سيأتي قادة العالم إلى الأمم المتحدة، للاتفاق على طريقة أكثر عدلًا لإدارة الأزمة، والتوقيع على ميثاق عالمي يتعلق تحديدًا بتقاسم المسؤولية، تجاه عبء النزوح القسري الجماعي واللجوء الإنساني لملايين البشر.

لكن المشكلة، على النقيض مما سبق، تؤكد لنا أن العالم بأسره غير قادر على تسوية الأزمات الكبرى، بحلول أخلاقية أكثر منها سياسية، على الرغم من المواثيق والاتفاقات الأممية المبرمة، لأن تضارب السياسات والمصالح -كما في حال سوريةـ خلق أزمة إنسانية خطيرة، أعطت دروسًا مهمة في محدودية التعاون الدولي، حين تتضارب أهداف وغايات الكبار.




المصدر