‘“إسرائيل” دعمت أوباما لتجاوز خطوطه الحمراء في سورية’

1 يوليو، 2017

مشعل العدوي

وفقًا للكاتب إيلي ليك، كبير مراسلي الأمن القومي لصحيفة (ديلي بيست) وغيرها من الصحف الأميركية، يقول سفير “إسرائيل” السابق في واشنطن مايكل أورين، طبقًا لمذكرات جديدة سينشرها هذا الشهر: إن الفشل في وضع حد لسورية أثبت عجز أوباما عن وضع حد لإيران، وإن “إسرائيل” ساعدت، في السرّ، الرئيسَ أوباما على تجنب قصف سورية عام 2013، بعد أن خرقت دمشق “الخط الأحمر” المفروض ضد استخدام الأسلحة الكيماوية.

يتحدث ليك في مقالة، نشرها قبل أيام بعنوان (إسرائيل ساعدت أوباما على التملص من الخط الأحمر في سورية)، عن كتاب أورين (الحليف) الذي يكشف فيه للمرة الأولى أنه في أواخر آب/ أغسطس، وأوائل أيلول/ سبتمبر 2013، وضع وزير الاستخبارات الإسرائيلي آنذاك، يوفال شتاينتز، خطة كي تتخلى سورية عن أسلحتها الكيماوية إلى الحكومة الروسية، واستلم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مباركة أوباما لهذه الخطة والمضي بهذا المقترح.

ويقول ليك إنه للتأكيد على ذلك، فإن أورين يكتب في مذكراته إن “إسرائيل” لم تكن معترضة على الهجمات الأميركية في أواخر آب/ أغسطس 2013، ويقول إن الدولة اليهودية لم تر أي جانب سلبي بقيام أوباما بفرض الالتزام بالخط الأحمر؛ ومن ثم العمل على وضع حد لإيران كما كانت تأمل، لكن في الوقت نفسه، فإن أورين ينسب إلى شتاينتز ونتنياهو الفضل بالمساعدة في تحضير الأرضية الدبلوماسية التي سمحت لأوباما بالتراجع عن تهديداته بالضربات الجوية التي كان أورين نفسه يعتقد في ذلك الوقت أنها كانت قادمة لا محالة.

ويقول ليك في مقالته: في هذه الفترة كانت أميركا أقرب ما تكون إلى الانخراط مباشرة في الحرب الأهلية السورية، وفي آب/ أغسطس 2013، أكد مفتشو الأمم المتحدة أن نظام بشار الأسد هاجم موقعًا للمتمردين في الغوطة خارج دمشق، وقد اضطر أوباما على مضض إلى أن يُقرّ بأن الدكتاتور السوري قد تجاوز الخط الأحمر للإدارة الأميركية، واستخدم الأسلحة الكيماوية، لكن بعد أن اتفقت سورية وروسيا على خطة يتنازل الأسد بموجبها عن أسلحته الكيماوية، فإن التهديد بالضربات الجوية كعقوبة للهجوم على الغوطة تراجع كثيرًا.

ويستطرد: في ذلك الوقت، بدا وكأن خطة نزع السلاح الكيماوي قد ظهرت بالصدفة، في 9 أيلول/ سبتمبر من ذلك العام، حيث طرح وزير الخارجية جون كيري فكرةَ أن الأسد يمكنه تجنب الهجمات الأميركية، إذا تنازل عن أسلحته الكيماوية، وقد قال مسؤول الخارجية الأميركية بعد ذلك بقليل أن الملاحظات كانت عبارة عن كلام خطابي أكثر منها مقترحًا فعليًا، لكن نظير كيري الروسي سيرجي لافروف سارع إلى اغتنام الفرصة بهذه الملاحظات، وقدّم عرضًا إلى وزير الخارجية السوري، ولم يكد ينتشر الخبر بين وسائل الإعلام، حتى كانت خطة للأمم المتحدة قيد التفاوض، وكانت أميركا تتنصل من الضربات الجوية.

تبين فيما بعد أن نتنياهو كان يساعد في إعداد هذه الصفقة من وراء الكواليس، وفق أورين الذي يقول في كتابه: “إبان هذا الأزمة، سمعت بمقترح للعمل على قيام سورية بالتخلص من ترسانتها الكيماوية بسلام”، فقد “نشأت الفكرة من وزير إسرائيلي هو يوفال شتاينتز الذي كان أول من عرض الفكرة على الروس الذين كانوا حريصين كل الحرص على تجنب التدخل الأميركي الذي لم يكن بوسعهم التصدي له؛ ومن ثم قام نتينياهو بتقديم الخطة إلى أوباما وحصل على الضوء الأخضر بشأنها”.

ويقول أورين، وفق ليك: أخبرني مسؤول أميركي رفيع، يوم الأحد، أنه يتذكر وقائع مختلفة إبان هذه المساعي الدبلوماسية، قال هذا المسؤول إن أوباما والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بالإضافة إلى كيري ولافروف، ناقشوا تجريد سورية من أسلحتها الكيماوية، قبل آب/ أغسطس 2013 بمدّة طويلة، لكن الجانب الأميركي لم يكن يعتقد مطلقًا أن الروس جادين بالأمر، وأكد هذا المسؤول أن الإسرائيليين دعموا في الخفاء خطةَ نزع السلاح الكيماوي، وأن نتنياهو ناقش الأمر مع أوباما، لكن هذا المسؤول اعترض على القول إن “إسرائيل” هي من وضع الخطة.

