“شجاعة” بوتين و”صمود” الأسد في فلسطين


جيرون

منذ فترة زار وفد ما يُسمى “اللجنة الشعبية للدفاع عن سورية ” في فلسطين، سفير روسيا في رام الله “حيدر أغانين” يرأسه القيادي في حركة فتح، عباس زكي، وعضوية رجا إغبارية ممثلًا عن حركة أبناء البلد داخل الخط الأخضر. أثنى الوفد على شجاعة الرئيس بوتين، وأبدى قلقه لعدم حسم المعركة ضد “التنظيمات الإرهابية” وختم بقوله: “ستبقى فلسطين وفية لروسيا العظيمة وقائدها”.

يكشف الانطباع المُخادع والظاهري في سلسلة التفاعلات القيادية للسلطة مع إضراب الأسرى، متوجًا ببعض التحركات التي ينشط بها عباس زكي مع مواقف غيره، للإعراب عن تضامنه مع بوتين في عدوانه على الشعب السوري وتقديره لصمود “الأسد” باسم الشعب الفلسطيني، عن الجهد الحثيث لتيئيس الإنسان المقهور، والشهر الماضي أرسل عباس زكي إلى بشار الأسد رسالةً مماثلة في “يوم الجلاء” تحتوي على عبارات مشابهة في التمجيد لشخص الأسد.

وإذا كان غرضنا هنا الإحاطة بالسلوك السياسي لبعض رجالات السلطة وشخصيات تنتمي لمعسكر “حركة تحرر وطني”، واستجلاء لطبيعة التحرك الذي افتتحته منذ ستة أعوام فلا بد من استرجاع سريع لبعض العناصر التي شكلت المناخ “الملائم” للخزي والعار الذي تم الاصطفاف في ظله.

موفدو السلطة الفلسطينية، إلى النظام السوري، منذ عام 2012، كشفوا عن ميل متعاظم لروايته وتبنيها من بعض الفصائل التي تميل نحو التعاضد مع النظام، تجسد كل ذلك في التصريحات واللقاءات مع سلوك البعض الذي بات معروف النبرة المستعيدة أجواء شعارات السبعينيات والثمانينيات المرتبطة بموسكو الاتحاد السوفيتي، عن قصد يجري التملق لموسكو، بوصفها راعية لدمار المجتمع السوري، لا بوصفها داعمة للحقوق الوطنية الفلسطيني التي شكلت على الدوام مهماز الوعي، يجري ذلك في ظل مناخ يعلن التخلي عن روابطه المتعلقة بحرية الشارع العربي بوصفه عمقًا مساندًا لقضاياه المتعددة، وإن كانت الإشكالية المتعلقة بالثورات العربية أحدثت هذا الفرز العميق، تبقى تحركات وتصريحات نخب “حركة التحرر الوطني الفلسطيني” تحدث الأثر السلبي العميق، عبر إبداء التسامح مع القاتل والتجاهل التام للضحايا حتى من أبناء شعبها على حساب مصالح ضيقة مرتبطة بالإسرائيلي والروسي والإيراني.

الجنوح التام نحو إسناد النظام السوري من قبل بعض قيادات (م. ت. ف)، حيال مسألة التعامل مع قضية حرية الشعب السوري أولًا ومن ثم حرية شعبها، يُراد حسمه حسمًا قاطعًا، من خلال التخندق الواضح منذ ستة أعوام، عبر توجيه طعنات خنجرية مؤلمة للشارعين السوري والفلسطيني، بالمعنى الفعلي للكلمة، مع ما ترتب على ذلك من توفير الظروف المواتية لتزوير الحقائق على الأرض؛ الأمر الذي انعكس حتمًا على المواجهة الفعلية مع الاحتلال. يكفي هنا استعادة المقارنات التي نوردها كل مرة في ما يخص النكبة والتهجير والاستيطان والاعتقال وبناء الجدار، يوازيها وحشية الدمار في المشهد السوري برعاية ومشاركة “بوتين الشجاع” والأسد المنفذ والمستفيد من كل تجارب الاحتلال في التنكيل والإجرام.

توليد حالة من الضغط اللاأخلاقي على الشعب السوري، تجد أساسها في حركة انعزالية عربية عمّا يجري في سورية لكن أن تقود هذه الانعزالية، قوى كانت تشتكي وتواجه فيما مضى قوى انعزالية، ساهمت في ارتكاب مذابح بأبناء شعبها، لتمارس اليوم نوعًا من الانعزالية في المراهنة على دور النظام السوري “لحسم المعركة” ضد الشعب السوري، وتوظيف هذه الانعزالية لإحكام الخناق حول عنق الشعب السوري، متوهمة أن السوري أقل شجاعة وأقل قدرة وأقل وعيًا على مواجهة أي طور جديد من أطوار الصراع مع النظام الذي جرب جميعها.

بحسابات أيديولوجية وأدبية وتاريخية اعتنقها انعزاليو اليوم من حركة تحرر الأمس، ويعتنقها الشعب السوري كما الفلسطيني، إن ثمة استحالة مادية لتصفية الشعب السوري وتحقيق انتصار للأسد أصبح من الماضي، وإذ نُسجّل هذه الأوهام التي تكشف جهلًا فاضحًا بطبيعة الشعوب، يظهر الرعب المتعاظم من صمود الشعب السوري الذي فرض تراجعًا ملحوظًا باستعمال الشعارات وقزّم أيديولوجيات إلى شرنقتها.

من واقع هذا الجنوح والمنافسة بين “نخب” حركة تحرر وطني لإعلان المؤازرة لقتلة الشعب السوري، ترى “إسرائيل” وحليفتيها موسكو وواشنطن أنّ التنافسَ بمديح شجاعة بوتين وصمود الأسد، يشكل قوة لـ “إسرائيل” يُفهم من نقاط عدة ممن يترجم سياساتها في التهجير والتغيير الديمغرافي حتى لو أطلق البعض على سلوكه شجاعة أو صمود.




المصدر