تهريج سياسي جديد حول الكيمياوي
28 يونيو، 2017
حافظ قرقوط
تراكم الأحداث على الساحة السورية وتنوعها، في السنوات الماضية، جعل النظرَ إلى التصريح الأميركي الأخير الذي حذّر فيه البيت الأبيض نظامَ الأسد من استخدام الأسلحة الكيمياوية مجددًا؛ يبدو رخصة دولية جديدة للقتل، بطرق أخرى، وبكل ما استطاع من أدوات، ليس لها رائحة الفضيحة، حتى وإن لم يُبق من سورية روحًا في رحم، أو حجرًا على حجر.
فقد قالت سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي، يوم أمس الثلاثاء: إن”إدارة الرئيس دونالد ترامب أصدرت تحذيرًا إلى سورية بشأن هجوم محتمل بأسلحة كيماوية، بعدما شاهدت استعدادات مماثلة لأنشطة، حدثت قبل هجوم في أبريل/ نيسان”، بحسب (رويترز).
وأبلغت هيلي مجلس النواب الأميركي أن “الهدف في هذه المرحلة ليس فقط إرسال رسالة (للرئيس السوري بشار الأسد)، ولكن أيضًا رسالة لروسيا وإيران، مفادها أنه إذا حدث ذلك مجددًا فإننا نحذركم رسميًا”.
وكان المتحدث باسم الرئاسة الأميركية شون سبايسر، قد قال في بيان يوم الإثنين: إن الولايات المتحدة رصدت استعدادات محتملة من قبل النظام السوري، لشن هجوم كيمياوي آخر؛ قد يؤدي إلى عملية قتل جماعية لمدنيين بمن فيهم أطفال أبرياء”، وأضاف أن بلاده موجودة في سورية للقضاء على (داعش)، لكن “إذا شن الأسد هجومًا جديدًا يؤدي إلى عملية قتل جماعية، باستخدام أسلحة كيمياوية، فإنه وجيشه سيدفعان ثمنًا باهظًا”.
وقالت الرئاسة الفرنسية بدورها في بيان لها: إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اتفق مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في اتصال هاتفي يوم أمس الثلاثاء، على “العمل معًا على رد مشترك في حال وقوع هجوم كيماوي في سورية”.
المتابع اليومي للحدث السوري، قد يُرجّح مقولة إن نظام الأسد لا يمكن له أن يُطلق طائرة أو صاروخًا في أجواء سورية التي لا يغادرها طيران دول عدة، على رأسها الولايات المتحدة الأميركية، من دون إذن مسبق منها وتنسيق عبر غرف عمليات، فهذا أبسط الأمور على مستوى رحلات مدنية لأي مطار بسيط، فكيف بالمطارات العسكرية في منطقة على كف عفريت.
تُساهم السياسات الدولية بالتعامل مع المأساة الممتدة في سورية بقوة في ترجيح القول، بشأن التحذير الأميركي – الفرنسي، إنه ليس من باب الحرص على حياة السوريين، بل هو الحرص على بقاء النظام في مقارّه، إلى أطول مدة مُمكنة، من دون “طيش أطفال”؛ يُحرجهم كما جرى سابقًا عندما طارت قاذفاته من مطار الشعيرات لتنفيذ جريمة الكيمياوي في خان شيخون، وكانت أجهزة الرصد الأميركية والأوروبية تراقبها، كما أكدت بياناتها بعد تلك الضربة الكيمياوية.
وكانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان قد أصدرت بيانًا رصدَت فيه ردة فعل النظام السوري، والقوات الروسية الحليفة، خلال أسبوع واحد أعقب الضربة الأميركية التحذيرية لمطار الشعيرات، في نيسان/ أبريل الماضي، وأكدت فيه أن “الحلف السوري الروسي صعّد من عملياته العسكرية التي تستهدف مراكز ومناطق مدنية استهدافًا واسعًا”، وأضافت أن ذلك “لم يكن فوضويًا بل متعمدًا، وسجل ارتفاعًا في معدل استخدام هذا الحلف للذخائر العنقودية والأسلحة الحارقة والبراميل المتفجرة”.
وأضافت الشبكة -حينئذ- أن النظام السوري استخدم أسلحة كيمياوية للمرة الثانية بعد أقل من 72 ساعة على استخدامها في خان شيخون بإدلب، في تحد منه للمجتمع الدولي، عبر هجوم شنه على حي القابون في العاصمة دمشق، عصر الجمعة 7 نيسان/ أبريل 2017.
يُشار إلى أن صفقة تسليم نظام الأسد للسلاح الكيمياوي، بعد مجزرة الغوطة الشرقية في آب/ أغسطس 2013، بعهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما؛ساهمت في بقاء النظام السوري بترتيب روسي، ورضا دولي، تمت تغطيته من مجلس الأمن الدولي بالقرار 2118.
أتى التحذير الأميركي الآن وتلاه تأييد فرنسي، في سياق السفسطة السياسية التي لا تُسمن ولا تغني من جوع، بل يستطيع الأسد أن يُترجمها برسالة واضحة إلى السفير الأميركي السابق في سورية روبرت فورد، الذي قال أخيرًا إنه خدع السوريين بزيارته لحماة، فقام الأسد بواجب صلاة عيد الفطر فيها، على طريقة قطاع الطرق التي تشبه السياسات الدولية الحالية.
كما ترجم الأسد التحذيرات الغربية البهلوانية له، بزيارة مباشرة إلى قاعدة حميميم الروسية، يوم الثلاثاء، ليتصور بطريقة بهلوانية على متن طائرة روسية، لا يملك فيها حق تقرير الوقت الذي سيستغرقه بالزيارة، كما أن تلك القاعدة لا تمتّ إلى قواته الوطنية بشيء، ليكون شكل وجوده بالقاعدة الروسية، متناغمًا مع رد الكرملين يوم الثلاثاء على التحذير الأميركي، حين قال ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الرئاسة الروسية، في مؤتمر صحفي: إن تحذيرات البيت الأبيض لبشار الأسد من استخدام السلاح الكيمياوي “غير مقبولة”، وهذا ضمنًا يعني أن قواعد اللعبة متفق عليها ولا جديد فيها، سوى المزيد من الجرائم ضد الإنسانية في بيئة دولية أصبح فيها رجال السياسة أشبه بمهرجين، وأسدهم أحد أهم أبطال موسم الفرجة الدموي.
[sociallocker] [/sociallocker]