مركز ماسكوفسكي كارينغي الروسي: كيف سيغير الوريث الشاب الجديد المملكة العربية السعودية؟


نشر مركز “ماسكوفسكي كارنيغي” الروسيّ دراسةً تحدّث فيها عن تولي الأمير الشاب “محمد بن سلمان” ولاية عهد عرش المملكة العربية السعودية، خلفاً لـ “محمد بن نايف آل سعود”. فما هي الخصال التي تميز الأمير الشاب عن غيره؟ وفيم تتجلى التغييرات التي ستطرأ على المملكة بعد تولّيه ولاية العهد؟

وفقاً للخبراء يشبه محمد بن سلمان إلى حدٍّ كبير الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، من حيث نظرته السياسية. ونظراً للأسلوب الكلامي الذي يتبعه “محمد بن سلمان” في خطاباته وتصريحاته، من قبيل “المملكة العربية السعودية أولاً” و”سنجعل المملكة عظيمةً من جديد”، يمكن تأكيد نظرية هؤلاء الخبراء.

 وتجدر الإشارة إلى أن “محمد بن سلمان” كان وراء قرار خوض الحرب في اليمن، كما أنه المسؤول عن تدهور العلاقات مع إيران، واندلاع الأزمة مع قطر. في الوقت الراهن يحاول “بن سلمان” تحقيق بعض أحلامه المتمثلة في تخليص الشرق الأوسط من النفوذ الإيراني، ومن بقية المنافسين الآخرين.

من وجهة نظر بعضٍ من الخبراء، فإن الأمير الشاب وولي العهد السعودي “محمد بن سلمان آل سعود” البالغ من العمر 32 سنة، هو باختصار نموذجٌ للطموح والتسرع.

والجدير بالذكر أن ثلثي سكان المملكة العربية السعودية هم تحت سن الثلاثين، وهي المملكة التي تعوّدت أن يكون متوسط عمر حكّامها بين 70 و80 سنة، ممَّا يعني أن تعيين “محمد بن سلمان” هو خطوةٌ ثوريّةٌ في تاريخ المملكة. لكن على خلاف هذه المعطيات، لم يكن قرار تعيينه أمراً متوقعاً.

خلال العامين الماضيين، وبينما كان “محمد بن سلمان” ولياً لولي العهد، كانت كل مقاليد السلطة بين يديه. وبناءً عليه تمكن الأمير الشاب من إبراز نفسه كشخصيةٍ فاعلة على الساحة الدولية. وفي كانون الأول/ديسمبر من سنة 2015، صنّفت مجلة “فوربس” الأمير الشاب في قائمة أكثر مئة شخصيةٍ عالمية تأثيراً، جنباً إلى جنب مع أبرز قادة العالم؛ لعلّ أهمهم المستشارة الألمانية “أنجيلا ميركل”، والرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”.

وتتمثل أبرز أهداف الأمير “بن سلمان” في استعادة دور المملكة العربية السعودية كدولةٍ رائدة في المنطقة، ودفع قيادة البلاد إلى الخروج من سباتها. وبالنسبة إليه من الممكن أن تخوض المملكة حرباً بالمليارات لتحدّي جيرانها. لكن في الوقت نفسه عليها أن تقوم بتنفيذ أكثر الخطط الاقتصادية طموحاً لإنعاش اقتصاد المملكة وإعادته إلى سابق عهده. وخلال فترةٍ وجيزة، تمكن الأمير الشاب من أن يحظى بشعبيةٍ كبيرة لدى الرأي العام السعودي، بالإضافة إلى تمكنه من إقامة حوار مع العديد من القوى المؤثرة على الساحة الدولية.

وفي انتهاك للبروتوكول الدولي، أشار الأمير الشاب “بن سلمان” إلى الأخطاء التي ارتكبها “باراك أوباما”، كما انتقد سياسته في الشرق الأوسط بشدة واصفاً إياها بالفاشلة. في المقابل وجد الأمير توافقاً كبيراً مع خلف أوباما “دونالد ترامب” وكانت النتيجة عقوداً بمليارات الدولارات بين البلدين.

