العلاقات بين ضفتي الأطلسي (امتحان الحاجة وتغيّر الاستراتيجيات)


مركز حرمون للدراسات المعاصرة

المحتويات

مقدّمة

أولًا: حول تاريخ العلاقة الأوروبية – الأميركية

ثانيًا: حلف شمالي الأطلسي (الناتو)، درّة التحالف الأوروبي – الأميركي

ثالثًا: الاتحاد الأوروبي ركيزة البنيان الأوروبي الحديث

رابعًا: عصا ترامب في اجتماعي الأطلسي ومجموعة السبع

خامسًا: الخلافات الأوروبية- الأميركية وانعكاساتها في ثورات الربيع العربي

سادسًا: خاتمة

مقدّمة

أماط وصول ترامب إلى البيت الأبيض -في انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر 2016- اللثام عن أزمة بنيوية فارقة في العلاقة الاستراتيجية بين أوروبا والولايات المتحدة وتحالفهما الراسخ، قد تُغيّر تلك الأزمة عميقًا في الاستراتيجيات الدولية والعلاقات التي استقر عليها العالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، إذا لم يجر تطويقها أو إعادة ترتيب العلاقة وصوغها بما يتلاءم مع معطيات تَوزّع القوة والنفوذ في السياسات الدولية، التي أخذت بالتبلور بعد حوادث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر2001 وما تبعها، هذه الأزمة التي تراكمت ببطء، ليست على تلك الدرجة من التعقيد، وليست مثقلة بمرارات، لكنها مفصلية.

أُسست العلاقة الأوروبية – الأميركية في نهاية الحرب العالمية الثانية على معطيين مهمين وواضحين، أولهما تختصرة حاجة أوروبا التي دمرتها الحرب إلى الحماية الأميركية ومظلتها النووية، وثانيهما طموح أميركي بدور عالمي مُهيمن، مع استعداد لتحمّل تكاليفه وتبعاته، المعطيان كلاهما يتكاتفان في مواجهة الخطر الوجودي الذي كان يمثله الاتحاد السوفياتي آنذاك، إذ اجتاحت جيوشه وهي تُطارد فلول الجيوش النازية أوروبا الشرقية وأغلب دول البلقان، وبسط هيمنته الكاملة عليها، وفرض نفسه لاعبًا رئيسًا وفاعلًا في الساحة والسياسة الدوليتين.

عندما يُصرّح وزير الخارجية الألماني بأن «الغرب أصبح أصغر الآن»، في معمعة حملة ترامب الصاخبة، وقبيل فوزه في الانتخابات الأميركية، فإنه كان يُعبّر عن قلق أوروبي حقيقي، وتوجّس من اضطراب العلاقة مع الولايات المتحدة أو حتى فكّ عراها -على الرغم من ضعف الاحتمال بأن تتدهور العلاقات إلى هذا الحدّ في المدى الزمني المنظور- ويُلقي بالشك والتساؤل حول مستقبل هذه العلاقة وآفاقها وحقيقة المصاعب التي تواجهها. وهذا يتوقف إلى حدّ بعيد على رؤية كل منهما لتطور الصراعات حول القارة وبقية مناطق العالم المضطربة، وتَوزّع خطوط القوة والهيمنة في عالم اليوم، ونظرة كل منهما إلى نفسه ودوره، ومدى توافر الإرادة لأداء الأدوار المتاحة أو المرغوبة والقدرة عليها، تلك التي ستفرضها الصراعات المحتملة والتنافس في الساحة الدولية. فهل أوروبا قادرة على الاعتماد على نفسها وراغبة فيه، وستمضي نحو فك ارتباطها وتحالفها مع الولايات المتحدة؟ وهل أميركا في عجلة من أمرها لتسريع وتيرة هذا الطلاق؟ أم أنها ستزيد الضغوط على أوروبا فحسب، وستسعى لتحميلها جزءًا من تبعات هذا التحالف، وتأمين انسجام وتفاعل أكبر في البيت الأطلسي؟

أسئلة واحتمالات قد يصعب التكهن بأجوبتها في الوقت الراهن وخصوصًا أن الولايات المتحدة الأميركية، لم تطرح استراتيجية جديدة واضحة، وما تقدمه كله ملامح لتوجهات عامة، لا يمكن التأكد من مسارها في ظلّ رئيس يفتقر إلى الخبرة والتاريخ السياسيين، ويُكرّر دائمًا (أميركا أولًا)، ويُكثر من التصريحات الشعبوية الفجّة ذات الطابع الشخصي، أكثر من كونها تعبيرًا عن رأي إدارة ومؤسسة بأهمية الإدارة في واشنطن.

