سميرة مبيض يكتب: هل يُكسر الحاجز الأقلوي من جهة واحدة فقط؟


سميرة مبيض

يُعدّ الانتماء الأقلوي اليوم هو العائق الأكبر في مسارنا نحو المواطنة وبناء الهوية السورية الجامعة، وكسر هذا الحاجز سيكون خطوة عظيمة، تتضاءل بعدها كل الصعوبات للوصول إلى دولة القانون والمساواة والديمقراطية بين أبناء سورية، لكن هل يُكسر الحاجز الأقلوي من جهة واحدة فقط؟ وهو حاجز لم يسمح النظام بكسره طوال فترة حكمه، بل على العكس، فقد عززه ورفع جدرانه واستخدمه استخدامًا يوميًا ومتواصلًا لتثبيت سلطته، وألبس كلّ مكون سوري دورًا يناسب استمراريته، بحيث يكون الجميع في المرتبات الأدنى من فئته الحاكمة، وهي الفئة التي تضم كلّ مَن كان انتماؤه الأول لمنظومة الأسد، وكلّ من دعم استمرار تسلطه وحكمه إلى الأبد.

يبدو أن تقليد استخدام (الأقليات) من مكونات الشعب السوري -بوصفه أداةً لتقسيم المجتمع وتسوّدِ فئةٍ على الأخريات- قد تأصّل ضمن مجموعة الأمراض الأسدية التي نعيد تدويرها عن جهل أو عن قصد، فهذا الحاجز لم يُكسَر في زمن الثورة أيضًا، إذ إننا شهدنا، منذ سبع سنوات إلى اليوم، محاولاتِ هيمنة على قرار هذه الفئات لتوظيفها في مشاريع غير وطنية، تعيد إنتاج الآلية الخبيثة نفسها التي اعتمدها النظام بالتفرقة والفتنة.

يبدأ الخلل من هنا، من أن النظام اعتمد طويلًا على ادعاءات حماية المكونات السورية ذات الأقلية العددية؛ ليكتسب شرعية أمام المجتمع الدولي، وسارت قوى المعارضة في هذا النهج المنحرف أساسًا؛ فبتنا نرى تصورات لا تقل سوءًا، منها دور الأغلبية الحاضن والحامي للمكونات الأخرى من مكونات عرقية ومذهبية. أو إنها سارت بشكل مواز لذلك النهج، في مناطق أخرى، حيث نرى فرض دور الأكراد كحاضن للمكونات الأخرى. بمعنى آخر، هناك تقمص جديد لدور حامي الأقليات كبديل عن الأسد، ولعل ما عُرف بوثيقة “مؤتمر الأقليات” التي نُشرت بتاريخ 29 حزيران/ يونيو 2017، ومن قبلها “مؤتمر فيينا” التشاوري حول دستور سورية في شهر نيسان/ أبريل 2016، من أهم المؤشرات على هذا التوجه.

كانت هذه التوجهات تعكس الواقع بين من يريد استخدام هذه الورقة التي دعمت النظام طويلًا، وبين من استغلّ هذا الحدث للطعن بالسوريين من غير طائفته، واحتكار الوطنية واتهام الآخرين بأنهم كانوا يعيشون برغد في فترة حكم الأسد، وغض النظر عن كل ما اقتُرف بحقهم من انتهاكات واعتقالات وظلم في تلك الفترة، وهو توجه يساهم في تعزيز الحاجز الأقلوي.

في كلا الحالين جاء الجواب سريعًا، فقد أسقط أبناءُ المكونات السورية أنفسُهم ما عُرف بـ “وثيقة الأقليات” قاطعين الطريق بوجه من أراد استغلالهم لتمرير مشاريعه، وكذلك بوجه من استغل هذا الفعل ليبث التحريض الطائفي، ويتهمهم بالعمالة واللاوطنية.

سبع سنوات إذًا، والثورة لم تبدأ بهدم الجدار الشائك الأقلوي بعدُ، هدمًا صريحًا، عبر حوار واقعي صريح، يتناول فيه السوريون المخاوف والتجاوزات، بل على العكس؛ فقد قُسمت الأقليات المذهبية إلى أبعد من ذلك حاملةً المناطقية والقومية فوق صفة المذهبية؛ مما زادها تقسمًا في محاولة الهيمنة على صوتها.

لنبحث إذًا لماذا تُجَر (الأقليات) السورية للمؤتمرات المنعزلة، وما الذي يعمق الهوة بين السوريين ويعبث بمصايرنا جميعًا، والأهم أين المخرج الأمثل الذي يحافظ على سورية من الاندثار في خِضم كل ذلك؟

لنبحث عن آفاق المستقبل، فقد بات واضحًا أن أحدًا لن يرضى بالمرتبة الثانية في وطنه، وهو أمر يبدو للعقلاء بديهيًا، فمن أهم عوامل نهوض الثورة، رفضُ التقسيم الذي فرضه النظام على السوريين طويلًا.

طريق الهيمنة والاستغلال لم يعد ناجعًا بعد اليوم، كذلك طريق التمايز والفوقية، والمسار الوحيد هو طريق المواطنة، فلنسرع خطانا نحوه، إذ لا يمكن أن نُعلن أن الثورة انتصرت إلا عندما يُدرك الجميع أنهم مواطنون سوريون على درجة واحدة، أمام القانون والواجبات والحقوق، وهو ما يجب أن نعمل عليه اليوم، وكفانا تشتتًا وتخبّطًا ومراوغة، فهي متاهات لها مداخل وليس لها مخارج إلا الحروب الأهلية والدمار.

المصدر: جيرون

سميرة مبيض يكتب: هل يُكسر الحاجز الأقلوي من جهة واحدة فقط؟




المصدر