ما يكشف عنه أورين في مذكراته له أهمية كبيرة في ضوء أن اللوبي المساند لـ “إسرائيل” في واشنطن، لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (آيباك) كانت قد وافقت على مساندة قرار حرب ضد سورية بناء على طلب البيت الأبيض، ويكتب أورين أن مستشار الأمن القومي لأوباما، سوزان رايس، طلبت شخصيًا من (آيباك) مساندة القرار، وقد امتثلت (آيباك) لذلك.

ويلاحظ أورين أيضًا، ودائمًا وفق ليك، أن أوباما لم ينسب علنًا الفضل مطلقًا لـ “إسرائيل” في المساعدة بهذه الخطة؛ فيكتب: “في المقابلات التالية، قلما فوت أوباما الفرصة للإشارة إلى تجريد سورية من قدرتها الكيماوية على أنه إنجاز دبلوماسي تاريخي، كذلك نسب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الفضلَ لنفسه لهذه المبادرة، وأثنى على هذا المثال الناصع لكيفية قيام المجتمع الدولي بحل مشكلة معقدة لنزع السلاح والقيام بمهمة الحد من انتشاره، وهكذا لم يذكر أحد دور “إسرائيل”، لكن مواطنيها شعروا بالارتياح لأنهم لن يضطروا مجددًا للحصول على ارتداء قناع الغاز”.

يعتقد ليك أن لدى أورين مشاعر متضاربة حول كيفية تطور الأمور بشأن سورية، ففي مقابلة يوم الأحد، قال له أورين: “تبين أن الرابح الأكبر كان الأسد، وعن غير قصد إيران أيضًا، ذلك أن الأسد انتقل من كونه جزءًا من المشكلة إلى كونه جزءًا من الحل”.

ويتابع: منذ العام 2013، لم يكن الأسد قادرًا فقط على استخدام البراميل المتفجرة وغاز الكلور ضد مواطنيه دون أي تهديد بالحرب على سورية أو عقاب مباشر من الأميركيين، بل كان هناك دليل متزايد على أنه لم يتخلص من كل أسلحته الكيماوية، وكما ذكرت، بالاشتراك مع زميلي جوش روجن في الشهر الماضي، أن الولايات المتحدة علمت أن بقايا غاز السارين وجدت مؤخرًا في منشأة سورية للأسلحة الكيماوية.
الأمر الأكثر أهمية -كما قال أورين- أن أوباما أرسل رسالة إلى العالم عندما قرر عدم استخدام القوة عندما تحدته سورية، وهي رسالة حول الكيفية التي يمكن للولايات المتحدة أن ترد بها على الاختراقات النووية لإيران. “في ذلك اليوم انتهى جدال مهم في (إسرائيل)”.

ويقول ليك إن الجدال في “إسرائيل” بشأن ما إذا كان أوباما سيحافظ على كلمته، ويمنع إيران من الحصول على القنبلة، كان محورًا رئيسًا من محاور مذكرات أورين. وقد بلغ هذا الجدال أوجه في صيف العام 2012 عندما حدث الانقسام في قيادة الأمن الوطني الإسرائيلي بشأن هذه المسألة، إذ إن مائير داجان، وهو رئيس سابق للموساد، اتهم نتنياهو بتعريض الدولة للخطر بدراسة موضوع توجيه ضربة لإيران.

في كتابه، يصف أورين محادثة في ذلك الصيف مع دينيس ماك دونوف، رئيس موظفي أوباما، وينقل عن ماك دونوف قوله: “قصارى القول إن بيبي والرئيس هما شخصان عمليان، لا شيء شخصيًا في هذا الأمر، ولا ينبغي لأحد أن يخدع نفسه أن الرئيس لن يتصرف”.

ويرى ليك أن نتنياهو كانت لديه شكوكه، وطوال صيف 2012 وبينما كانت إيران تعمل على تخصيب المزيد والمزيد من اليورانيوم إلى مستويات مناسبة للقنبلة، لم يقدم نتنياهو وعدًا بعدم استخدام النار، لكن في نهاية الأمر، انصاع نتنياهو. وفي كلمته في أيلول/ سبتمبر أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة، تحدث بالتفصيل عن خطه الأحمر الخاص به، محذرًا إيران بعدم تجميع 250 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 بالمئة، وقد أوضح هذا الخط الأحمر برسم شهير لقنبلة لها صمام.

على الرغم من أن الكثيرين عللوا هذه الكلمة بميول عدائية تجاه إيران، لكن البيت الأبيض فهم أنها عنت أن الإسرائيليين لن يهاجموا إيران قبل انتخابات 2012. يقول أورين: “لقد فهم أوباما كما فهمنا أن كلمة الخط الأحمر كانت علامة على الحد الأعلى للتخصيب الإيراني، وكانت أيضًا قمة التهديد الإسرائيلي لإيران”، ويضيف: “وهذا ما لن يحدث الآن كما كان يخشى الكثيرون قبل الانتخابات الأميركية”.

ويختم ليك قائلًا: منذ تلك الكلمة في العام 2012، توصل أوباما على الأقل إلى اتفاقية إطارية مع إيران، تحافظ على الكثير من البرنامج النووي لتلك الدولة كما هو، وقد قال لي أورين إن الخطة المقترحة لأوباما “تُعرّض إسرائيل للخطر”، وقد قال نتنياهو ذلك كثيرًا، وعلى أي حال، يبدو أنه يجب علينا انتظار المزيد من المذكرات كي نعلم إذما كان نتنياهو يعتقد، بعد مرور وقت على تلك الأيام، أن امتناعه عن التصرف في 2012 كان خطأ محضًا.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]