أولًا: حول تاريخ العلاقة الأوروبية – الأميركية

تعود علاقة التعاون الأوروبية – الأميركية إلى مرحلة الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، عندما قرر الرئيس الأميركي توماس وودرو ولسن التدخل إلى جانب الحلفاء الأوروبيين، كاسرًا بذلك نمط العزلة الذي كان يحكم السياسة الأميركية وعلاقتها بالعالم الخارجي، هذه الحرب كانت حربًا أوروبية على رأي بريجنسكي، ولم تكن حربًا عالمية، فأطرافها أوروبيون وساحتها أوروبية، لكن حجم الدمار الذي خلفته ألصق بها هذا الوصف. لقد ألّفت هذه الحرب -بعد أن وضعت أوزارها- نقطة فارقة في القواعد التي كانت تنظم الأمن الأوروبي وآليات عمله، وخرج قرار الأمن الأوروبي من يد أوروبا المُنهكة، وانتقل إلى يد الولايات المتحدة، لكن الكونغرس الأميركي الذي آثر العزلة على الانفتاح، ورفض اتفاق فرساي والانضمام إلى عصبة الأمم، أبطأ التفاعل ما بين ضفتيّ الأطلسي حتى عام 1939 واندلاع الحرب العالمية الثانية، إذ عاود الأميركيون بصورة محسوبة مدّ يد العون للحلفاء، لكنهم لم ينخرطوا فيها فعليًا، ولم تُحسم في نهاية الأمر لمصلحتهم، إلا بعد أن دمّر الطيران الياباني الأسطول الأميركي في ميناء هاربر.

خرجت أوروبا من هذه الحرب مُدمّرة، ووقع شرقيّها تحت النفوذ السوفياتي حيث رابطت جيوشه، وقُسّمت ألمانيا، وارتفع جدار برلين فاصلًا بين معسكرين مختلفين وعالمين متربصين لبعضهما. من جهتها فإن الشعوب الأوروبية سئمت الحروب بعد أن كوتها ويلاتها، وعادت أوروبا غير قادرة على القيام بأعباء أمنها، فتسلّمته الولايات المتحدة، وأخذت على عاتقها حمايتها من الخطر السوفياتي، وتقدمت بمشروع مارشال لإعادة إعمارها. وفي عام 1949 أُعلن إنشاء حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ومنذ ذلك الوقت وفي مدى العقود الستة الماضية أصبح الترابط الأمني الوثيق بين ضفتيّ الأطلسي واحدًا من حقائق الأمن العالمي الراسخة.

لقد أمّنت الولايات المتحدة الحماية والأمن لأوروبا في وجه الخطر السوفياتي، لكنها بالمقابل هيمنت على قرارها السياسي وتوجهاتها، وتحكّمت إلى حدّ كبير في اقتصاداتها ونموّها، وعرقلت من طرف خفي مسيرة اتحادها، وضغطت على عملتها الموحدة، وساهمت بإفشال مشروعها لإنشاء جيش أوروبي موحد في ثمانينيات القرن الماضي.

بالمقابل، فإن أوروبا التي تعي عمق مشكلاتها البنيوية، وإرثها التاريخي المثقل بالصراعات البينية والتنافس بين أطرافها الكبيرة على الهيمنة والنفوذ في خارج أوروبا أو داخلها، بقيت تنظر إلى العلاقة مع الولايات المتحدة بعين الضرورة، التي تتطلّب نفسًا طويلًا وهدوءًا في البناء، ولا بأس من تنحية الأنَفَة جانبًا، مادامت الولايات المتحدة ذات الإمكانات الهائلة تفسح المجال أمام الأوروبيين ليتفرغوا لنموّهم ورفاهية شعوبهم، ويتجنّبوا الوقوع مجدّدًا في فِخاخ سباق التسلّح المرهق. فهل يريد ترامب أن يقلب الطاولة في وجوههم؟

ثانيًا: حلف شمالي الأطلسي (الناتو)، درّة التحالف الأوروبي – الأميركي

في 4 نيسان/ أبريل 1949، جرى إعلان تأليف تحالف عسكري حكومي مقرّه العاصمة البلجيكية بروكسل، ضمّ عند تأليفه اثنتي عشرة دولة، منها الولايات المتحدة وكندا، وصار عددها حاليًا 28 دولة، بعد أن انضمّ إليه عدد من دول أوروبا الشرقية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991، وكوّن هذا الحلف الذراع العسكرية الطويلة القادرة لمعاهدة شمال الأطلسي للدفاع المشترك، وحُددت مهمته بالرد على أي هجوم خارجي تتعرض إليه دول الحلف أو حتى أحد أعضائه، بناءً على ما نصّت عليه المادة الخامسة من المعاهدة، وقرر نظامه الداخلي المساهمة المالية بأعباء الحلف لكل عضو بـ 2 في المئة من الناتج المحلي لدولته.

