نيو يورك تايمز: محاربة المتطرفين على الرغم من تمويلهم


أحمد عيشة

حتى المراقبون الخبراء يعترفون بالارتباك والقلق حول الشرق الأوسط، حيث وصل التنافس والغيرة بين الدول إلى مستوياتٍ جديدة من التعقيدات؛ فالمملكة العربية السعودية، وبعض جيرانها، قرروا معاقبة قطر، وبعض مواطنيها، ظاهريًا بسبب دعم وتمويل الإرهاب الإسلامي. لكنّ المملكة العربية السعودية نفسها متهمةٌ بتمويل المتطرفين. لا يهم: فالرئيس ترامب، سحرته العائلة المالكة السعودية، جنبًا إلى جنب مع السعوديين، على الرغم من وجود قاعدتين مهمتين للولايات المتحدة في قطر.

أمرٌ محيّر، أليس كذلك؟ ولكن توجد حقيقةٌ قاسية واضحة واحدة: أكبر الخاسرين في كل هذا، قد يكون في النهاية المعركة ضد “الدولة الإسلامية”. لا أحد يحب (داعش). ومع ذلك، فإنَّ فكرة وجود جبهةٍ موحدة بين دول الخليج، ضد الجماعة الإرهابية، قد تبخرت، ولكنَّ النفاق والتناقضات كثيرة. وهنا نقدم فكرة بسيطة عن بعض اللاعبين الرئيسين.

قطر، هذا البلد الصغير، ولكن الغني جدًا، لديه -بالتأكيد- سجلٌ مختلط. ولكن هل يشكّل تهديدًا كبيرًا؟ في الأسبوع الماضي، وافقت الولايات المتحدة على بيع قطر طائرات F-15، بقيمة 12 مليار دولار، ووصلت سفينتان من البحرية إلى هناك لإجراء مناوراتٍ عسكرية مشتركة. لو أنَّ قطر تُعدّ تهديدًا إرهابيًا خطيرًا، لما حدث ذلك.

صحيحٌ أنَّ قطر متهمةٌ، منذ وقتٍ طويل، بتمويل جماعة الإخوان المسلمين، وهي شبكةٌ سياسية فضفاضة ومؤثرة. وقد تخلّت جماعة الإخوان رسميًا عن العنف، ومع ذلك، فإنّ المملكة العربية السعودية التي يخشى حكامها الملكيون، من الشعبوية الإسلامية، لا يزالون يصنفونها جماعةً إرهابية.

دعمت قطر أيضًا المتطرفين في سورية، مثل جبهة النصرة (وهي فرعٌ لتنظيم القاعدة) وجماعات في ليبيا وغيرها من الدول العربية. لكنَّ السعوديين ساعدوا، منذ فترةٍ طويلة، جماعات المتمردين المتنافسة في تلك البلدان، بمن فيهم المتطرفون. ونتيجة لقيامها بدور الوساطة الإقليمية، أغضبت قطر السعوديين من خلال تعزيز الروابط مع جماعات عدائية أخرى، بما في ذلك طالبان الأفغانية، و”حزب الله” في لبنان، و(حماس) في قطاع غزة، معطيةً الفرصة لبعض قادتها بالظهور المباشر على شبكة التلفزيون الحرّة، قناة (الجزيرة).

يشعر السعوديون بالانزعاج بسبب محادثات قطر مع إيران، منافسها الرئيس، غير أنّه ليس من المستغرب، لأن كلا الدولتين تشترك في بئر كبير للغاز الطبيعي في الخليج.

كانت الأحكام الأميركية حول أنشطة قطر مختلطةً مثل سجل قطر؛ ففي عام 2014، وصفت وزارة الخارجية، قطر بأنها “ولاية متسامحة” لتمويل الإرهاب، لكنها أشادت منذ ذلك الحين، بجهودها لوقف هذا التمويل، ومنع الإرهابيين من عبور حدودها كدليلٍ على “شراكة قوية”.

في شباط/ فبراير، دانيال غلاسر، -وهو موظف سابق في الخزينة- أشاد بِـقطر لقيامها بعملٍ جيد في محاولة منع تمويل الإرهاب، من خلال الرقابة على القطاع المالي، والجمعيات الخيرية المحلية، ومقاضاة الأشخاص بسبب المعاملات غير المشروعة. وعلى الرغم من ذلك، اشتكى من أنَّ ممولي الإرهابيين “يعملون بشكلٍ علني وصريح” في قطر والكويت، وحثَّ الحكومتَين على إغلاق مثل هذه الأنشطة.

