on
معهد أمريكي يكشف الجانب المخفي من الضربة الصاروخية الإيرانية على شرق سوريا
أطلقت إيران في 18 يونيو/ حزيران 2017 صواريخ قالت إنها استهدفت بها مواقع لتنظيم "الدولة الإسلامية" في شرق سوريا، مدعية أن الصواريخ المتوسطة المدى أصابت أهدافها بتدمير منشآت تابعة للتنظيم المتمركز بشكل رئيسي حالياً في دير الزور شرقاً والرقة شمال شرق سوريا.
وتفاخر "الحرس الثوري" الإيراني بالضربات الصاروخية، قاصداً بذلك توصيل رسائل محلية وإقليمية ودولية، ومعتبراً ذلك الهجوم رداً على مهاجمة "تنظيم الدولة" مبنى البرلمان الإيراني، وضريح الإمام الخميني في 7 يونيو/ حزيران ما أسفر عن سقوط قتلى.
معهد "واشنطن لسياسات الشرق الأدنى"، أشار في تقرير له، أول أمس، أن هذه ليست المرة الأولى منذ نهاية نهاية الحرب الإيرانية-العراقية، التي تستخدم فيها إيران الصواريخ الباليستية كوسيلةٍ للعقاب.
وتشير تقارير إلى أنّ إيران أطلقت صواريخ من نوع "سكود" على قواعد لمنظمة "مجاهدي خلق" الإيرانية المعارضة في العراق ستّ مرات على الأقل بين تشرين الثاني/نوفمبر 1994 ونيسان/أبريل 2001.
ويرى المعهد أن الضربة الأخيرة على الأراضي السورية بمثابة المرة الأولى التي تختبر فيها إيران إحدى تصاميم الصواريخ المحلية "الأكثر حداثة" في عملياتٍ فعلية، إلا أن المعهد أشار إلى أن النتيجة "يبدو أنها كانت مختلطة في أحسن الأحوال".
"لم تصب أهدافها"
وفي تفاصيل الهجوم الصاروخي على شرق سوريا، نشرت وسائل إعلام إيرانية خمسة مقاطع فيديو ادعت أنه تم تسجيلها من خلال طائرات بدون طيار خاصة بـ"الحرس الثوري" كانت تحلّق وتنقل الصور مباشرةً إلى قادتها في طهران.
ويظهر في هذه الفيديوهات ما يبدو أنه أثر صاروخين - أو بالأحرى ما يشابه أخطاء تتعلق بالأهداف - في موقعين مختلفين في جنوب مدينة الميادين وشمالها على بعد 45 كيلومتر جنوب شرق دير الزور، وتظهر أربعة من مقاطع الفيديو هدفاً واحداً فقط من زوايا مختلفة، وبمجموعتين فعليتين فقط من الصواريخ تظهران في الصورة بالإجمال.
ولذلك - بحسب معهد واشنطن - "لا توجد أدلة كافية لدعم الادعاءات الإيرانية بأنّ كافة الصواريخ وصلت إلى أهدافها المرجوّة وألحقت أضراراً جسيمة وأوقعت عدداً كبيراً من الضحايا".
كما يشير تقرير المعهد إلى أنه لا توجد أية أدلة على أن أي من الصواريخ أصابت هدفها بشكل مباشر، مرجحاً أن الصواريخ سقطت على بعد 50 و 150 متراً من أهدافها المقصودة على التوالي.
وبالإضافة إلى لك فإنه في المنطقة المستهدفة الثانية، يمكن ملاحظة عدداً من الحرائق الحرجية ولكن من دون أي أضرار ظاهرة على المباني المجاورة. ونقل التقرير عما قال إنها مصادر عسكرية إسرائيلية، قولها: "هبط عدد من وابل الصواريخ الإيرانية السبعة (بالمقارنة مع ستة صواريخ أشارت إليها مصادر أخرى) في الصحراء العراقية، في حين أخطأت ثلاثة صواريخ أخرى أهدافها تماماً، واقترب صاروخ واحد أو صاروخان فقط من هدفيهما".
وفي حال ثبُتت تلك المعلومات، فإن ذلك يشير إلى مشاكل "خطيرة في موثوقية الصواريخ الإيرانية، والتي يمكن أن تتفاقم في الاستخدامات المستقبلية لصواريخ الجمهورية الإسلامية البعيدة المدى والأكثر تعقيداً".
صواريخ إيران
ويرى المعهد الأمريكي أن "الضربة الإيرانية لن تنجح في تعزيز عملية الردع الإيرانية تجاه الخصوم الإقليميين للجمهورية الإسلامية، الذين يتم تزويدهم بأنظمة متطوّرة مضادة للصواريخ. ومع ذلك، يمكن اعتبار قدرة صاروخ أو صاروخين على ضرب مواقع على بعد 50 إلى 150 متراً من أهدافهما، بعد قطعهما مسافة 600 كيلومتر إنجازاً في هذا المجال".