لقد أنهكت الحربان الكونيتان القارة الأوروبية وانكشف أمنها، وأصبحت بحاجة ماسّة إلى الحماية، وأفل نجم إمبراطوريتيها الاستعماريتين الكبيرتين، بريطانيا وفرنسا، وهُزمت ألمانيا في الحربين كلتيهما. ترافق ذلك أيضًا مع عولمة مبادئ ولسن وانطلاق مرحلة نزع الاستعمار. في هذه الأثناء، كانت أميركا التي تتحفّز لدور عالمي تسوّغه إمكاناتها، ترى أن منافسها على الهيمنة والنفوذ لم يعد أوروبا، بل أضحى الاتحاد السوفياتي الصاعد، الذي يتطلع إلى دور عالمي وعينه على أوروبا وساحتها الأوراسية، حلم روسيا القيصرية القديم، لذلك تقدمت أميركا باكرًا نحو أوروبا بالدعم وبمشروعات التعاون الدفاعي التي كان حلف الناتو ذروتها. فحلف الناتو تألّف ليكون أداة ردع وهيمنة، وقد أراده الأوروبيون أداة ردع في وجه المطامع السوفياتية، في حين أراده الأميركيون أداة هيمنة وبسط للنفوذ. لقد أدى الحلف دوره بفاعلية في مدى العقود الستة الماضية وما زال، وعندما انهار حلف وارسو بعيد انهيار الاتحاد السوفياتي، لم تلق تجاوبًا تلك الأصوات التي ارتفعت في الغرب وطالبت بحله لانتفاء مسوّغ استمراره، وخفتت بسرعة، لا بل بعكس ذلك، سعى الحلف -وما زال- لضم مزيد من دول أوروبا الشرقية التي تحررت من الهيمنة السوفياتية سابقًا والروسية لاحقًا، وهو ماض في زحفه البطيء والراسخ نحو الحدود الروسية، الأمر الذي يمثّل هاجسًا حقيقيًا للروس، ويدفعهم إلى حروب استباقية كاحتلالهم القرم وشرق أوكرانيا، أو إشاعة أجواء الحرب كما في دول البلطيق.

ولطالما توجّس السوفيات من نوازع الهيمنة والتوسّع في السياسة الأميركية وذراعها العسكرية حلف الناتو، الذي عدّوه خطرًا قائمًا ومتوقعًا، لذلك سعوا لجعل ألمانيا حاجزًا في وجه الحلف باتجاه الشرق. ففي 10 آذار/ مارس 1952، تقدّم ستالين بمبادرة (مذكرة ستالين) تضمنت موافقة السوفيات على انسحابهم من الأراضي التي احتلوها في شرق ألمانيا، مع إعادة توحيدها والسماح لها بإعادة بناء جيشها، وأن تختار بحرية نظامها الاجتماعي. وتُعدّ مبادرة ستالين تلك خروجًا على اتفاق (يالطا) الذي توازعت بموجبه الدول المنتصرة مناطق النفوذ والسيطرة في العالم، وفي القلب منه القارة الأوروبية، لكن المستشار الألماني في ذلك الوقت، كونراد أديناور، رفض المبادرة وانحاز إلى العالم الغربي وأعلن انضمام ألمانيا الغربية إلى حلف الناتو. بعد ذلك، وفي أيار/ مايو 1955، أُعلن من العاصمة البولونية تأسيس حلف وارسو الذي ضمّ الدول الدائرة في الفلك السوفياتي، في أوروبا الشرقية وبعض دول البلقان، ليكون بمنزلة الذراع العسكرية السوفياتية في مواجهة حلف الناتو، وبقي مفتوحًا أمام الدول الأخرى الراغبة في الانضمام إليه، على أن تكون القارة الأوروبية ساحة عملياته، وهو وفقًا للاتفاق الذي انبثق منه، والأهداف المعلنة له لم يُضف جديدًا إلى القوة السوفياتية، إذ جاء اتفاق الحلف بديلًا من الاتفاقات الثنائية التي كانت مبرمة بين الاتحاد السوفياتي وكل دولة من الدول الأعضاء على حدة، التي قامت على تنظيم الوجود العسكري السوفياتي في أراضي تلك الدول، لكنّ إعلانَ تأسيسه دفع الحرب الباردة بين المعسكرين إلى مستويات أعلى من الحدّة.

اعتقد القادة الغربيون آنذاك أن مبادرة ستالين كانت محض خدعة لذلك رُفِضت، وسواءً كانت خدعة أم أنهم صيّروها كذلك مسوغًا لرفضها، فإنها كانت تعبر عن قلق سوفياتي معلن من تنامي القوة التي تواجههم ومأسستها، واضطروا إلى الدخول معها في سباق تسلح أنهكهم، وأدّى في النهاية إلى انهيار الاتحاد السوفياتي وتفككه وانفراط عقد تحالفاته التي اعتمدها في تلك المواجهة المديدة والمكلفة على حساب رفاهية شعبه وتقدمه والشعوب التي ارتبطت عنوة باستقطابه الدولي.

