محمد الصياد يكتب: فساد الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني


محمد الصياد

في إحدى المقابلات التي أُجريت معها أواخر شهر مارس / آذار الماضي (2017)، سُئِلت سروت عبد الواحد القيادية الكردية في حزب التغيير الكردستاني والعضوة في البرلمان العراقي، حيث تشغل أحد مقاعد مدينة أربيل، عن رأيها ورأي كتلتها البرلمانية في مطالب زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر الخاصة بمحاربة الفساد. وكان جوابها على النحو التالي «أنا مع طروحات مقتدى الصدر في تغيير مفوضية الانتخابات والقانون الانتخابي ومحاربة الفساد، ولكنني أتمنى أن يبدأ بحزبه في قضية محاربة الفساد».
إجابة النائبة العراقية، تحمل من الصراحة والجرأة مقدار ما تحمله من الكياسة. وهذا هو ديدنها على أية حال. فقد عُرفت سروت عبد الواحد بانتقاداتها اللاذعة للزعامات الكردية وخصوصاً رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني، على خلفية احتكار تلك الزعامات وإفسادها للسلطة والتنعم العشائري بغنائمها. تماماً مثلما عُرف زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر بتبدل ولاءاته المحلية والإقليمية وفقاً لمقتضيات وجهة المصالح المسؤولة عن توجيه بوصلة المواقف السياسية، المتقلبة حكماً في هذه الحالة.

إنما تعريج النائبة الكردية في البرلمان العراقي خلال إجابتها على سؤال يتعلق بمطلب الصدر القاضي بتغيير مفوضية الانتخابات والقانون الانتخابي ومحاربة الفساد، تعريجها على موقف الصدر من الفساد داخل حزبه أو تياره، باعتباره محكاً لمصداقية مواقفه المعلنة من الفساد المستشري في كافة أجهزة السلطة في العراق، يطرح قضية بالغة الأهمية والحساسية تتعلق بمدى تغلغل الفساد داخل الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني غير الحكومية في العالم العربي.

في الإطار العام يمكن القول بأن منظمات المجتمع المدني غير الحكومية في العالم العربي، هي أقل المؤسسات الناشطة في المجال الحقوقي العام، «إصابة» بفيروس الفساد، ليس فقط بسبب حرص القائمين عليها على عدم فصل القول عن الفعل فيما يتعلق بمناقبياتهم المفترَضة ومواثيق عملهم المرجعية، وإنما أيضاً بسبب ضيق دائرة المصالح التي تتحرك فيها هذه المؤسسات. ومع ذلك فإنها لم تسلم من شبهة الفساد بعد أن تعولمت أنشطة منظمات المجتمع المدني على مستوى العالم، وأصبحت تتعاطى بأريحية وتتقبل هبات ومعونات مالية من صناديق عالمية متخصصة في دعم مختلف الأنشطة الرامية لتحسين الأوضاع الإنسانية في كافة أرجاء العالم، ومن حكومات أجنبية تُداوم على تخصيص موازنات خاصة لدعم أنشطة مختلف منظمات المجتمع المدني تحت يافطات مختلفة، حقوقية (حقوق مدنية وحقوق أقليات عرقية وإثنية ودينية وبيئية ونسوية وحوكمة ونحوها)، باعتبار هذه المقاربة إحدى أدوات ممارسة النفوذ وفرض السياسات في العلاقات الدولية، خصوصاً من جانب الدول الغربية التي راكمت خبرة كبيرة في هذا المجال.

أما الأحزاب في العالم العربي، فإنه يتعين التفريق بين تلك الأحزاب الكبيرة التي وصلت إلى أعلى مراتب السلطة في عدد من البلدان العربية، سواء بالانفراد بتشكيل الحكومات أو المشاركة فيها، وبين الأحزاب الصغيرة التي تشغل حيزاً ضيقاً من مساحة الحراك المجتمعي. ففي حين حطت الأولى في قلب شبكة المصالح المتشعبة، الحكومية والخاصة، ما جعلها مكشوفة أمام إغواءات واستدراجات حلقات وشبكات الفساد المتشعبة والمعقدة، فإن الأحزاب الصغيرة تبقى بعيدة عن دائرة هذه «الامتيازات»، إلاّ أنها مع ذلك، وبرغم محدودية مواردها المالية، فإن الفساد يمكن أن يتسلل إليها من نافذة نزعات الهيمنة واحتكار المناصب القيادية التي توفر بعض امتيازات النفوذ الناتجة عن فرص مطاولة اتصالاتها لدوائر مختلفة في الدولة كما في قطاعات الأعمال.
وعلى ذلك نزعم بأن نظام الحوكمة الصالحة ربما شكل المقاربة المثلى لإجابة الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني في العالم العربي، كما هو حاصل في العالم الغربي، على تحديات تسلل الفساد إلى مفاصلها المفضي حكماً لفقدان مصداقيتها واضمحلالها ترتيباً. إنما المشكلة تكمن في تلك الأحزاب التي تغول فيها الفساد عضوياً وأصبح جزءاً من حياة قياداتها العليا والوسطى، كما هو مثلاً في حالة الأحزاب السياسية العراقية التي أشارت عضوة البرلمان العراقي سروت عبد الواحد إلى أحد نماذجها. هنا المعالجة باستخدام «روشتة» الحوكمة تصبح غير مجدية. ذلك أننا نكون أمام حالة قد تمكن منها فيروس الفساد، وما من سبيل لإصلاحها سوى بإخضاعها قضائياً لإعادة هيكلة ضمن هندسة جديدة لتقويم وتصويب أداء وممارسات مكونات النظام السياسي.

المصدر: الخليج

محمد الصياد يكتب: فساد الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني




المصدر