وكانت إيران قد قالت إن اسم الصواريخ التي استخدمتها في ضرب شرق سوريا "ذو الفقار"، وبحسب المعلومات المتوفرة عنه، فإنه صاروخ بالستي متوسط المدى يبلغ طوله تسعة أمتار، ويشكّل نسخةً مطوّرة عن صاروخ "فاتح-110" ويتراوح نطاقه بين 300 و700 كيلومتر.
وتضم مجموعة صواريخ "فاتح" عدة نسخ من صاروخ "فاتح" الموجه بالقصور الذاتي، فضلاً عن نسختين من صواريخ "خليج فارس" و"هرمز" الموجهة التي يتم التحكم بها بالمطراف.
وتعتبر هذه الصواريخ بشكلٍ عام من أكثر الصواريخ الباليستية المتعددة الاستعمال وأكثرها دقة في الترسانة الإيرانية، حيث يُزعم أنّ الخطأ الدائري المحتمل (CEP) في الصاروخين "فاتح-110" و"-313" يصل أقصاه إلى 10 أمتار فقط. بيد أنّ ذلك يبدو مستبعداً جداً نظراً لأداء صاروخ "ذو الفقار"، وفقاً لمعهد "واشنطن".
ويرجح أن تكون إيران قد صغرّت من الراس الحربي شديد الانفجار للصاروخ، حيث أفادت تقارير بأنه يزن 500 كيلوغرام من أجل التخفيف من الوزن، وبالتالي تمكين الصاروخ من عبور مثل هذه المسافات الطويلة.
وسائل إعلام إيرانية كانت قد أشارت هي الأخرى إلى أنّ بعض الصواريخ المستخدمة كانت في الواقع من نوع "قيام" التي تعمل على الوقود السائل، وهي نسخة محلية مطوّرة من صاروخ "سكود" ويُدّعى أن مداه يبلغ 800 كيلومتر وله رأس حربي يزن 700 كيلوغرام. بيد، لم تُظهر اللقطات التلفزيونية عن عمليات الإطلاق سوى صواريخ "ذو الفقار".
رسائل إيران
أما عن أبرز الرسائل التي أرادت إيران إيصالها من ضرب شرق سوريا، فهي أنها أتاحت الفرصة لـ"الحرس الثوري" للتباهي بترسانة الصواريخ التي يملكها ولاستعادة صورته المحلية، التي يُعتقد أنها شُوّهت بعد الهجمات على طهران.
وفي مؤشر يؤكد وجهة النظر هذه، فإن "الحرس الثوري" كان بإمكانه استخدام صواريخ "شهاب-3" أو "قدر" الأكثر قدرة وذات المدى الأبعد لإرسال رسالة إقليمية أكثر قوة - ناهيك عن إحداث المزيد من الضرر، إلّا أنّ هذه الصواريخ كان من الممكن أن تكون أقل دقةً من صواريخ "ذو الفقار"، وأن تتسبب بإحراجٍ غير منتظر فضلاً عن إيقاع ضحايا في صفوف المدنيين.
بالإضافة إلى ذلك، يقول معهد "واشنطن": "اختار الحرس الثوري إطلاق الصواريخ من أراضيه بدلاً من استخدام صواريخ فاتح أو صواريخ أخرى أقصر مدى منشورة في الصحراء الغربية العراقية، على افتراض أنّ العراق سيسمح بهذا التمركز. وكان من الممكن أن يوفّر ذلك الخيار دقةً أكبر، ولكنه ربما كان يفتقر إلى الآثار الرادعة والرافعة للمعنويات التي يوفّرها استخدام قواعد الوطن".
وكانت لدى إيران أيضاً خياراتٌ أخرى للرد الانتقامي، كاستخدام ميليشياتها التابعة لـ"الحرس الثوري" لمهاجمة "تنظيم الدولة" شرق سوريا، إلّا أنّ هذه الهجمات كان يمكن أن تتسم بمخاطر كبيرة، كما كان بإمكانها الاستعانة بطائراتها الحربية المقاتلة والقاذفة من طراز "إف-4 فانتوم" التابعة لقواتها الجوية، حيث تتمتع هذه الأخيرة بنطاق واسع للوصول إلى أهدافها في شرق سوريا والعودة من خلال التزود بالوقود في العراق.
ويختم معهد "واشنطن" تقريره بالتأكيد على أن الصواريخ الإيرانية لم تصب أهدافها كما هو مرجو، وأن الهجو الصاروخي يشير إلى أن إيران ربما تواجه مسائل خطيرة في ما يخص مراقبة الجودة والموثوقية المتعلقة ببرنامجها الصاروخي.
ويضيف: "وفي حين أنّ هذه الحادثة قد تدفع الإيرانيين إلى إعادة النظر في تدابير التصنيع ومراقبة الجودة وتقييمها، مما يزيد من تأخير مشاريعهم الراهنة، فقد تبحث طهران أيضاً عن حلول لهذه العيوب الواضحة في مصادر التكنولوجيا الأجنبية".