تتركز إحدى نقطتي الخلاف البارزتين ما بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين في عهد الإدارة الجديدة على إيفاء أعضاء الحلف بالتزاماتهم المالية المقررة في ميثاق الحلف وقدرها 2 في المئة من الناتج المحلي لكل دولة عضو، ويصرح ترامب دائمًا بأنه لم يعد هناك ركوب مجاني في قطار الحماية الأطلسية. ويبدو أن المشكلة هنا لدى بعض الدول الأوروبية الرئيسة، كألمانيا وبريطانيا وفرنسا وهولندا، ليس في القدرة على الإيفاء بالتزاماتها، لا سيما أن ألمانيا على سبيل التوضيح تسدد 1.7 في المئة من هذا الالتزام، ولن تعوزها القدرة لتسديد 0.3 في المئة المتبقية، ما يعني أن للمشكلة مداخل وأبعادًا أخرى، يحاول الأوروبيون التملّص منها، ولعلّ في طليعتها أن أغلب الشركاء في الحلف، خصوصًا دول أوروبا الشرقية التي انضمّت لاحقًا، غير قادرة على الإيفاء بتلك الالتزامات، وسوف تضطر الدول الغنية في الاتحاد، كألمانيا وفرنسا، إلى تحمّل ما يترتب على تلك الدول؛ كذلك، وربما الأهم أنه على الرغم من التقنيات المتقدّمة التي تمتلكها بعض الدول الأوروبية في مجال الصناعات العسكرية، إلا أنها لا تُلبي معايير الحلف التسليحية، ومن ثَمَّ، ستذهب هذه الأموال تلقائيًا لمصلحة الشركات الأميركية المُصنّعة للسلاح، وتُحرم منها الشركات الأوروبية.

مارس الحلف غالبًا دور الردع، وقليلة هي الحروب التي خاضها، فقد انخرط في صراع البوسنة 1991-1995، وقصف يوغسلافيا عام 1999 بعد أن غزت كوسوفو، وبعد حوادث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001 شارك في غزو أفغانستان، ويقوم حاليًا بمجموعة من الأدوار والمهمات، منها تدريب الجيش العراقي، ويُشارك بقوة (إيساف) في البوسنة.

ثالثًا: الاتحاد الأوروبي ركيزة البنيان الأوروبي الحديث

مسيرة الاتحاد الأوروبي الطويلة، لم تجر بالسهولة التي أملها دعاة الحلم الأوروبي منذ مطلع خمسينيات القرن الماضي، ولم تكتمل صيرورة بنائه حتى الآن، إلا أن الفكرة لم تفقد بريقها بعد، على الرغم من انسحاب بريطانيا في صيف العام الماضي الذي مثّل ضربة له. ويعود التباطؤ في نضج التجربة الأوروبية إلى أسباب عدة، منها مفعولات الحرب الباردة، التي استمرت أكثر من أربعة عقود، وتفاوت الحماس بين دوله لهذا المشروع، وتفاوت نسب النموّ بينها، والأزمات الاقتصادية التي تنهك بعضها، كإسبانيا وإيطاليا، عداك عن اليونان التي باتت عبئًا عليه وكلّفته، في أزمتها الأخيرة المستمرة منذ سنوات، مئات مليارات الدولارات.

يظن القادة الأوروبيون في سريرتهم -وربما كانوا على حق- أن الأميركيين يُعرقلون من طرف خفيّ مسيرة الاتحاد، ويخلقون له الصعوبات والعقبات، لأنهم يريدون أن تبقى أوروبا رهينة حاجتها إليهم، ويأخذون عليها ردّة فعلها الباهتة عندما احتلت روسيا القرم وأشعلت الحرب في شرق أوكرانيا عام 2014. ويظن الأوروبيون أيضًا أن روسيا البوتينية تتدخل في شؤونهم، وتمد يد العون المادي، خصوصًا في مجال المعلومات والدعاية، للمناوئين للاتحاد ولليمين الشعبوي المتطرف؛ وهي متهمة بالتدخل في الانتخابات في كل من أميركا وفرنسا وألمانيا، وبزرع حلفاء يمينيين في هنغاريا، وبمغازلة تركيا وإيطاليا، عداك عن تدخلها في دول البلطيق وغزوها أوكرانيا. وسيكون الروس أكثر سعادة لو انفرط عقد التحالف الأوروبي – الأميركي، وغرق الاتحاد الأوروبي في مزيد من المشكلات والانقسامات. لكن كيف سيواجه الأوروبيون استحقاقات المرحلة؟

