أميركا وإيران في سباق على اقتسام التركة الداعشية


طريف الخياط

طالما كان السؤال عمّن ستؤول إليه السيطرة، على الأراضي التي خضعت لـ (داعش)، أحدَ أهم العوامل التي أخّرت دحر هذه الجماعة الإرهابية، وأحد أهم نقاط الخلاف بين أنقرة وواشنطن، الخلاف الذي حسمته الأخيرة، في نهاية عهد أوباما، برسائل عسكرية على الأرض لصالح حلفائها في (قوات سورية الديمقراطية) مع بعض الطمأنة لتركيا، لكن بما لا يروق كلّيًا لها. اليوم، وقد بدأ حكم (داعش) يتداعى، غير مأسوف عليه، فإن السباق على اقتسام ترِكته ليس شأنًا محصورًا بأميركا وحلفائها، بل يشارك فيه النظام، مدعومًا بإيران وروسيا في ساحة تزداد تعقيدًا واكتظاظًا، ولا يبدو أن اتفاق “خفض التصعيد”، وما يُفترض أن ينجم عنه من اقتسام ضمني لمناطق النفوذ، كفيلٌ بضمان انتقال سلس للسيطرة على مساحات شاسعة من الأراضي السورية، من (داعش) إلى اللاعبين الدوليين والإقليميين وحلفائهم المحليين.

لا يبدو التنافس المحموم، على النفوذ في الأراضي السورية، أوضح مما هو عليه في البادية السورية، مرورًا بخط الحدود السورية العراقية، وصولًا إلى مدينة دير الزور؛ حيث بلغ التنافس أشدّه مع إسقاط القوات الأميركية لإحدى طائرات النظام السوري من طراز سوخوي 22، وسبقه بضع حوادث تعرضت فيها قوات النظام وحلفائه لضربات أميركية، حين كانت تشق طريقها في مناطق يسيطر عليها حلفاء واشنطن، باتجاه الحدود السورية الشرقية.

ليس سرًا أن أولوية واشنطن في سورية هي القضاء على (داعش)، لكن ليس على حساب تغوّل إيران إقليميًا وتمكينها من إعادة فتح خط إمداد بري، يبدأ من طهران وينتهي ببيروت مرورًا ببغداد ودمشق. في المقابل، فإن التقدم الذي يحرزه النظام السوري وحلفاؤه على الأرض يوحي أن دمشق عازمة على فتح ذلك الطريق، وإن لم يكن عبر معبر التنف الحدودي الذي تتواجد فيه قوات أميركية وبريطانية وأردنية، لكن من خلال استكمال السيطرة على ما تبقى من الشريط الحدودي ومدينة دير الزور، ولا يبدو أن واشنطن تستطيع كبح هذا التقدم دون الدخول في مواجهة مباشرة مع طهران، لا تكون سورية مسرحها الوحيد.

طوال سنوات، من عمر الحرب السورية في عهد إدارة أوباما، كان غياب استراتيجية أميركية واضحة هو السمة التي طبعت سلوك تلك الإدارة في هذا البلد، وليس الأمر بأفضل حالًا في عهد ترامب الذي بدا أكثر حزمًا لكن ليس أقل تخبطًا، حتى إن بعض الخبراء بات يحذر من أن خطوات التصعيد العسكري ضد طهران ونظام دمشق، في الساحة السورية، قد ينطوي على مخاطر جمة، إن لم يكن مدروسًا ضمن إطار استراتيجي عام وشامل، وذلك عدا الجدل المتعلق بالاتفاق على مستقبل المناطق المحررة في سورية والعراق، في مرحلة ما بعد (داعش).

إن اتخاذ قرارٍ، بالمواجهة مع إيران، يتطلب أن تكون الولايات المتحدة مستعدةً للتعامل مع سيل من الاضطرابات في عراق مضطرب أصلًا، وأن تتهيأ لمزيد من الاستفزازات في مضيق هرمز والخليج العربي، ثم إن الموقف الروسي من أي تصعيد مُقبل ليس محسومًا كليًا، إذ من الممكن أن يلجأ بوتين الذي يعاني من تدنٍ غير مسبوق في شعبيته، ويتحضر لموجة جديدة من التظاهرات في الاتحاد الروسي، إلى تصدير أزماته الداخلية عبر مواقف وتحركات ترضي حلفاءه الإيرانيين، وإن كان الأخير غير معني بمزيد من التوتر في علاقاته مع واشنطن.

تركز (قوات سورية الديمقراطية) على معركة الرقة، ويوحي سيرُ المعارك على الأرض أن حلفاء واشنطن في البادية السورية غير قادرين على وقف تقدم النظام ومن خلفه إيران، وأن أغلب الظن أن الولايات المتحدة بدورها ليست عازمة على مزيد من الانخراط في الحرب السورية والزج بقواتها العسكرية في هذا البلد المنكوب بغية قلب المعادلة، فضلًا عن أن ذلك قد يشتت الانتباه والجهد الضروريين للقضاء عسكريًا على (داعش) في سورية وفي العراق.

المواجهة مع إيران -في أحسن الأحوال- مؤجلة إلى مرحلة ما بعد (داعش)، وهي لعبة قد لا تتعدى ليّ الأذرع وتقليم الأظافر. ذلك ما يدركه نظام طهران، وهو ما وفر لهم مساحة جيدة منحته قدرًا كافيًا من الجرأة لاستخدام الترسانة البالستية الإيرانية لأول مرة، منذ عقد ونيف، في استعراض لقدرة الردع التي تكاد تكون الوحيدة للجمهورية الإسلامية في أي مواجهة عسكرية قد تخوضها.

في كل قضايا المنطقة، بما فيها الشقاق الخليجي-الخليجي الذي احتدم مؤخرًا، تملك واشنطن الكثير من المفاتيح والأقفال التي يتوقف تحريرها على إرادة سياسية وحسابات المكاسب مقابل المخاطر والعقبات، أما الثورة السورية، مع الاعتراف بأخطائها التي ألحقت بها كثيرًا من الضرر، فإنها كانت -وما تزال- ضحية لغياب تلك الإرادة، ولترك البلاد وشعبها في عهدة نظام الطاغية، ولتلاعب دول الجوار بمصيرها، لكن أيضًا فإن الساحة السورية كانت -وما تزال- حبلى بالمفاجئات التي من الممكن لها أن تزيد من سخونة الأحداث في برميل البارود الشرق أوسطي.




المصدر