سوريون يصارعون من أجل فرصة عمل
26 حزيران (يونيو - جوان)، 2017
علاء كيلاني
كان من المرجح أن تتسم برامج المساعدة بفاعلية أكثر، في الحد من صدمة وهشاشة وضع اللاجئين السوريين، خارج بلادهم. لكن المحصلة النهائية أفضت إلى أن الحماية الإنسانية بمفردها غير كافية لتعزيز عملية انتقالهم، من الاعتماد على الغير إلى الاعتماد على النفس، ما لم تقترن بمشاريع تنموية مستدامة، تحوّل أزمة لجوئهم إلى فرصة للتنمية من أجل الجميع.
ومثلما فشلت برامج المساعدة الاجتماعية، أخفقت أيضًا برامج التنمية التي تدعمها منظمات دولية، بمشاركة الحكومات المعنية لتطوير المجتمعات المحلية في تركيا ولبنان والأردن، أكثر البلدان استضافة للاجئين، في انتشالهم أو التقليل من حجم المخاطر الاقتصادية التي يتعرضون لها. فمعظم أفراد الأسر، وغالبيتهم في سن العمل 25/18 يواجهون في الوقت الراهن تحديات ما زالت تحول دون حصولهم على فرص عمل، تحمي أوضاعهم من الانحدار نحو قاع الفقر والحاجة، خصوصًا في لبنان والأردن، إذ يخضع العمل فيهما، لتشريعات وأنظمة صارمة، تشل حركة اللاجئين إلى حد كبير.
الأردن -كنموذج- يشهد مشاريع تنموية مشتركة، مدعومة من مجموعة البنك الدولي والجهات الدولية المانحة. ولا تزال الأسر السورية المثقلة بالديون المتراكمة، وتبادل أدوار الجنسين مع ازدياد عدد النساء اللواتي يبحثن عن عمل إلى جانب الرجال. تُصارع بمفردها من أجل الحصول على فرصة عمل لأحد أفرادها، تغطي بعض احتياجات العائلة، وقسطًا من فاتورة استهلاكها الضرورية.
من الواضح أن التأثيرات المتوقعة لهذه المشاريع لم تأت بالصورة المفترضة. إذ تشير نتائج مسحٍ، أجرته منظمة (كير) العالمية في الأردن، إلى أن 78 بالمئة من الذين شملهم المسح، عاطلون عن العمل، وأن 89 بالمئة من اللاجئين مثقلون بوطأة الديون التي تزداد بشكل طردي مع ارتفاع تكاليف الحياة، فيما تزيد النفقات الشهرية للإيجار والغذاء والدواء والتكاليف الأخرى، بنسبة 25 بالمئة عن متوسط الدخل العام. كما أن ما يقرب من ثلث الأسر ترأسها نساء، يواجهن في الواقع مخاطر تتعلق بالحماية القانونية، بخلاف الأسر التي يرأسها رجال.
وتبلغ نسبة الذين استفادوا من خطوات المجتمع الدولي والسلطات الأردنية، لإشراك السوريين في تنمية الاقتصاد المحلي والمجتمعات المضيفة، واحدًا فقط من كل خمسة لاجئين من العينة، بحسب نائبة المديرة العامة للمنظمة، إيمان إسماعيل. نظرًا لوجود عقبات متعددة تشمل انعدام فرص العمل، وتحديد العقود لمدة سنة، ما زالت تفرض نفسها. إضافة إلى أن عددًا قليلًا جدًا من حاملي التصاريح، هو من النساء، ربما لأن القطاعات المتاحة لهن -في الغالب- لا تلبي رغباتهن أثناء البحث عن فرصة أو قد تكون غير مطابقة لميول معظمهن.
لكن الأردنيين -بحسب المسح- ما يزالون يشعرون بأثر اللاجئين عند البحث عن مسكن، أو عمل، أو أثناء حصولهم على الخدمات الصحية. وتتأثر كلتا المجموعتين بالأوضاع السيئة للاقتصاد المحلي؛ ما يسهم في ظهور تنافس على الوظائف في القطاعين الرسمي وغير الرسمي، وقليلًا ما يؤدي إلى توترات مجتمعية بينهما.