يبدو أن الأوروبيين، على الرغم من القلق الذي يبدونه حيال المواقف الأميركية الجديدة، يُدركون حجم التحديات التي تواجههم، ولديهم الإرادة لمواجهتها والاستعداد للمضيّ في مشروعهم اعتمادًا على قدراتهم الذاتية إذا اقتضى الأمر وتطورت الأزمة مع الحليف الأميركي. عبّرت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل عن هذا التوجه بلغة لا ينقصها الوضوح، بقولها: «لقد انتهت بطريقة أو بأخرى الأوقات التي كان يمكن أن نعتمد فيها اعتمادًا كاملًا على الآخرين، والنتيجة هي أنه يجب علينا، نحن -الأوروبيين- أن نمسك مصيرنا بأيدينا». ولقد واجهوا على هذه الأرضية صدمة خروج بريطانيا من الاتحاد بطريقة حازمة، وطالبوها بسرعة البدء بمفاوضات الانسحاب وفقًا للمادة 51 من ميثاق الاتحاد، وبيّنت نتائج الانتخابات التي شهدتها بريطانيا هذا الشهر تراجعًا كبيرًا في شعبية رئيسة الوزراء، تيريزا ماي، التي خسرت الأغلبية في البرلمان، واضطرت إلى تأليف حكومة ائتلافية، وكأن البريطانيين قد عاقبوها على ذلك الخروج.

ثمة علامتان فارقتان تُرجّحان صمود الخيار الأوروبي: تجلّت أولاهما في هزيمة اليمين الفرنسي وبقية الأحزاب الفرنسية التقليدية في الانتخابات الرئاسية، وكذلك البرلمانية التي جرت دورتها التكميلية يوم 19 حزيران/ يونيو 2017، وفوز مانويل ماكرون الشاب البراغماتي المتحمس للاتحاد الأوروبي بالرئاسة، وحزبه الوليد بالأغلبية البرلمانية المريحة. هذه الانتخابات، كان الموقف من الاتحاد هو العامل المقرر فيها. وقد بقي ماكرون مُخلصًا لموقفه المؤيد للبقاء في الاتحاد وفي منطقة اليورو، ولم تثنه ثرثرات ماري لوبن حول فوائد التخلي عن اليورو والعودة إلى الفرنك الفرنسي عن المغامرة بموقفه في وسط الخوف من تقدم اليمين الأوروبي. نعم فاز ماكرون، وهُزم منافسوه الآخرون، وانتصر خيار أوروبا لأن فرنسا دولة مُؤسِّسة للاتحاد وتُمثّل مع ألمانيا قاطرته، ويمثل الاتحاد بالنسبة إلى فرنسا الطموح في مواجهة الإذلال الذي تعرضت له في الحرب العالمية الثانية؛ وتجلّت العلامة الثانية في استعداد المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، لتسلّم القيادة الأوروبية، وبخاصة أن استطلاعات الرأي كلها ترجّح فوز حزبها في الانتخابات التي ستجري في أيلول/ سبتمبر القادم، عدا عن أنه لا يوجد انقسام في ألمانيا حول أهمية الاتحاد الأوروبي ومحوريته حتى في صفوف معارضي ميركل، فالألمان يعدّون الاتحاد طريقًا للخلاص، حتى أن منافسها الرئيس في هذه الانتخابات، مارتن شولتز، يؤكد (أهمية التقارب الأوروبي)، ويعدّه (الرد على النهج الفردي لترامب). ومع هذا، لا شك في أن الاتحاد الأوروبي يواجه جملة من المشكلات التي تتطلب حلولًا سريعة وجريئة، يأتي في طليعتها التغلب على أزمة الركود الاقتصادي الذي تعانيه دوله، وإيجاد فرص عمل، ومواجهة تبعات الهجرة التي ازدادت بسبب الاضطرابات والحروب التي يشهدها الشرق الأوسط وكثير من الدول الأفريقية، إضافة إلى إصلاح مؤسسات الاتحاد ومواجهة البيروقراطية. غير أن الأهم على هذا الصعيد، يكمن في إعادة المنزلة لقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، التي تواجه تهديدًا من صعود اليمين الأوروبي المتطرف وخطابه الشعبوي، ومن حكومات أوروبية كبولندا وهنغاريا بوصفها نماذج لأنظمة استبدادية مُحدثة يدفعها إلى الاستبداد -في ما يبدو- حنين إلى ماضيها الشيوعي وتشجيع من موسكو، الأمر الذي يتطلّب من الدول الرئيسة في الاتحاد أن تكون حازمة مع هاتين الدولتين، وأن تربط التدفقات المالية الأوروبية إليهما باحترام حقوق الإنسان والديمقراطية.

لا شك في أن مسيرة الاتحاد أمام امتحان صعب، سواء بسبب مشكلاته الداخلية أو بسبب التوجهات الأميركية الجديدة وضغوطها، وبمقدار ما تستطيع دول الاتحاد، وقاطرتاه ألمانيا وفرنسا بوصفهما أساسًا، تجاوز هذه الصعوبات، يترسخ اليقين بأن الخيار الأوروبي بالاعتماد على الذات خيار جذاب وله حظوظ كبيرة من النجاح.

