إنذار البيت الأبيض للأسد كذب ولو تحقق


نزار السهلي

التحذيرات الأميركية لنظام الأسد، على كثرة تناقضاتها المفضوحة والمنسوبة لعددٍ من المؤسسات الأميركية، باتت مصدرًا للتهكم، ولا يعوّل عليها حتى لو أخذت شكلها المتطور سابقًا في جهة قصف مطار الشعيرات، ردًا على استخدام الأسد السلاح الكيماوي في خان شيخون مطلع نيسان/ أبريل الماضي. تحذيرات البيت الأبيض اليوم تُضاف إلى قائمة التحذيرات الطويلة التي تعامل معها نظام الأسد بفك شيفرتها الغربية والأميركية على أنها استحسان لنهجه المدمِّر على نطاق واسع.

البيت الأبيض يوجّه إنذارًا لنظام الأسد من مغبة استخدامه مجددًا للسلاح الكيماوي، وحسب بيان البيت الأبيض أنه رصد تحركات مشبوهة لقوات النظام في بعض المواقع العسكرية تؤشر إلى استعداد الأخيرة لشنّ هجوم جديد بالسلاح الكيماوي، الرد على الإنذار جاء من موسكو على لسان الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف: “إن هذه التهديدات غير مقبولة للنظام واستفزازية، ولا تستند إلى أي دليل”.

لم يستلم الأسد إنذارًا حقيقيًا عن جرائمه المتواصلة، لا على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو العسكري، سوى الذي دوى في ميادين حماة وحمص ودرعا ودير الزور وإدلب وحلب ودمشق.

قبل ستة أعوام فهمَ الأسد التحذيرَ الحقيقي المهدد لكيانه الإجرامي، حينئذ قرر مواجهة إنذار الشعب السوري له. يستمر منذ ستة أعوام بتفكيك شيفرات معظم الرسائل ليستعصي عليه إنذار السوريين له، ولأن رسائل الإنذار تُفهم من خلال الاختبار المتواصل تبقى الجريمة والمذبحة حاضرة بقوة، لا تبديل عليها، سواء كانت الضحية بسلاح كيماوي أو بفعل برميل متفجر أو تسقط بفعل جلاد الزنازين.

يعلم البيت الأبيض، ومعه كل دوائر صنع القرار في العالم، أن أطنان المعلومات التي بحوزته عن النظام المجرم في دمشق تكفي لإدانته كمجرم حرب تبوأ درجات سفلى من الانحطاط في سلم الإجرام. إنذار البيت الأبيض إن كان يستند إلى معلومات استخباراته وأقماره الصناعية التي تتابع مسرح الجريمة منذ ستة أعوام، توجه كل إمكاناتها اللوجستية والتجسسية في تتبع المجرمين والجرائم، لكنها تُقوّض كل الحقائق الواصلة لفضاء أقمار واشنطن التجسسية ووقائع الجرائم على الأرض ليست بحاجة لإنذارات وتهديدات خلبية تحدثنا عنها منذ أعوام.

الإنذارات الخلّبية سمحت للنظام بالتدرج إلى أعلى مستويات الفاشية، من حالات الدوس على كرامات البشر إلى الإعدامات الجماعية وإقامة المسالخ والأفران البشرية وصولًا للتدمير المُمنهج والشامل، بحيث بات مشهد الفوسفور الأبيض والنابلم في سماء المدن والقرى والبلدات المستهدفة أقل من عادي، ويؤدي مشهد خلط الجريمة والتعمية على كل المذابح في ممر مكافحة الإرهاب، إلى أن ينظر إلى “التنبيه” الغربي والأميركي للأسد، بعين الثناء على المجرم طالما رقبة النظام طليقة ويداه تمارسان بكل حرية مهمتها، كذبة خلف كذبة كافية لاستنتاجات التهديد من الخطوط الحمر إلى قصف الشعيرات وترك مجال قضم لما تبقى من إنذار الشعب السوري للأسد.

لم يختلف شعور المجتمع الدولي عن مشاعر الأسد، إزاء مخاطر قرع السوريين لجرس إنذارهم بوجهه. المرعب بالنسبة للأسد هدم جدران الخوف في الشارع، والمذهل خروج البشر للشارع في دولة “الأسد” وغيرها من مشاهد وشعارات لم تكن مألوفة أبدًا حتى في أحلام البعض. غير المألوف هو التخاذل الكبير الذي مُني به الشعب السوري في دعم حريته ودعم مواجهته للفاشية التي يتعرض لها، لأن جرس إنذاره يهدد المنطقة كلها كما بات مفضوحًا لجهة البعد الوظيفي للنظام، وما ترتب على كاهله من ملفات أولها قدرية المشهد واستمراره مع الأسد أيًا تكن الخسائر أو الأثمان التي يدفعها الشعب السوري.

لا اختلاف بين إنذار واشنطن ورفض موسكو لها، إلا في تفصيل أساسي يفضي إلى أنّ جبهة التحذير للأسد أصبحت جبهة تخدير للمواقف، وجبهة رفض التحذير تتقاسم النفوذ والأدوار مع واشنطن، وهي تُشكّل الموقف الأصلب لجهة دعم جريمة النظام وحماية رأسه الذي شكّل صمام أمان لكذبة التحذير حتى لو فعلتها واشنطن، فالجريمة مستمرة بكل الأشكال مع وجود الأسد.




المصدر