المملكة العربية السعودية، منذ هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، الهجمات التي شنَّها أساسًا خاطفون مولودون في السعودية، وسلسلة من الهجمات التي شنّها تنظيم القاعدة، و(داعش) ضد المملكة، أصبحت السعودية أكثر جديّةً إزاء التطرف؛ بعض الخبراء يعدّونها أكبر شريكٍ لمكافحة الإرهاب في المنطقة. وتبّنتْ مقاربة عدم التسامح مطلقًا مع (داعش)، وانضمت إلى التحالف بقيادة الولايات المتحدة الذي يقاتل الجماعة. ومع ذلك، فإنَّ تقارير الحكومة الأميركية تقول: إنَّ الدعم المالي للإرهاب من السعوديين “لا يزال يشكل تهديدًا للمملكة، والمجتمع الدولي”. وحيث إنّ السيد ترامب تجاهل هذا، فإن السعودية تقوّض أيّ عملٍ جيد تقوم به، من خلال الاستمرار في إنفاق المليارات من الدولارات على نشر الوهابية، وهي العلامة الإسلامية التقليدية المتطرفة، وهي بدورها تلهم (داعش)، والقاعدة وغيرهم من المتطرفين السنة، من خلال شبكةٍ من الأئمة والمساجد في بلدانٍ مثل كوسوفو، وإندونيسيا، وباكستان.

واعتمادًا على رجال الدين الوهابيين من أجل الشرعية، فقد كانت الأسرة المالكة بطيئةً في إصلاح الدين الذي يُعلّم أنَّ غير المؤمنين، والمسلمين الضالين يجب أن يُنبذوا أو يُحاربوا، إذا رفضوا الرسالة الصارمة. ويقول الخبراء إنَّ بعض النصوص المدرسية السعودية تبدو وكأنها تستفيد من كراهية الآخرين. السعوديون، بمساعدة من الاستخبارات والسلاح الأميركي، قد يكونون أيضًا متطرفين مع حربهم الوحشية في اليمن.

إيران على عكس قطر، والمملكة العربية السعودية، إيران دولةٌ شيعية؛ وهي بالتالي عدوٌ طبيعي للجماعات الإرهابية السنية مثل (داعش) التي تقاتلها في العراق. وكانت إيران هدفًا لهجومين مدمرين مؤخرًا في طهران، تبنتهما (داعش). وفي الوقت نفسه، إذا كانت تُعِدُّ مجموعاتٍ إرهابية أخرى، فإن إيران لاعبٌ سيئ. وكانت وزارة الخارجية قد وصفتها بالدولة الراعية للإرهاب في عام 1984، بعد خمس سنواتٍ من الثورة الإيرانية، وهي لا تزال مدرجة في القائمة، إلى جانب السودان وسورية.

ويقول خبراءٌ أميركيون: بغضِّ النظر عن إخفاقات السعودية أو قطر، فإنَّ إيران أسوأ، لأنَّ الحكومة ترعى مشاركتها مع الجماعات المتطرفة. ووفقًا لتقارير وزارة الخارجية، فإنَّ إيران تموّل، وتدير، وتسلّح “حزب الله”، وغيره من القوات الشيعية في سورية، وهم الذين ارتكبوا انتهاكات حقوق الإنسان في المعركة من أجل دعم الجزار السوري المعروف بشار الأسد؛ وقوات “حزب الله” المعادية لـ “إسرائيل” في لبنان؛ والشيعة في البحرين. ومن الناحية التاريخية، قدّمت إيران أيضًا أسلحةً، وتدريبًا، وتمويلًا لـ (حماس)، وغيرها من الجماعات الإرهابية الفلسطينية.

ومن المهم أنَّ الأميركيين لا يتهمون روسيا، حليف إيران، بالإرهاب لاستخدامها قوتها النارية لإبقاء حكومة الأسد في السلطة؛ حيث لم يُسمَّ أيٌّ من الإيرانيين كمسؤولين، عندما نشرت الإدارة في شباط/ فبراير قائمةً تضم 78 مهاجمًا إرهابيًا كبيرًا. وبعض أنشطة إيران، ولا سيما حربها على (داعش)، تتفق مع الطموحات الغربية.

كلُّ واحدٍ من هؤلاء اللاعبين الرئيسيين الثلاثة له دورٌ يلعبه في الجهد الأكبر لهزيمة، ووقف تمويل الإرهابيين. ولكن هناك حاجةً إلى الوضوح، والصدق بشأن مختلف مصادر المشكلة، والمساهمات المختلفة التي يمكن لكلّ دولةٍ أنْ تقدّمها إلى المعركة.

إنَّ المبالغة أو التشويه للأفعال الخاطئة لقطر، وإيران، مع منح السعوديين حريةً كاملة، لن تفيد إلا مساعي السعودية في توسيع نفوذها الإقليمي.

اسم المقالة الأصليFighting, While Funding, Extremists
الكاتبهيئة التحرير، The Editorial Board
مكان النشر وتاريخهنيو يورك تايمز، The New York Times، 19/06/2017
رابط المقالةhttps://www.nytimes.com/2017/06/19/opinion/saudi-arabia-qatar-isis-terrorism.html
ترجمةأحمد عيشة



المصدر