تمزيق نفسي وإذلال السوريين في عرسال
1 يوليو، 2017
جيرون
أجسادٌ مرمية على الحصى تحت شمس حارقة، للاجئين سوريين في مخيمات عرسال طُرِحوا أرضًا، وقد قُيّدوا من الأيدي للخلف وكُبّت وجوههم على التراب، وعلامات ضرب وحشي تظهر في الصور، وهامات تنحني إذلالًا.
تحت فرضية البحث عن عناصر “إرهابية”، يقتحم الجيشُ اللبناني وعناصر (حزب الله) مخيماتِ اللاجئين في عرسال، في مشهد عقاب جماعي للسوريين في لبنان لا ينحصر في المخيمات التي فروا إليها من بطش النظام، بل في عقلية الإذلال المستندة إلى شوفينية وعنصرية، تعاظمت في السنوات الأخيرة، معتمدة على أيديولوجيا “مذهبية وطائفية”، وهي لا ترتبط بحادث معين كالذي جرى في عرسال، ففي مناطق كثيرة من لبنان، رُفعت يافطات تدل على انتهاك فاضح لحقوق السوريين وكرامتهم.
وفق الحسابات المعتادة للقوى الأمنية المُسيطرة في عرسال ولبنان عمومًا، بالتعاطي مع اللاجئين السوريين، أصبح نتاج التعاطي معهم على أساس إغراق اللاجئين في دوامة التمزيق النفسي، اعتمادًا على مرتكزات أساسية تستند إلى اعتبارهم كتلة واحدة من “الإرهابيين” المحتملين وقنابل موقوتة يجب تفكيكها. حسابات تستند إلى رواية النظام السوري وحلفائه في لبنان؛ لتصبح عناصر متكاملة فكرية ومادية ونفسية، تبرر اللجوء المستمر إلى اضطهاد السوريين في أماكن النزوح اللبنانية وتحويلها إلى أماكن استثمار لشعار “مكافحة الإرهاب”، ضحايا إرهاب النظام من اللاجئين تُمارس عليهم سياسة الإرهاب والإذلال والاعتقال والتنكيل والتعذيب، مشاهد عرسال منسوخة عن فظاعات النظام وميليشياته، عقلية استعلائية تعيش وهمَ الأسطورة العنصرية.
كسر جدار التلاحم بين اللبنانيين والسوريين، تراه القوى الأمنية المُسيطرة أولوية، نجحت فيه إلى حد بعيد آلة (حزب الله) العسكرية والأمنية وحلفاؤها في تكريسه على واقع اللاجئين السوريين في لبنان، تحت تأثير الخوف والاضطهاد والملاحقة والعنف الممارس عليهم، لا لشيء سوى لأنهم سوريون أولًا، وثانيًا لأنهم مرآة لانكسار صور الآخر في لبنان والمنطقة، فهذا يحتاج إلى جهد أمني مكثف، يجعل التناقضات الداخلية للمجتمع اللبناني تتحد في مواجهة اللاجئ السوري، كملاذ يحتمي بشعاراتها الجميع. ممارسات الإذلال كثيرة وظاهرة في شوارع وأزقة لبنان ومخيمات اللجوء السوري، وهي ليست إيحاءات عنصرية بل ممارسات وشهادات التعرض لانتهاكات التعنيف والتنكيل، وقد أصبحت الملفات التي تختص بها ضخمة.
يشارك الوضع السياسي والاجتماعي العام في لبنان، في بلورة ظروف الاستهداف النفسي للاجئين السوريين من بوابة “القلق” الناجم عن وجودهم وربطه مع المؤثرات الأساسية المتعلقة بكل ملفات التدهور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وإغفال عنصر التشابك الأساسي في المؤثرات، من تعرضهم لإرهاب النظام إلى تهجيرهم وقتل أبنائهم وأسرهم، إضافة إلى مشاركة ميليشيا لبنانية طائفية في عمليات قتلهم في سورية، وإذلالهم في لبنان.
يُنظر إلى اللاجئين السوريين في لبنان، بوصفهم آباء وأمهات وإخوة أولئك الذين أسقطوا أسطورة (حزب الله) في لبنان، ومرّغوا شعاراته الكبرى على التراب السوري وفي الشارع العربي، وعلى أنهم السبب في خسارة استثمارات الحزب في الأساطير والخرافات، لذلك نرى حقدًا وغِلًا مضاعفين نحو السوريين، واستعدادًا كبيرًا لممارسة الإذلال والتمزيق النفسي عليهم، وما ذلك إلا تعويض لتلك الخسارة، على أجساد السوريين الأحياء بعد تجربتها على جثثهم فوق الأرض السورية.
صور مخيمات عرسال، في بؤسها وإذلالها مع الأجساد المصلوبة تحت شمس حارقة، صورٌ للعار والذل الذي سيلاحق العقليةَ العنصرية والاستعلائية التي نالت من كرامة السوري في لبنان.
سيعود السوري إلى وطنه عاجلًا أم آجلًا، وسيهزم عنصرية وفاشية النظام، وسيُسقط تنافس حلفائه على التنكيل بهم، وستبقى صور عرسال المُذلة ناعتًا أبديًا لعار يلاحق القتلةَ العنصريين والحاقدين الطائفيين، وسيبقى لجباه السوريين ما يعينها لترتفع عاليًا.
[sociallocker] [/sociallocker]