الموت يحاصر مدنيّي الرقة.. والنجاةُ مغامرةٌ غير مضمونة

29 يونيو، 2017

طوال عامين ونيف سيطر تنظيم الدولة “داعش” على مدينة الرقة الواقعة على الضفة الشرقية لنهر الفرات، حتى أصبحت تعرف بعاصمة التنظيم في سوريا، ليكون أهلها ضحايا وشهوداً على جرائم التنظيم، إضافة للتضييق عليهم ما أثقل حياتهم اليومية بالكثير من القيود، في وقت لم تسلم فيه المدينة من القصف تحت شعار “محاربة الإرهاب”، وبالرغم من ذلك فقد تحولت الرقة إلى ملجأ لعشرات آلاف الهاربين من القصف والأعمال العسكرية من العديد من المناطق، ومنهم من وصل إليها منذ بداية الحراك المناهض لنظام الأسد، ومنهم من لجأ إليها فاراً من المناطق التي خسرها التنظيم.

واليوم تبرز معاناة من نوع آخر مع تصميم التحالف الدولي ومعه “قوات سوريا الديمقراطية” على انتزاع السيطرة على المدينة وطرد “داعش” منها، مهما كلف الثمن، ودون اعتبار فعلي لمصير المدنيين.

ضحايا لجميع الأطراف 

تقول ابنة الرقة، الناشطة سحر سليمان، لـ  صدى الشام إن “الضحية الأساسية في المعارك هم المدنيون المحاصرون في المدينة، اليوم ما تزال “قوات سوريا الديمقراطية” خارج سور المدينة القديمة، في حين يقوم جميع أطراف الصراع بالقصف براجمات الصواريخ والمدفعية الثقيلة والطيران، وغالبية القتلى هم المدنيون”.

وبدلاً من أن يكون لدى السكان خيارات للاحتماء فإن مقاتلي تنظيم “داعش” يقومون بإخراج العائلات من الملاجئ والأبنية المحصنة ويستولون عليها.

لا مكان يلجأ إليه المدنيون ضمن المدينة هرباً من القصف بجميع أنواع الأسلحة، فالملاجئ والأبنية المحصنة يستولي عليها عناصر التنظيم بعد أن يقوموا بإخراج العائلات منها.

لا مواد غذائية

تشير سليمان إلى أن أهالي المدينة وبعد قصف الجسور أصبح من الصعب جداً عليهم جلب المواد الغذائية من الطرف الآخر من النهر، حيث تنتشر المزارع والأراضي الزراعية، في حين اشتد القصف مؤخراً على منطقة “الكسرات”، وهي المصدر الرئيس للأهالي للحصول على اللبن والخضار، كما أن المياه شحيحة وقد انقطعت الأسبوع الماضي لنحو خمسة أيام، جراء انقطاع الكهرباء، ما اضطر السكان إلى نقل الماء من نهر الفرات.

وتضيف أن هناك سبباً آخر لعدم توفر المواد الغذائية، وهو فرض التنظيم التعامل بالعملة النحاسية على الأهالي، والتي يرفض التجار التعامل بها، وإن كانوا سابقاً يأخذون الريال الفضي الذي كان يتعامل به التنظيم، وكان يساوي نحو 1300 ليرة سورية (سعر صرف الدولار الأمريكي الواحد نحو 520 ليرة سورية).

وعلى هذا الأساس أغلقت الكثير من المحال التجارية، وقد يجوب الشخص المدينة كاملة ليجد ما قد يسد رمق عائلته.

وفي محيط الرقة هناك العديد من المخيمات المنتشرة، لكن غالبيتها لا تحصل على أي مساعدات كمخيم الطويحينة، وحتى تلك التي تحت سيطرت “قسد” لا تتلقى أي مساعدات من المنظمات الدولية بحجة أنها تحت سيطرة قوى عسكرية.

