يوم القدس الإيراني… كذبة “الموت لإسرائيل”


نزار السهلي

للعام الثامن والثلاثين، تتصدر كذبة “يا قدس قادمون” و”الموت لإسرائيل – الموت لأميركا” التي تُزيّن شعارات يوم القدس “العالمي” الذي دعا إليه خميني إيران، في آب/ أغسطس 1979، وأصبحت شعائره في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان.

المختلف في الاستثمار، بيوم القدس منذ ستة أعوام، أن عائداته خاسرة في سوق بيعها السوري والفلسطيني والعربي. جزء من المحتفين بهذا اليوم شعبهم مشرد نتيجة مشاركة عدوان الفرق التي تتبع لطهران، وتقتصر أرباح “يوم القدس الإيراني” في خزينة الأعوام الستة على دفاتر مهترئة لدكاكين موجودة بدمشق ليس إسلامية فحسب، بل أصبحت طقوسه موضع منافسة في نسخ الشعارات ولصقها، والطواف بها في الأحياء التي تُسيطر عليها فرق طهران المذهبية، في حزام العاصمة دمشق، وتتزاحم فصائل فلسطينية “علمانية ويسارية” في سوق الحميدية إلى مئذنة الشحم والسيدة زينب، ترفع رايات مذهبية وطائفية منسوخة من سفارة طهران في دمشق، مكافأته آخر النهار مأدبة إفطار وكيس من “التومان”.

يواكب الاحتفاءَ بـ “يوم القدس الإيراني” كل عام، ضجيجٌ كثير، تُثيره تصريحات المسؤولين الإيرانيين، ويرددها، بطريقة ببغاوية، من يُساقون للطواف في أزقة مدينة دمشق المُستوطنة من قبل عصابات إيرانية وعراقية، تلتحف بلافتات ذاك اليوم، وسماع كثير عن دقائق الصواريخ الإيرانية السبعة “لتدمير وحرق نصف إسرائيل”، فإذا بها تنهمر على دير الزور، وما كان من شعار “يا قدس قادمون” إلا بتجسيد تسلل فرق طهران المذهبية والعصابات المدعومة منها، تُنفّذ قدومها على عجل، وتبدأ شعائر السلخ والقتل والتدمير والتهجير في أرياف المدن السورية وحواضرها، فيما مدينة القدس تتعرض كل لحظة، من لحظة تجسيد شعارات “يوم القدس الإيراني” في سورية، لجملة من الانتهاكات والعدوان.

“يوم القدس الإيراني” في الربيع العربي، شكّل مظلة واسعة للاحتلال الصهيوني المزهو بالبوصلة الإيرانية وإشارتها السورية، يُدرك جيدًا جعجعة اللافتات المرفوعة: “الموت لأميركا” و”يا قدس قادمون”، طحينها أجساد سورية وفلسطينية ويمنية ولبنانية، أعفت المحتل من إحدى مهماته، في حين تبدو القدس الإيرانية، ويومها، غير تلك المنتشرة في حوانيت الفصائل الفلسطينية الدمشقية المنتشرة بين حيي المزرعة والمزة، أقداس طهران ومقدساتها في حسينيات ومزارات وقبور تُصرّ على فرض أساطير مذهبية وطائفية عليها، مع أنها ترقد بين جنبات السوريين من قرون طويلة دون أسطرة ومذهبة.

خرافات طهران “المقدسة” انفكّ سحرها وتلاشى، وقبة قصر المهاجرين وبيت الأسد تُمثّل “قدس” إيران، والاحتفاء بيومها مؤازرة لقبة قصر المهاجرين، تتحين دولة الولي الفقيه الفرصَ؛ لتوسيع قدسها الحيوية والاستراتيجية، بما يحتم عليها من تسويق شعارات موسمية تتصل بالقدس المدينة والاحتلال، بينما قوة التدمير والقتل وإنشاء العصابات وإشاعة “قداسات” مشكوك في قيمتها وفاعليتها، بل في سقوطها المدوي من الأسطرة الكاذبة إلى واقع احتلالي فرضته انعطافات طريق القدس الإيراني الممتلئ بأجساد الضحايا، من أبنائها وأشقائهم، وممتلئ بدمار الحواضر والأوابد.

“يوم القدس الإيراني” هو احتلال منزل عائلة نزار قباني في مئذنة الشحم، وهو السطو على مقدسات السوريين وأوابدهم، وحرق سجلاتهم المدنية، وتدمير منازلهم، واحتلال قراهم وتهجير أهلها، ومساعدة فاشي سورية بتحويلها إلى “قدس مصغرة” في طريق مشروع ولاية الفقيه.

شعائرُ يوم القدس الحقيقية تُمارَس هناك.. في حي باب العمود والمدينة القديمة، في المحراب والأزقة، يحييها مرابطون مدافعون عنها بما يملكون، لا ينتظرون صواريخ من شعارات مزيفة، ولا سراب طريق مجربة منذ خمسة عقود، لا ينتظرون فِرقًا مُجرمة وقاتلة لأشقائها، يرفعون الرايةَ في وجه نتنياهو، ويرفعون أحذية المصلين في الأقصى، في وجوه المحتلين، هؤلاء أقوى من جعجعة الدقائق السبعة لصواريخ طهران، ومن كل جعجعة الممانعة، يحيا سكان القدس يومهم ودقائقهم منذ خمسين عامًا، ويؤرقهم من يعطي المحتلَ ذرائعَ التغول بها تهويدًا. ممارسةُ التطهير العرقي في أقداس إيران السورية غير بعيدة عن مسالك التهويد للمدينة المقدسة، مشاريع القدس الكبرى لدى الصهيوني يوازيها قدس أشمل في مقلب الأساطير الإيرانية بالأحلام الفارسية. القدس تنتظر أهلها وإخوتها المعافين السالمين المشمولين بحريتهم وكرامتهم؛ إن استعادة القدس ويومها وأفراحها تقوم على هدم “قدس” طهران ودمشق، بإزاحة كل الطغاة وهدم كل الأساطير التي تهدف إلى قتل الإنسان وسحق إرادته، ومحو التاريخ وتزويره بشعار “يا قدس قادمون”.




المصدر