رابعًا: عصا ترامب في اجتماعي الأطلسي ومجموعة السبع

لم يُبدِ الساسة الأوروبيون ارتياحًا للرئيس الأميركي ترامب منذ انطلاق حملته الانتخابية وما تضمنته خطاباته الاستفزازية من نيات في الانقلاب على نهج أسلافه، وشعاره المستفز (أميركا أولًا)، وتحميل حلفاء أميركا تكلفة حمايتهم. فقد وصف رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، الفائز ترامب بـ «الصاعد السياسي المتوحش»، وقال «علينا أن نُبيّن للرئيس الأميركي الجديد ما هي أوروبا، وكيف تعمل؟»، أما فيدريكا موغريني، مسؤولة العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فقد توقّعت أن يكون التعاون مع ترامب أمرًا أشدّ صعوبة مما كان عليه مع الرئيس أوباما، وأضافت في تصريح لها للإذاعة الألمانية «إلا أنه من مصلحتنا المشتركة أن نعمل معًا».

في 28 أيار/ مايو 2017، حضر الرئيس الأميركي في بروكسل، مقرّ قيادة حلف الأطلسي، اجتماعه الأول مع وزراء دفاع الحلف، وفي اليوم الثاني شارك أيضًا في أول اجتماع له مع مجموعة الدول الصناعية السبع، ومنها أربع دول أوروبية، في مدينة تاور مينا في صقلية الإيطالية. في الاجتماعين كليهما جانَب ترامب اللباقة الدبلوماسية، وتكلم بلغة لم يعهدها حلفاء أميركا سابقًا. ففي اجتماع وزراء دفاع الحلف كرر مقولته الأثيرة حول الحماية مدفوعة التكاليف، وضرورة أن تسدّد الحكومات الأعضاء التزاماتها المالية، وتجنب -متعمدًا- الإشارة إلى المادة الخامسة من ميثاق الحلف حول تضامن الأعضاء في الدفاع عن أيّ عضو يتعرض إلى اعتداء، وهي المادة التي لم يتجاهلها رئيس أميركي سابق، وهذا ما أثار حفيظة الأوروبيين واستدعى ردّات فعل قوية من قيادات أوروبية بارزة في طليعتهم المستشارة الألمانية. في اجتماع مجموعة السبع، تعمد ترامب أيضًا أن يخيّب أمل حلفائه، على الرغم من استجدائهم له، ورفض التوقيع على وثيقتيّ باريس حول المناخ والهجرة، ذلك أنه يعدّ قضية المناخ برمّتها محض خدعة، وبذلك تتهرب أميركا من التزاماتها تجاه الأخطار التي يواجهها مستقبل البشرية نتيجة الارتفاع الحروري على الكوكب، وبعد يومين من عودته إلى واشنطن رفض التوقيع على الوثيقتين رفضًا رسميًا، وبذلك رفع الموضوع من التداول حتى مجيء رئيس آخر.

مصدر القلق الأوروبي لا ينبع من تصرفات ترامب ونهجه الجديد حيال علاقة أميركا بحلفائها فحسب، بل من إحساسهم بأن مؤسسات الدولة العميقة والكونغرس لا تعارض ترامب في هذا النهج، ولم يبدِ الجمهوريون سوى قليل من القلق تجاه تصرفاته، فقد صرح السيناتور بوب كوكر، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، في تعقيبه على جولة ترامب في الشرق الأوسط وأوروبا بقوله: «إنها كانت إعدامًا إلى حدّ الكمال». جانب آخر من القلق الأوروبي، يأتي من التناقض الذي ظهر في زيارة ترامب إلى الرياض وما أسفرت عنه من نتائج، فهو حين يهدد تهديدًا ضمنيًا بفكّ عرى التحالف مع الأوروبيين، يُنعش تحالفات تقليدية في منطقة الخليج كثيرًا ما شكا الخليجيون من برودتها، فهل هو المال الذي بذلته السعودية بسخاء في مجالي التسليح والاستثمار؟ أم أن هناك رسائل أميركية لم يُفصح عنها بعد؟ ثمة احتمالان لتفسير المواقف الأميركية تجاه الأوروبيين، يُرجّح في أولهما أن تزداد الضغوط الأميركية على الأوروبيين بغية إرغامهم على التنازل عن نفوذهم أو بعضه في الشرق الأوسط، الذي يتحضر لنوع من (يالطا) جديدة للخروج بالمنطقة من حالة الاضطراب الشديد الذي تعيشه، وثانيهما يتلخص بسعي أميركي لشدّ لحمة البيت الأطلسي واصطفاف أوروبي أكثر فاعلية خلف الاستراتيجيات الأميركية، وفي القلب منها حروب الهيمنة والنفوذ، التي لا يستبعد نشوبها في أكثر من منطقة من العالم في مواجهة القوى الصاعدة. والسؤال الذي يفرض نفسه في هذا السياق كيف ستواجه أوروبا النهج الأميركي الجديد؟ هل لديها القدرة والإرادة لتعاند، وتواجه، وتتحمل النتائج؟ أم أن الأوروبيين، بما يملكونه من خبرات وعلاقات عميقة في المنطقة -وهو الأمر الذي يفتقده الأميركيون- لن يعدموا الطرائق التي تمكنهم من امتصاص الاندفاعة الأميركية والتوصل معها إلى تفاهمات جديدة، يحفظون بها بعضًا من مصالحهم الحيوية ونفوذهم؟

