القاتل يمد لسانه
3 تموز (يوليو - جويلية)، 2017
باسل العودات
لا حاجة إلى تحقيقات أو رفع بصمات، ولا حاجة إلى أدلّة وشهود عيان، ولا حتى إلى التفكير بمن قام بتفجير مفخخات في العاصمة دمشق، مطلعَ هذا الشهر؛ فالفاعل واقف وسط مسرح الجريمة، ويعرف أن الجميع يعرف أنه الفاعل، لكنه لا يهتم، ويمد لسانه للآخرين.
السيارات المتفجرة، والعبوات الناسفة، والمفخخات، هي لعبةُ النظام السوري المفضّلة التي يبرع فيها، ويُعطي دروسًا لإرهابيي العالم فيها، وهو يعرف كيف يصنعها ويمررها ويهربها ويدسّها، ثم يُفجّرها، ليتمسكن ويشحذ عليها، ويلقي التهم على معارضيه وعلى التنظيمات الإرهابية الوهمية التي يبتدعها زبانيته.
برع النظام بهذا النوع من القتل العشوائي، كما برع ببراميله المتفجرة العشوائية التي لا تُميّز مدنيًا من عسكري، وكما برع بصواريخه الحمقاء وغزاوت طائراته الوحشية التي حصدت أرواحَ مئات الألوف من البشر، لا ذنب لهم سوى أنهم يعيشون تحت حكم وسلطة نظام قاتل.
هذا ليس أول الغيث، ولا آخره، وسيرى السوريون الكثير من هذا المطر المسموم، وسيستخدم النظام وسيلة القتل هذه مرارًا وتكرارًا في المستقبل، القريب منه والبعيد؛ ليردع الموالين المتضررين منه، وليخيف الرماديين، وليتهم المعارضين المناوئين له، ويلصق تهمة الإرهاب بهم، وليستعطف المجتمع الدولي، ويقول للعالم إن الإرهاب يضربه كما ضرب بريطانيا وفرنسا وغيرها من دول الأرض.
لا يهتم النظام بمن ستقتل هذه المفخخات، فالجميع عنده بلا قيمة، ولا ثمن، يغدر بالقريب قبل الغريب، يستسهل كل شيء مقابل خططه الشريرة دائمًا، والقذرة دائمًا. ولائحة الاتهامات جاهزة، قائمة طويلة تُرتَّب فيها الأولويات وفق الطلب والحاجة والضرورة.
برع النظام السوري بالقتل العشوائي بكل أنواعه، فسحق الأبرياء فرادى وجماعات، بالبراميل والكيماوي والصواريخ، ولم يستثنِ أنصارَه وأتباعه ومؤيديه حين اقتضت الحاجة، وباعهم بأرخص الأثمان، في حمص وطرطوس ودمشق والحسكة، وفجّر مفخخاتِه في مناطق لا يصلها طير، ولا يعبر حواجزها بطلٌ همام، وأطاح بالعشرات والمئات من أنصاره ليوصل رسالة ما، لجهة ما، في وقت ما، غير عابئ بمن يموت، قريبًا كان أو بعيدًا.
نظام قتلٍ، تسبب بمقتل مليون من السوريين، من كل الأطراف، واستخدم أسوأ أنواع الأسلحة وأكثرها فتكًا، العمياء التي لا تُميّز، ودمّر دولة، وحطّم آمال الملايين، وداس كرامةَ الملايين، وفقدَ بصيرته، نظام كهذا يمكن توقع كل شيء منه.
إذًا، لا حاجة إلى تحقيقات، ولا إلى رفع بصمات، ولا إلى أدلة وشهود عيان؛ فالقاتل معروف، ويمدّ لسانه للسوريين كلّهم، موالين ومعارضين، مسلمين ومسيحيين، علويين وسنّة وإسماعيليين، آشوريين وأرمن وشركس، وسيريهم العجب العجاب، الآن وفي كل وقت في المستقبل الآتي، ومرة ثانية، وثالثة: آخر العلاج الكي، وقطع رأس الأفعى هو الحلّ قُبيل الطوفان.
[sociallocker] [/sociallocker]