مسلسل “الهيبة”.. شعبية جارفة لم تُخرِس الانتقادات
23 حزيران (يونيو - جوان)، 2017
بينما يحظى مسلسل “الهيبة” بمتابعة كبيرة لا يمكن تجاهلها في هذا الموسم الرمضاني، فإن شعبيته الجارفة لا تخفي عدّة نقاط مثيرة للتساؤل والانتقاد. ويواجه المسلسل عدّة مشاكل أدى بعضها لانتقاداتٍ مباشرة، وأبرزها أن العمل والسيناريو والشخصيات الرئيسة مكرّرة في أعمال أخرى، إضافةً إلى مشكلة اللهجة اللبنانية والتصوير الخاطئ لعشائر البقاع اللبنانية، وترويج المسلسل لإنسانية المجرم والقيم غير المرغوب بها في المجتمع.
هل سُرق العمل؟
يلعب دور البطولة في المسلسل، الثنائي تيم حسن ونادين نجيم، اللذين كانا قد صنعا البطولة في مسلسلي “تشيلو” و”نص يوم”، وتدور أحداث المسلسل حول الفتاة عليا (نادين نجيم) التي تعود من كندا إلى لبنان لدفن زوجها في قريته على الحدود السورية اللبنانية، لكن خلال هذه العودة تواجه مشاكل مع أهل زوجها الذي يطالبون بابنها بحجّة أن من حقّهم الاحتفاظ بحفيدهم بعد وفاة ابنهم، إضافةً إلى إجبارها على الزواج بشقيق زوجها “شيخ الجبل” الذي يجسّد دوره الفنان تيم حسن والذي تكتشف عليا لاحقاً أنه واحد من أشهر تجّار السلاح والمخدّرات في المنطقة.
لكن هذه الأحداث تشبه إلى حدٍ بعيد، المسلسل المصري “أبو هيبة في جبل الحلال” والذي عُرف اختصاراً باسم “جبل الحلال” من بطولة محمد عبد العزيز وتم إنتاجه في عام 2014.
ويظهر تطابق كبير بين المسلسلين في العنوان والشخصيات وعلاقاتها الاجتماعية والفكرة العامة.
ووفقاً لمواقع درامية لخّصت وجه الشبه بين العملين، فإن بطلي العملين يجسدان دور تاجر سلاح، وفي كلا المسلسلين يكون الزعيم صاحب كاريزما ولديه مبادئ مبنية على العدل ورفع الظلم عن الناس، ويسيطر على منطقته بشكلٍ كامل، غير أن التشابه المثير للجدل هو أن الحصول على مولود ذكر هو هاجس البطل في كلا المسلسلين حيث كان البطلان لا ينجبان إلّا إناثًا، ويظهر التشابه أيضاً بمساعدي بطل المسلسل، ووقوعهما في الحب وغير ذلك.
ولم يكن مسلسل “جبل الحلال” هو الوحيد الذي تقاطع معه مسلسل “الهيبة” في جوانب معينة، فهناك الفيلم المصري “الجزيرة” من بطولة أحمد السقا، والذي تتقاطع بعض خطوطه الدرامية مع “الهيبة”، كما هو الحال في موضوع توريث مهنة تجارة السلاح من الأب إلى الابن، والصراع مع عائلة العم، ورغبة أحد الضبّاط الشباب في القبض على زعيم العصابة.
وبعد كل هذه التشابهات من حق المشاهد أن يسأل: هل كان مسلسل “الهيبة” خليطاً من أعمال مصرية سابقة تم تجميعها في عمل واحدة على أنه يحمل ما هو جديد؟
من أبرز الانتقادت الموجهة لمسلسل “الهيبة” تشابهه مع أعمال أخرى في مجال الدراما التلفزيونية والسينما أيضاً، ويتجلى ذلك في الحبكة والأحداث والشخصيات، إلى درجة تدفع للتساؤل عما إذا كان “الهيبة” مجرد خليط من أعمال سابقة؟
بين الدرامي والواقعي
وبعيداً عن التشابه الكبير مع أعمال سابقة والذي أدى لتوجيه تهمة السرقة إلى الكاتب، فإن شخصية “شيخ الجبل” تظهر إلى حدٍ كبير تشابهاً مع شخصية شيخ الجبل الحقيقي في لبنان والمعروف باسم “نوح زعيتر”، وهو واحد من أخطر المطلوبين في لبنان، وينتمي لعائلة “زعيتر” المعروفة في لبنان والتي توالي “حزب الله” إلى حدٍ كبير.
وأورد ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي النقاط المشتركة التي تجمع بين “شيخ الجبل” في مسلسل “الهيبة” ونوح زعيتر في الواقع، إذ تتشارك الشخصيتان بمسألة الاتجار بالممنوعات والمرافقة المسلحة والألقاب الجبلية، كما أن كلا الشخصيتين مطلوبتان للعدالة، والاثنان يساعدان قريتيهما من النقود التي يجنيانها من تجارتهما.
ويعيش زعيتر في قرية “الكنيسة” على سفح سلسلة جبال لبنان الغربية التي تفصل منطقة البقاع عن منطقة الأرز في الشمال، ولا يتحرك دون حرّاسه الـ14 المزودين بالأسلحة الرشاشة وسيارات دفع رباعي، والذين يحملون أسماء كـ”بن لادن” و”النمر” “العقرب”.