خامسًا: الخلافات الأوروبية- الأميركية وانعكاساتها في ثورات الربيع العربي

لعله كان من سوء حظ ثورات الربيع العربي، التي انطلقت من تونس في عام 2010، أنها تزامنت مع تنامي الخلافات بين ضفتيّ الأطلسي، وربما أن جزءًا كبيرًا من هذه الخلافات يعود إلى الزلزال الذي فجّرته هذه الثورات في المنطقة، وخضَّها عميقًا بعد استقرارٍ للمصالح والنفوذ الغربيين قرنًا كاملًا. فليس خافيًا على أحد أن سايكس- بيكو ضَمِن المصالح الأوروبية في الشرق الأوسط بوصفه منطقة نفوذ أوروبي خالص، ولم تعدّل (يالطا) التي قسّمت النفوذ بين المنتصرين في الحرب الثانية كثيرًا في خريطته، سوى أن السعودية انتقلت منذ عام 1945 من النفوذ البريطاني إلى الأميركي، إلا أن الولايات المتحدة الصاعدة في مستوى العالم وقائدة التحالف الغربي في الحرب الباردة مع المعسكر الشرقي، بدأت كما هو معروف تزحف بنفوذها نحو الشرق الأوسط للحلول مكان النفوذ الأوروبي مع أفول زمن الإمبراطوريات الأوروبية، ظهر هذا جليًا إبّان العدوان الثلاثي، الفرنسي- البريطاني- الإسرائيلي، على مصر عام 1956 الذي أوقفه الإنذار الأميركي الشهير.

طوال العقود اللاحقة، لم تحرز الولايات المتحدة تقدمًا يذكر على هذا الصعيد، فهي بعكس الأوروبيين، غريبة عن المنطقة، وليس لها مرتكزات في الواقع العربي، وأدى الانحياز الأميركي الكامل لإسرائيل دورًا في كبح التوجه الأميركي، وأضعف تأثيره؛ كذلك  لم تعزز حربا العراق1991 و2003 النفوذ الأميركي، خصوصًا مع ما رافق الغزو الأميركي من فشل نظرية الفوضى الخلاقة، بدعة المحافظين الجدد، التي أكدت مرة أخرى سطحية التجربة الأميركية في المنطقة، إذ جيّرت مكاسبها من حيث تدري، أو بحكم الوقائع، لمصلحة إيران، ذلك أن القوة لوحدها ليست كافية لخلق نفوذ قابل للرسوخ.

كان الأوروبيون والأميركيون يُدركون تداعيات ما بعد الحرب الباردة، وأن الثورات البرتقالية التي اجتاحت أوروبا الشرقية، لا بد أن تنتقل إلى الشرق الأوسط، لكنهم لم يتوقعوا أن تحدث بهذه السرعة، ولا بهذا الانتشار، وظهر الارتباك جليًا في المواقف الغربية، بخاصة تجاه الثورة المصرية، واحتاجوا إلى بعض الوقت لإعادة ترتيب مواقفهم وسياساتهم تجاه التغيير الذي يجتاح المنطقة.

ثورات الربيع العربي التي خرجت من أجل الحرية والكرامة في مواجهة أنظمة مستبدة وفاسدة، لم يخطر لها أن الغرب سيواجهها بهذه السلبية، ولا أن يردّ السفير الأميركي روبرت فورد الورود التي لاقاه بها مئات ألوف المتظاهرين السلميين في حماة. وبدا أن جوهر مواقف الغرب تجاه هذه الثورات العفوية، يقوم على عرقلتها وتحجيم طموحاتها وتأخيرها، حتى يمكن التحكم فيها وخلق البدائل التي تخدم مصالحه. فقد شجعت الحكومات الغربية ودعمت من طرف خفي قوى الثورة المضادة، وشتتت قوى الثورة من خلال تعدّد مصادر الدعم وتقنينه، وتعامت عن جرائم حرب ارتكبتها الأنظمة بحق شعوبها من قتل وتدمير وتهجير.