في الواقع حاول الأمير الشاب الاستثمار من أجل مستقبله السياسي؛ فنظراً لعمر والده المتقدّم وحالته الصحية، من المؤكد أن “محمد بن سلمان” قد يصبح قريباً أصغر ملكٍ للمملكة العربية السعودية. كما سبق أن أصبح أصغر وليّ عهدٍ وأصغر وزير دفاعٍ في تاريخ المملكة منذ سنة 1933. أمَّا حالياً فيحافظ “محمد بن سلمان” على منصب وزير الدفاع إلى جانب منصب ولي العهد، وسبق أن حصل على منصب النائب الأول لرئيس الوزراء.

التقدّم في الرتب ومؤامرات القصر

رافق الأمير محمد والده في جميع مراحل حياته السياسية منذ سنة 2009، حيث كانت بداياته من خلال نيل منصب مستشارٍ لحاكم الرياض، ثم أصبح مستشاراً شخصياً لولي العهد ووزير الدفاع، ورئيس ديوان سمو وليّ العهد (هيئة استشارية لوريث العرش).

ولكن هذه التجارب السياسية العديدة لم تكن كافية ليصبح الوريث الأول للعرش بعد تسلّم والده سدة الحكم. كما أن الملك الجديد آنذاك لم يكن قادراً على اتخاذ خطوةٍ ثورية بتعيين ابنه خلفاً له، لذلك كان من الضروري إعداد ابنه لهذا المنصب، بالإضافة إلى تهيئة الظروف الملائمة في محاولةٍ للتخلص من كبار الورثة.

ولأن عملية تعيين وليّ العهد تتطلب موافقة أبناء العاهل السعودي السابق “عبد العزيز آل سعود” وكبار الورثة، كان من الصعب منح “محمد بن سلمان” ولاية العهد.

 في المقابل كانت المؤامرات والفتن في العائلة المالكة كفيلةً بذلك هذه السنة، خاصة أن الأمير “محمد بن سلمان” حصل على تأييد 31 من أفراد هيئة البيعة من أصل 34.

والجدير بالذكر أن الملك “سلمان بن عبد العزيز” قرّر تعزيز دور ابنه تدريجياً منذ وصوله إلى السلطة. ففي كانون الثاني/يناير، عين العاهل السعودي نجله وزيراً للدفاع، وفي شباط/فبراير من السنة نفسها، عينه ولياً لولي العهد. وبحلول ذلك الوقت أصبح “محمد بن نايف آل سعود”، البالغ من العمر 56 سنة، وليّ العهد، وهو أحد أقوى رجال الدولة في المملكة، وقد أطلقت عليه وسائل الإعلام الغربية لقب “ملك مكافحة الإرهاب”.

وفي سياق متصل حاول “محمد بن نايف آل سعود” تنفيذ العديد من البرامج لمحاربة الإرهاب منذ وصوله إلى وزارة الداخلية سنة 1999. بالإضافة إلى ذلك تمكن وليّ العهد السابق “محمد بن نايف” من الحفاظ على علاقاتٍ وثيقةٍ مع الإدارة الأمريكية (حتى نهاية ولاية أوباما الأولى)، كما حظي باحترام عواصم الدول الأوروبية.

ولأول مرة في تاريخ المملكة، صدمت النخبة المحافظة في الملكة العربية السعودية، بأن ولي العهد ليس من أبناء مؤسس الدولة وإنما من أحفاده، ما يشير إلى بداية التغيير في أجيال السلطة. وفي العامين الماضيين اعتبر الخبراء أن وليّ العهد الحالي تمكن من إزاحته من ولاية العهد بفضل ذكائه ودهائه السياسي، ما مكنه من التأثير على كبار العائلة المالكة.

المملكة في المقام الأول

لم يخفِ الأمير الشاب طموحاته السياسية منذ البداية، إذ عمل على تقديم صورةٍ إيجابية عن نفسه، بالإضافة إلى العمل على توطيد علاقاته الخارجية. كما تمكن من التأثير على الشعب السعودي عن طريق رغبته في رؤية المملكة العربية السعودية لاعباً أكثر قوةً في المنطقة.