واجه الأهالي مشكلة من نوع آخر لتحصيل حاجياتهم وهي رفض التجار التعامل بالعملة النحاسية، وبالنتيجة فقد أُغلقت العديد من المحال التجارية، وقد يجوب الشخص المدينة كاملة ليجد ما قد يسد رمق عائلته.

الحركة تساوي الموت

 

“الحركة داخل المدينة خطرة جداً بسبب كثافة القصف، والاتصالات صعبة، حيث يتواصل القصف على مدار اليوم، وإن كان يخف قليلاً في الفجر”.

تلفت الناشطة سحر سليمان إلى تأثيرات أخرى للمعارك أدت إلى شلل الحياة، كما أن “النزوح إلى خارج المدينة مسألة صعبة جداً اليوم في ظل الحصار والقصف، إذ يجب أن تسير العائلة مسافة طويلة وخطرة للخروج، وعقب استهداف الجسور أصبحت الطريقة الوحيدة للخروج هي بقطع النهر بزوارق بدائية، والتي يتم استهدافها من مختلف الجهات أيضاً”.

وتضيف أنه “وعلى البر تقف الألغام التي زرعها التنظيم عقبة صعبة التجاوز من قبل المدنيين، وكانت قد تسببت في مقتل العديد منهم”، وتتابع أن “المدنيين داخل المدينة، منهم من ليس لديه مكان ينزح إليه، ومنهم من لا يملك المال أو وسيلة نقل، ومنهم من يتمسك ببيته وأرضه وأسلم نفسه لله ويريد أن يموت في أرضه”.

تبدو الخيارات معدومة للنجاة من معارك الرقة، فالنزوح صعب جداً، والطريقة الوحيدة للخروج هي بقطع النهر بزوارق بدائية، بالإضافة إلى وجود الألغام التي زرعها التنظيم والتي تشكل عقبة يصعب تجاوزها.

النزوح من جحيم إلى جحيم

بعيداً عن الوضع داخل المدينة يعاني النازحون من صعوبات عديدة، فالذين يتوجهون إلى المخيمات يأخذ عناصر “قسد” بطاقاتهم الشخصية ويحتجزونهم ليتم تفييشهم والتأكد من انتماءاتهم، قبل إدخالهم إلى المخيمات، كما تتم اعتقالات يومية لنازحين بحثاً عن عناصر من تنظيم “داعش” تسللوا بينهم.

وتفتقد المخيمات لأبسط مقومات الحياة من مواد غذائية وطبية وخدمية، فيما يتوجه جزء من النازحين إلى القرى التي تعيش اليوم على وقع ازدحام شديد يجعل بعض العائلات فيها لا تجد مكاناً يأويها ما يدفعها لافتراش الأرض.

ويفيد ناشطون بأن الوضع الصحي في مدينة الرقة ومعظم القرى ومخيمات اللجوء مأساوي جراء عدم وجود الكادر الطبي أو الأدوية، حيث بدأت تنتشر بعض الأمراض مثل الأمراض الجلدية وشلل الأطفال.

ويُعرف عن التنظيم، الذي يتقهقر على عدة جبهات، أنه لا يقوم أو يساعد بأي عمل إغاثي للمدنيين أو حتى طبي، حيث يتركهم لمصيرهم معيداً ذلك إلى مبررات عقائدية، معتبراً أنهم إن ماتوا فإنهم يموتون “في سبيل الله والخلافة”.

وتبدو الرقة اليوم محاصرة من أربع جهات من قبل قوات القوات المدعومة دولياً، وفيما تشتد المعارك في الأحياء الشرقية والغربية، فإنه لم يبقَ لتنظيم “داعش” سوى النهر وزوارقه البسيطة كمخرج من المدينة، أو الهرب عبر الحصول على مخرج باتجاه البادية، الأمر الذي تستبعده قيادات “قوات سوريا الديمقراطية”.

[sociallocker] صدى الشام
[/sociallocker]

29 يونيو، 2017