وما يؤكّد هذا التشابه هو أن نوح زعيتر شخصياً ظهر في مقطع فيديو بعد عرض عدّة حلقات من المسلل توضّح أنه يحكي قصّته.
وقال زعيتر في مقطع فيديو مقتضب: “أحب أن أوجّه تحية خاصة من نوح زعيتر للرئيس بشار الأسد الغالي ولماهر الأسد الأخ الحبيب وللفرقة الرابعة والحرس الجمهوري ولكل شاب سوري وشابة سورية يحبون الرئيس بشار الأسد والنظام السوري”، حسب تعبيره.
النقطة السلبية الأخرى التي تؤخذ على المسلسل أن شخصية شيخ الجبل (تيم حسن) لها ما يقابلها في الواقع ويشاركها في نقاط عديدة، والحديث هنا عن “نوح زعيتر” الذي يعد واحداً من أخطر المطلوبين في لبنان ممن يتاجرون بالممنوعات.
ما هي الرسالة؟
في عام 1975 أنتجت السينما السورية فيلم “صح النوم” الذي لم يبقَ مواطن سوري إلّا وتابعه.
بعد مشاهدة هذا الفيلم بات معظم المشاهدين يتعاطفون مع شخصية “غوار الطوشة” ضد “حسني البورزان” وذلك على الرغم من أن “الطوشة” كان شخصاً سيئاً يقوم بإيذاء “حسني” بطرق غير أخلاقية، وعلى الرغم من مشاكسته إلا أن الجمهور تعاطف مع الظالم ضد المظلوم، الذي جسده “حسني البورزان”؛ الرجل المثقّف الموسيقي، وتضامن الجميع مع نادل الفندق غوّار.
اليوم وبعد 42 عامًا من إنتاج “صح النوم” تعود الدراما السورية لإعطاء صورة جميلة عن المجرم في مسلسل “الهيبة”، إذ يشجع المسلسل بشكل غير مباشر على فكرة الخروج عن القانون، عبر التعاطف مع شخصيات لا تعترف بالقوانين.
وقد صوّر مسلسل “الهيبة” المجرم على أنه شخص إنساني ويحب الناس ويعمل لمصلحة الجميع، وأنه يحاول العمل جاهداً من أجل بناء مجتمعٍ تسوده العدالة والقانون وذلك من خلال تجارة المخدّرات والسلاح، التي تُعتبر أكثر الوسائل تدميراً للإنسان والمجتمع، فمن خلال السلاح يتم تحويل أصغر خلافٍ بسيط إلى حرب دموية.
وسبق لكثيرٍ من الأعمال الدرامية أن صوّرت المجرم على أنه إنسان، ومن شأن هذا اللعب على المتناقضات بين العمل (تجارة السلاح مثلاً) والدور المجتمعي (فعل الخير) أن يتيح مشاهدة أكثر للعمل، ولكنه بالمقابل قد يدفع الناس إلى لعب دور هذا المجرم “البطل” على أرض الواقع.
تقول الكاتبة اللبنانية منى طايع في تدوينةٍ لها تعليقاً على العمل: “شو الرسالة اللي بدو يوصلها كاتب مسلسل الهيبة، رجل خارج عن القانون قاتل مهرب سلاح بيتحدى الدولة والقوانين والدول الأجنبية، وعم يمشي بقانون العشاير، شي مستفز، نحن بالقرن الواحد والعشرين!”.
يروّج مسلسل “الهيبة” لإعطاء صورة جميلة عن المجرم ومهرب السلاح، وبالتالي فهو يشجع بشكل غير مباشر على فكرة الخروج عن القانون، عبر التعاطف مع شخصيات لا تعترف بالقوانين.
الكاتب يردّ
وبعد كل هذه الانتقادات، خرج كاتب العمل “هوزان عكو” ليرد في تصريحٍ لـ “موقع فن” قال فيه: “إن قصة جبل ليست مستوحاة من قصة نوح زعيتر”، مضيفاً: “كثر سألوني عن هذا الموضوع، نحن لم نقتبس القصة من أي شخص، والهيبة ليست إسقاطاً لأي مكان، والمشاهدون لهم مطلق الحرية أن يقوموا بإسقاط أي مكان على الهيبة أو أي شخصية على جبل شيخ الجبل”.
وأضاف أن تيم حسن رفع الشخصية إلى حدّها الأقصى، وأخذ الشخصية إلى مكان أبعد، ونادين نجحت في تقديم شخصية “عليا” على أكمل وجه، لدرجة أنّ الجمهور لم يعد يميّز بين عليا ونادين.
وحول تلميع صورة الخارجين عن القانون، رد عكو: “الحكم على شخصية تتطور خلال العمل يحتاج لبعض التروي، الشخصيات لا تثبت في مكانها، وكل الشخصيات والأحداث ستتطور”.
وتابع: “منذ البداية، أكدنا أننا لا نتحدث عن العصابات والسلاح بل نتحدث عن عائلة، ظروفها وبيئتها تتخلل هذه الأجواء، وهم بالتأكيد تجّار لكننا نقدم الصورة كاملة والحكم للجمهور، وقد يأخذ المشاهد شخصية جبل بطريقة جيدة وطريقة سيئة، وليس دورنا توجيه الناس”.
[sociallocker] صدى الشام[/sociallocker]