بالنسبة لبعض الخبراء، تشبه السياسة التي يتّبعها “بن سلمان” إلى حدٍّ ما سياسة “ترامب”، إذ إنّ هناك قواسم مشتركة بينهما، وذلك يتجلى في أسلوب “بن سلمان” في مختلف خطاباته وتصريحاته، فما انفك يؤكد أن “المملكة العربية السعودية أولاً”، و”استعادة مكانة المملكة كقوةٍ عظمى”.

وفي السياق نفسه استغلّ محمد بن سلمان مشكلة البطالة في السعودية مثلما فعل ترامب أثناء حملته الانتخابية، علماً بأن نسبة البطالة في البلاد قد بلغت 12٪، والغالبية العظمى من العاطلين عن العمل هم من الشباب. ويطمح الأمير الشاب إلى التقليص من نسبة العاطلين عن العمل إلى حدود 7 بالمئة، وهو هدف وضع ضمن نقاط برنامج “رؤية 2030”.

 بالإضافة إلى ذلك يطمح الأمير لإنهاء الاعتماد على النفط من خلال تنويع الاقتصاد، ويخطط لإقامة العشرات من المشاريع التنموية في قطاعاتٍ اقتصاديةٍ مختلفةٍ وتوطين الإنتاج، بالإضافة إلى خصخصة الشركات الحكومية، وإنشاء صندوقٍ سياديّ بمبلغ تصل قيمته إلى تريليوني دولار.

ونظراً للأوضاع الاقتصادية في المملكة، فإن العديد من الخبراء يتوقعون أن الوريث السعودي سيتّبع استراتيجيةً عدوانيةً إلى حدٍّ ما لدعم استمرار ارتفاع أسعار النفط، ومن الممكن أن يطلق العنان لحربٍ صغيرة في المنطقة حتى يتمكن من الضغط على جيرانه، أو ببساطة للمطالبة بقيادة الشرق الأوسط. وعلى هذا الأساس فإن الأمير الشاب لن يتسامح مع منافسيه.

نعمة ترامب ولعنة طهران

كان الأمير الشاب “محمد بن سلمان” وراء قرار المملكة العربية السعودية بشنّ حربٍ ضدّ المتمردين الحوثيين في اليمن. كما أنه يعدّ المسؤول الأول عن تفاقم تدهور العلاقات مع إيران، والأزمة الأخيرة مع قطر. ومع وصول ترامب للحكم أصبح حلم “بن سلمان” في التخلص من النفوذ الإيراني، إلى جانب بقية المنافسين الآخرين، أكثر واقعية. وفي هذا السياق يعدّ أمير قطر “تميم بن حمد آل ثاني” أميراً شاباً وطموحاً، خاصةً أنه يكبر الأمير “محمد بن سلمان” بخمس سنواتٍ فقط.

ووفقاً لخبراء، بفضل التوافق بين “ترامب” و”محمد بن سلمان” ظهرت فكرة إنشاء تحالفٍ إسلاميّ ضدّ الإرهاب من جديد. ويذكر أنّه تم طرح هذه الفكرة في كانون الأول/ديسمبر من سنة 2015. ووفقاً لهذا فمن الممكن القول إن حدث تنصيب “محمد بن سلمان” يعتبر نعمةً لترامب، إذ إنّ العقود التي تم توقعيها بين الدولتين تبلغ قيمتها مئات مليارات الدولارات، فضلاً عن الاتفاق المشترك على مكافحة الإرهاب، والاتفاق على الحدّ من الطموحات الإيرانية في المنطقة، التي تعدّ بمنزلة ضمانٍ لمستقبلٍ آمن للوريث السعودي الشاب.

