صفحات التواصل الاجتماعي… الاختلاف والتخوين

29 حزيران (يونيو - جوان)، 2017
5 minutes

بهنان يامين

“دعونا نختلف”، بهذه الكلمات البسيطة دعا الراحل الأب حكمت جاموس الناسَ إلى أن تختلف، مُحرّضًا إياهم، ومنبهًا على أن الاختلاف طبيعي، وضروري، أحيانًا كثيرة، من أجل تكوين رأي متجانس، وكانت هذه الصرخة في زمن، لم يكن يعرف الأب حكمت، صفحات التواصل الاجتماعي، لأنها لم تكن معروفة بالأصل في سورية، فالإنترنيت كان من المحرمات، فكيف بصفحات التواصل الاجتماعي. اليوم أصبحت صفحات التواصل الاجتماعي هي الحلبة التي يتنافس فيها الأصدقاء، وقد يكون الكثير منهم يختلفون معنا بالرأي، وهذا الاختلاف حق مشروع لكلا المختلفَين، ولكن أن يتحول الاختلاف إلى خلاف، ومن ثمّ إلى تخوين فهذا ما هو مرفوض.

المتصفح لصفحات (فيسبوك)، و(تويتر)، و(لينكد إن)، و(غوغل)، وغيرها من الصفحات التواصلية، يجد المُختلف بدرجة أو بأخرى، وقد يتحول الاختلاف إلى خلاف؛ ومن ثمّ إلى تخوين، وغالبًا لا يكون مسنودًا إلى حقائق أو وقائع.

منذ أن قامت الثورة السورية، بدأت تتوارد من حين إلى آخر أسماء غير مشكوك في وطنيتها، لكن البعض منهم يحاول أن يُلطّخ تاريخها، وهي التي دفعت ثمنًا باهظًا من حريتها، سجنًا، وتشريدًا، وعطالة عن العمل. ويصل البعض إلى تخوين هذه الشخصيات، لا لشيء إلا لاختلاف في وجهات النظر في القضايا الوطنية، وكيفية إيجاد الحل لأزمة الوطن الذي دمره الطاغية المستبد بشار الأسد.

لا يحق لأحد استخدام صفحات التواصل الاجتماعي مسرحًا للتخوين، ومن المؤسف أنّ بعض من يُخَوِّن، لهم تاريخ، مما يعطي لكلامهم صدقية، وهذا لا يعني أنهم يقولون الحقيقة؛ ومن هنا فإن على الجميع التروّي في غربلة الحقائق، وتبيّن الصحيح من الخطأ.

عند تصفّح صفحات التواصل يجب وضع معيار عقلي، يزن به الإنسان ما يطّلع عليه من منشورات، وكأنه يُطالع جريدة أو مجلة ورقية، وألا يترك لما يُكتب أن يدفعه إلى التسرع في قبول أحكام التخوين على أنه حقائق.

نختلف أحيانًا كثيرة مع من نحبهم ونودهم، ولكن لا يجوز أن يُفسد هذا الاختلاف للود قضية، بل على العكس، يجب أن يكون وسيلة حوارية لفهم الآخر، وأن تكون صفحات التواصل الاجتماعي بتنوعها، وسيلة جيدة لتحويل اختلاف وجهات النظر إلى نظرة مشتركة تُغني الحوار والنقاش للوصول إلى فهم مشترك للواقع السياسي والاجتماعي الذي نعيش أهم مفاصله التاريخية، حيث إن الوطن يشهد تطورات قد تقود إلى تغييرات ديموغرافية، وعرقية، ومذهبية، وكل ما يحدث على أرض الواقع يشير إلى تبدّل مخيف في ديموغرافية المنطقة، ولا ينبغي أن تتحول صفحات التواصل الاجتماعي، إلى صفحات صفراء تُطلق الشائعات على غاربها، وأن تسيء إلى العديد مِمّن لا يستحق إلا الوقوف احترامًا لتاريخه الوطني.

صفحات التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين، فهي من جهة وسيلة نشر وتوعية، تساعد الكتّاب والمفكرين، على نشر الأفكار النقية التي تخلق عند القراء فهمًا للواقع والوقائع، ومن جهة ثانية هي سلاح لنشر الشائعات التي تُسيء، وتخلق لدى الناس نوعًا من التوتر، هي في غنى عنه.

نعود إلى ما قاله الأب حكمت جاموس “علينا أن نختلف” صحيح، إنه عنوان صادم للعديد مِمّن لم يتعود أن يُفتّش عن معاني وتعريفات كل ما يكتب، ومنها معنى كلمة “اختلاف”، سلبياتها وإيجابياتها، فالاختلاف هو أمرٌ إيجابي، أما الخلاف فهو وجه سلبي للاختلاف، يقود إلى تصادم، قد يصل أحيانًا إلى مواجهة دموية مثلما يحدث في سورية.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]