يرغب معظم اللاجئين الذين هم في سن العمل، حاليًا -وفق الخبير الاقتصادي فادي العريقات- بالانخراط في مشاريع تجارية، أو تأسيس محلات صغيرة، تعتبر من الناحية العملية مشاريع مستدامة، تحسن من أوضاعهم مستقبلًا، إلا أنهم بحاجة إلى المال اللازم والمواد اللازمة، للبدء بتنفيذها، وتلك هي العقبة الأهم. أضاف العريقات لـ (جيرون): قد يبدو الالتفات إلى هذا الطرح ومعالجته بجدية أكثر ضرورة، فحتى الآن لم تثمر المشاريع الدولية التي يجري العمل بها بمشاركة الحكومات الوطنية، عن فرص عمل تتناسب مع العدد الذي ينتظر. والفرص التي يتم تأمينها تذهب حقيقة لأفراد المجتمعات المضيفة، بسبب تفشي البطالة فيها. الأمر الذي يزيد من صدمة اللاجئين، ويسهم في تدهور أوضاعهم أكثر. وما لم يحدث تغيير جذري في الاستراتيجيات الدولية لتعزيز قدرة السوريين على الاعتماد الذاتي والمشاركة بالاقتصادات المحلية، عبر برامج طويلة الأجل، تجمع بين الموارد الإنسانية والإنمائية، فإن الهوة التي يعانون منها ستزداد خطورة، وقد تؤدي إلى نتائج سلبية لا يمكن معالجتها بسهولة.
ويشير مسح (كير)، على الصعيد ذاته، إلى أن أكثر من 79 بالمئة من اللاجئين، اضطرتهم ظروفهم لاستخدام أساليب وطرائق تأقلم سلبية أو حتى ضارة، من أجل تغطية نفقاتهم، بما في ذلك عمالة الأطفال، وزواج الأطفال المبكر. وقد أخرجت 7 بالمئة من الأسر، من العيّنة، أطفالَها من التعليم لأجل توفير النفقات الموجهة لمصروفات الكتب والنقل والتكاليف الأخرى المتعلقة بالمدارس. مع أنها تعتبر التعليم أولويةً قصوى بين الفتيات والفتيان.
وتعيش الغالبية العظمى من العائلات في مساكن مستأجرة، وهناك زيادة حادة في نسب الأسر التي أجبرت على تغيير مساكنها بسبب الإخلاء، أو لأنها لم تعد قادرة على تحمل الإيجار؛ ما جعل الأسر التي تقودها نساء معرضةً للخطر بوجه خاص، وتواجه زيادة في انعدام الأمن في مجال السكن. وقد زاد سوء الأحوال الاقتصادية، واضطرارها تحت هذا الظرف للعيش مع أسر متعددة في سكن واحد، من الإجهاد النفسي والاكتئاب، وزيادة العنف المنزلي بين أفرادها.
وتقدر (كير) نسبة السوريين الذين يعتمدون على المساعدات الإنسانية كمصدر رئيسي للدخل، بنحو 40 بالمئة، أي بزيادة 33 بالمئة عن عام 2016؛ ما يعني وجود ضرورة قصوى، في أن يتحول التركيز الأممي من المساعدات الإنسانية إلى النمو الاقتصادي في المناطق المضيفة، وإنشاء مشروعات مشتركة ومستدامة، جديدة، تمكن اللاجئين في المجتمعات المحلية من المشاركة في النمو الاقتصادي، والانتقال من الاعتماد على المساعدات الإنسانية إلى الاعتماد على النفس. وهذا يتطلب استمرار وتعزيز التعاون بين الوكالات والمؤسسات الإنسانية والإنمائية، والشركاء الدوليين، إلى جانب الحكومات الوطنية، في الدول الثلاث التي تستقبل العدد الأكبر من اللاجئين.
[sociallocker] [/sociallocker]