المطلوب من قطر تسليم نفسها


نزار السهلي

قائمة المطالب التي أعدّتها دول الحصار الأربعة (المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات، والبحرين، ومصر)، وطلبت تنفيذَها من الدوحة، لا تختلف عن تلك التي تم تداولها يومَ فرض الحصار قبل ثلاثة أسابيع. قائمة الشروط التي سرّبتها وكالة (رويترز) للأنباء، نقلًا عن أحد المسؤولين في دول الحصار، تكشف إصرار تلك الدول على التمسك بسقف المطالب التي تبدو أكثر من تعجيزية وغير منطقية، ليس للدوحة فحسب، بل لأي مراقب بسيط، لما فيها من مساس واضح يتعلق بالسيادة، ومن تدخل سافر في الشؤون الداخلية لدولة يُفترض أنها مُكوّن رئيس في مجلس التعاون الخليجي، وأنها تتمتع باستقلال حسب القانون الدولي، وبما يتناقض أيضًا مع مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى.

يلاحظ من مطلب خفض العلاقة مع طهران، أن من بين الدول المشترطة دولًا لديها علاقات مع طهران أكثر تطورًا من تلك التي تجمع الدوحة وطهران، بعضها الآخر تعرّض ويتعرض لإرهاب طهران بشكل مباشر ومؤذٍ، بل تحتل بعضَ أراضيه، والعلاقة التجارية والسياسية بينه وبين طهران في أعلى مستوياتها. أما مطلب إغلاق القاعدة العسكرية التركية، فإن دول الحصار الأربعة لديها قواعد متعددة من شبه جزيرة سيناء إلى أبو ظبي تنتمي إلى دول عدة. أما في المطالب الأخرى مجتمعة، فيبدو منها أن قرار التصعيد مع الدوحة آخذ بالنفاذ؛ لأن كل المطالب الأخرى حول وقف دعم الإرهاب والتمويل وصولًا إلى مطلب إغلاق “شبكة الجزيرة” ووسائل إعلام قطرية أخرى، وإيواء أشخاص ومجموعات “إرهابية” كل ذلك لا يستند إلى مسوغات قانونية واضحة، بل يدخل في باب المزاعم والافتراءات التي تُصرّ عليها الدول المقاطعة.

التدخل المباشر في فرض مطالب على دولة أخرى، تخص سيادتها الوطنية والتدخل في رسم سياساتها وتحالفاتها من باب فرض الوصاية بعد تشديد الحصار، يهدف أساسًا إلى تطويع سياسة الدوحة التي لا تروق لبعض الدول، مع أن كثيرًا من سياسات تلك الدولة أضرّت ضررًا مباشرًا بمصالح دول وشعوب في المنطقة، وخصوصًا في مسألة التحالفات، واستضافة معارضين، ودعم شخصيات صدرت ضدها أحكامٌ في دولها التي تنتمي إليها، وهي لا تعمل وفق أصول الضيافة. تُشكّل الثورة المضادة التي يقودها حلف الحصار، ضدَّ دول الربيع العربي، رأسَ الحربة في كل الهجمة المحاطة بالدوحة المتهمة بانحيازها الأخلاقي وتورطها المهني، في النقل الإعلامي للأحداث ووضعها في دائرة الاتهام.

الهجمة والإصرار على إغلاق (الجزيرة) ووسائل إعلام معينة، هي تأكيد على وجود مشروعات، أُعدّت مسبقًا للمنطقة، وتبلورت بعد القمة الأميركية العربية الإسلامية مع الرئيس ترامب، وكان لافتًا إلى النظر التوقيتُ وملابسات ومزاعم الاتهام للدوحة في استهدافها، لكن تبلور المطالب بشكل رسمي، ووضع مهلة زمنية للدوحة لتنفيذها، يُهدد بشكل خطير جهودَ الوساطة التي تقودها الكويت، وينسف معها كل الحديث عن مزاعم عدم التدخل بشؤون الدول الأخرى التي تُطالب بها دول الحصار، أضف إلى ذلك أن المطالب تهدم مبدأ الحوار الذي ينادي به الوسطاء منعًا للتصعيد الخطير.

تجاهلُ دولِ الحصار الأربع، الإرهابَ الحقيقي في المنطقة، يقودُ إلى استنتاج الرضا به لعودة الشارع العربي إلى حظيرة التدجين الرسمية، ويعني أيضًا تململًا في المواقف، بدأت إشارته في واشنطن وباريس حول رأس النظام السوري بمحاباة إرهابه. وخطط فرض اتفاق المناطق الأربعة، وتقاسم الدور العسكري على الأرض تدخل ضمن الرؤية المرسومة لفرض التدجين من بوابة افتعال فرض الحصار على الدوحة، وتجهيز قائمة اتهامات رسمية، بالشكل الذي خرجت فيه على وسائل الإعلام، أقل ما يُقال فيها إن المطلوب رسميًا من الدوحة هو تسليم قرارها وسيادتها، وفرض الوصاية عليها بما يتجاوز أيضًا إغلاق قناة تلفزيونية أو وسيلة إعلامية ترتعب منها أربعة دول مساحتها الجغرافية والبشرية والمادية تفوق قطر بمئة مرة.




المصدر