أما بالنسبة لإيران فقد كان خبر تعيينه ولياً للعهد بمنزلة اللعنة، وقد وصفت طهران هذا الحدث بالانقلاب الهادئ. وتتشارك كلٌّ من الولايات المتحدة وإسرائيل والمملكة العربية السعودية في مواقفها المعادية لإيران. من جهةٍ أخرى، هناك توافق بين الأمير “بن سلمان” واشنطن على ضرورة الحد من النفوذ الروسي في المنطقة وإسقاط نظام بشار الأسد في سوريا، فضلاً عن الوقوف بحزمٍ ضدّ “تنظيم الدولة” وبقية المنظمات الإرهابية المتطرفة مثل “الإخوان المسلمين” و”حزب الله”. ووفقاً لمعلوماتٍ غير رسمية التقى الأمير “محمد بن سلمان” عدّة مراتٍ مع سياسيين رفيعي المستوى من إسرائيل.

تبعاً للخبراء لا يعتبر وجود تحالفٍ بين الولايات المتحدة وإسرائيل والمملكة العربية السعودية أمراً سرياً. وقد تأكد ذلك، بطريقةٍ غير مباشرة، من خلال الجولة الأخيرة التي أقامها ترامب في الشرق الأوسط والتي شملت زيارة للرياض، ثم  من هناك توجه إلى تل أبيب.

العلاقات السعودية الروسية

أماَّ فيما يخص علاقات روسيا بالمملكة، فإنها على عكس العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية تقريباً. ولم تجمع البلدين صفقاتٌ بمليارات الدولارات، وإنما بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين سنة 2016 أكثر من 491 مليون دولار.

بطبيعة الحال، تخضع العلاقات الثنائية بين البلدين في المجال الاقتصادي إلى العديد من الاعتبارات الأخرى، فوجهة نظر كلا البلدين حول سوريا وإيران متعارضةٌ تماماً. علاوةً على ذلك لا ترغب موسكو في الانسحاب من اللعبة السياسية والعسكرية في الشرق الأوسط.

وعلى الرغم من الخلافات، يوجد نقطةٌ مشتركةٌ تجمع روسيا بالمملكة العربية السعودية؛ وهي محاولة الدولتين التخلص من الاعتماد على النفط. وقد أكد الأمير السعودي “محمد بن سلمان” خلال اجتماعه مع الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”، قبل شهرٍ واحد من الآن، “نحن قادرون على بناء أساسٍ متين في مجال تحقيق الاستقرار في سوق النفط وأسعار الطاقة، ما قد يوفر لنا فرصاً جديدةً لمواصلة بناء استراتيجيةٍ مستقبلية”. ويتفق الخبراء على أن بوتين سنة 2016 أدّى دوراً هاماً في التوصل إلى الاتفاق بين الدول الأعضاء في “أوبك” لخفض إنتاج النفط.

في الحقيقة لا علاقة لدعوة الرياض لواشنطن بتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط بمحاولة الأمير “محمد بن سلمان” بناء علاقاتٍ مع الرئيس الروسي. فالعلاقات بين البلدين (روسيا والسعودية) اقتصادية، حيث يعمل الطرفان على المزيد من تطويرها. وفي الوقت الراهن هناك مشاوراتٌ حول إنشاء صندوق استثماراتٍ مشتركةٍ في قطاع الطاقة، بالإضافة إلى العديد من القطاعات الأخرى. وقد قال “بن سلمان” في هذا الإطار: “فيما يتعلق بالنقاط التي نختلف حولها هناك آلياتٌ واضحةٌ للتغلب عليها”، في إشارةٍ إلى إمكانية تأثير العلاقات الاقتصادية على السياسية.

بالنسبة لموسكو، لا تعتبر المملكة العربية السعودية الشريك الموثوق به، إلا أن التعاون معها يعدّ مفيداً. وفي حين وجد الملك المستقبلي أرضية مشتركة مع “ترامب”، لا تعدّ العلاقات مع “بوتين” ضمن أولويات هذا الأمير الشاب رغم أهميتها. ولكن الأكثر وضوحاً أن “محمد بن سلمان”، أحد أكثر السياسيين طموحاً في المنطقة، قد بدأ يقترب من أحلامه تدريجياً.

المصدر: مركز ماسكوفسكي كارنيغي الروسي

Share this:


المصدر