هل أصبحت أعيادنا مواعيد متجددة للحزن؟
25 حزيران (يونيو - جوان)، 2017
صفاء مهنا
مَرّ أول عيد فطر على السوريين، بعد أشهر من بدء الثورة في عام 2011، وكانت أكثر العبارات تداولًا، بين الثوار للتعبير عن المباركة بالعيد، هي: “نتمنى في العيد القادم أن نكون قد نلنا الحرية التي خرجنا لأجلها”.
توالت الأعياد وانتشر السلاح والموت في كل أنحاء سورية، وتغيّر دعاء الناس، بل تعدد وتلون، وأصبحت الابتهالات تتماشى مع الحال التي يعيشها كل فرد.
من الطبيعي، أن يكون، لمن خرج من بلده وهجر ديارَه مرغمًا، ابتهالات ودعاءات لها طعم مرارة الغربة ذاته، على الرغم من كل أطباق وأصناف الحلويات التي تزين موائد العيد.
ترى باسمة -وهي امرأة سورية من إحدى قرى حلب، لجأت إلى السويد مع زوجها وطفليها- أن العيد أصبح مناسبة حزينة بالنسبة لها ولأسرتها، وقالت لـ (جيرون): ذهبتْ تلك الأيام التي كنا ننتظر فيها العيد لنبتهج، فهنا نحاول في أول يوم العيد الاتصال بالأهل والأقارب في سورية، لكننا في الغالب لا نوفق بسبب انقطاع الكهرباء والإنترنت عندهم، وإذا تمكنا من مهاتفتهم يكون محور الحديث استرجاع آلامنا ومآسينا”.
ويتنهد محمود الشاب الثلاثيني على فقد إخوة وأصدقاء له، في الغوطة الشرقية بريف دمشق، جرّاء قصف طيران النظام، ويقول لـ (جيرون): “نحاول تجاوز جراحنا والمضي في الحياة بعيدًا عن تلك الصراعات التي طحنت معظم الشباب، لكن في القلب غصة كبيرة لا تترك مجالًا للفرح، لم يبقَ من العيد سوى اسمه وتاريخه على ورقة تقويم”.
كما تختلف نظرة كل امرئ إلى الحياة والمستقبل، في الأيام العادية وفي أوقات السلم والسكينة، فكذلك تختلف تلك النظرة أثناء الحروب والصراعات، ويبقى بعض الأمل يلف نفوسًا حاول الضيم أن يكسرها، لكنها لا تنفك، بإرادة وعزيمة، تحاول النهوض من جديد.
فقدت فدوى زوجَها في حمص في إحدى المعارك مع قوات النظام، واضطرتْ للهرب مع أولادها الأربعة إلى تركيا؛ ومنها إلى السويد، لكنها تملك من القوة ما يجعلها تركز على مستقبل أولادها الذين لو لم تتمكن من الهرب بهم، وهم فتية، لكانت فقدتهم واحدًا تلو الآخر، حسب قولها.
وتضيف حول العيد: “كان للعيد ولرمضان حرمة، لم تعد موجودة في بلدنا، فقد كان الناس يتسامحون ويتصالحون مهما كانت درجة الخلافات، بعد خروجي قتل والدي في العيد أثناء القصف على حي الوعر، لكننا سنعود رغم كلّ الآلام، وحسبنا في العيد أن ندعو لوقف القتال والموت في سورية”.
لا تقتصر الأعياد على أنها مناسبات دينية فحسب، فهي ذاكرة مليئة بكم هائل من الصور والألوان، تغفو تلك الذاكرة قليلًا ثم تستيقظ بشغف قبل أشهر من قدوم العيد، وقد تحمل من الصور ما هو تخيلات فرح بدأت منذ الطفولة، وربما رسمَ كل شخص منذ الصغر صورةً للعيد ظلت عالقة في ثنايا الذاكرة، كما تتنوع وتختلف رسومات الأطفال عن العيد على دفتر الرسم، حسب ما يحلو لكل منهم.
الجدّة أم عامر تحمل في ذاكرتها من الصور الجميلة؛ ما جعلها تبكي، عند سؤالها عن وصف العيد في بلاد الاغتراب، رغم أن عددًا من أبنائها وأحفادها معها في المدينة نفسها، قالت: “صحيح أننا نصنع حلويات العيد، لكننا -الكبارَ- لا نحس بطعمها اللذيذ، خاصة لما كان لها من ذكرى جميلة مع الأهل والأقارب الذين توزعَ مَن بقي منهم على قيد الحياة في أصقاع المعمورة”.
تغصّ بدمعة تعلق في مقلتها ثم تتابع: “في العيد هنا نفتقد كل التفاصيل الجميلة، حتى التسوق الذي كان عبئًا على معظم الأسر السورية، فقد كان متعة نفتقدها هنا ونحنّ لتفاصيلها، لكننا مجبرون على أداء بعض الطقوس أو الواجبات من أجل الأطفال الذين لا ذنب لهم في ما يفعله الكبار، ولكي نبعدهم عن ذكريات القصف والموت التي ما زالوا يعانون منها حتى الآن”.
مهما كانت حسرة السوريين في بلاد الاغتراب كبيرة، لكن معظمهم يعيش في بيوت حياة طبيعية بتفاصيل تشابه ما كانوا عليه في ديارهم، ويبقى أولئك الذين يسكنون الخيام التي لا تقيهم حر الصيف ولا برد الشتاء، يبقون الهم والوجع الأكبر، وربما لا مساحة في حيواتهم لاستحضار قليل من ذكريات الماضي، فهم يعيشون القهر والألم في كل لحظة، وأي ذاكرة ستكون لديهم لتحمل كل ذلك الحزن، عندما تعصف الريح بخيامهم وتقتلع حتى الذكرى.
يصادف عيد الفطر هذه السنة تقريبًا مع العيد السنوي في السويد، ويسمى “منتصف الصيف”، وهو مناسبة يحتفل فيها السويديون بالتمتع بأشعة الشمس التي يفتقرون لها طوال السنة، وبالحشائش والأعشاب والأزهار التي يعتقدون أن لها قوة في هذا اليوم قد يستفاد منها خلال الأيام القادمة.
في أعيادنا تُزار المقابر وتوضع أكاليل الزهور عليها، كذلك لدى السويديين مثل هذا الطقس، لكن يبقى الفرق بين الشعبَين في كمية الفرح أو الحزن التي ترافق عادة المناسبات، ولا شك في أن كفة الفرح راجحة لدى الغرب عن أختها في الشرق الحزين، حيث تتحول الأعياد، في الغرب، إلى مهرجانات للمرح والغناء والرقص. ومع أن الغربيين يتفاعلون مع المواقف الحزينة بتعاطف كبير، لكنهم يستمرون في الحياة إلى الأمام دون أن تكبلهم تلك العواطف أو تطغى على حيواتهم بشكل معرقل ومقيد.
قد نجد بعضًا من السوريين في أماكن احتفالات السويديين، من باب الفضول أو للتعبير عن رغبة في الاندماج بالحياة الجديدة، لكن يبقى لسان حالهم، عند حلول الأعياد الخاصة بهم، يردد: نتمنى أن يكون العيد القادم أفضل حالًا على السوريين.
[sociallocker] [/sociallocker]