في مستوى آخر، فإن الصراع على النفوذ الدائر بين الحلفاء الغربيين، أحدث ظاهريًا فراغ قوة في المنطقة، سمح لإيران ومشروعها التوسعي بزيادة تدخلها العلني والدامي في شؤون المنطقة بوساطة عشرات الميليشيات التي تدعمها وتوجهها بأوامر الحرس الثوري الإيراني، ولاحقًا جرّبت روسيا حظها بالتدخل في سورية، ومارست من العنف والتدمير ما لا تسوّغه مصالحها المدّعاة في هذا البلد.

واقعيًا أحرزت الثورات المضادة، بفعل التواطؤ الغربي ورسوخ قوى الاستبداد والضعف البنيويّ في الواقع العربي بعض النجاح؛ ففي مصر تحقق الانقلاب على الثورة وأهدافها، وعمّت الفوضى المسلحة في ليبيا، واحتدمت الحرب في اليمن، وتفاقمت مأساة السوريين، غير أن مخاضات الثورات ما زالت مستمرة، وساحاتها مُلتهبة، ولا يمكن أن تعود أوضاع المنطقة إلى ما كانت عليه، ولربما أن الغرب يُدرك عمق الأثر الذي أحدثته هذه الثورات في واقع المنطقة وتداعياتها في العالم، وهو يتحمل المسؤولية الأخلاقية والسياسية تجاه ما عانته المنطقة سابقًا ولاحقًا، والسؤال المطروح دائمًا أمام قوى الثورة السورية في ظلّ كثافة التدخل الخارجي، كيف تستفيد قوى الثورة من تناقضات الدول الفاعلة وصراعاتها في صراعهم؟ وهل واقع الثورة يؤهلها لأداء هذا الدور؟

لا شكّ في أن الغرب قوة مُقررة في المنطقة والعالم، ويمكن أن يؤدي دورًا في إعادة الاستقرار، وليس من مصلحة أي ثورة أن تخوض صراعات كثيرة في الوقت نفسه في أكثر من جبهة، داخلية وخارجية، وبات لزامًا على قوى الثورة أن تراجع تجربتها وأداءها الذي لم يكن في مستوى الحدث، وإلا فإنها لن تستطيع أن تؤدي الدور المفيد وتتعرف إلى هوامش الحركة في السياسات الدولية. وبكل أسف فإن التجربة الماضية على الرغم من ضخامة التضحيات لم تكن مُشجعة.

من الواضح أن الوضع السوري أضحى عبئًا ثقيلًا على العالم، وهذا يدفع المجتمع الدولي إلى التحرك للبحث عن حلول له، وتوجهات الإدارة الأميركية الجديدة، التي يزداد حضورها العسكري المباشر في سورية يومًا بعد يوم، إذا استطاعت أن تُخرج إيران من المعادلة السورية، أو تحدّ من نفوذها، فإن ذلك يصبّ في مصلحة الثورة، ثم إن المواقف الفرنسية سابقًا -وربما بعد فوز ماكرون- هي الأقرب إلى تطلّعات السوريين وتفهّمها، على الرغم من تصريحات الرئيس الفرنسي الجديد التي تُشير إلى مدى ضعف المعارضة السورية وعجزها عن أن تكون بديلًا شرعيًا من النظام. لكن، مع هذا وذاك، فإن الشعب السوري، وبعد أن تصمت المدافع، لا بدّ أنه سيكون على موعد مع ثورة أخرى يتابع بها أهداف ثورته ويلملم أطرافه الممزقة.

سادسًا: خاتمة

على العموم، تنطوي التحالفات بين الدول على قدر كبير من الثبات والاستمرارية، لأنها تقوم على تعاقدات ومواثيق، ويترتّب على أطرافها التزامات وتكاليف وضبطًا للاستراتيجيات وللعلاقات مع الآخرين، وتنجم عنها مصالح وحاجات مشتركة، ولا يوجد هناك من يُراهن على انفراط عقد الأطلسي بهذه السهولة، فالتحالف بين ضفتيّ الأطلسي راسخ، والترابط الأمني بينهما وثيق، ويُمثّل واحدة من الثوابت على خرائط القوة والصراع في عالم اليوم. قد تمر العلاقة بأوقات صعبة وتترك ندوبًا. هذا وارد. لكن السير في الاتجاه الآخر لم تنضج شروطه ودوافعه، وربما أن المثال التركي يُعطي دليلًا في هذا المقام، فالعلاقة مضطربة بين تركيا وشركائها الغربيين في الحلف منذ أربع سنوات، ومع ذلك ما زالت العلاقة مستمرة، ولم يُبدِ أي من طرفيها الجديّة في إنهائها. وقد سبق للرئيس الفرنسي، شارل ديغول، أن خرج بفرنسا من الجناح العسكري للحلف عام 1955، كي تتمكن من بناء ترسانتها النووية الخاصة بها، لكنها عادت بعد أكثر من عقدين.




المصدر