«آستانة» و«ممانعة» ..الذلّ والمهانة


المستقبل

بموازاة الحرب التدميرية المُمنهجة التي يخوضها النظام السوري و»حزب الله» في مواجهة الشعب في سوريا، وعلى نقيض المذابح اليومية التي يرتكبها هذا الحلف برّاً وبحراً وجوّاً، بالتزامن مع عمليات الإبادة الجماعية بحق الأطفال والنساء والشيوخ على شاكلة مجزرة «خان شيخون» والكثير غيرها، ثمة لفحة سياسية تلوح في الأُفق اسمها مباحثات «آستانة»، يُمكن أن يُستشف أو يُستدل منها، أن جهوداً تُبذل لتغيير الواقع الإجرامي الحالي في سوريا، واستبداله بهدنة طويلة الأمد، تكون مقدمة لحلول سياسية سوف ينتج عنها بكل تأكيد، خاسر ورابح.
بعد عقد جولات أربع في العاصمة الكازاخية «آستانة»، تم التوصل منذ فترة إلى إقامة «مناطق خفض التوتر» وهو أمر يُعدّ إنجازاً نوعياً تُحققه المفاوضات القائمة بين النظام والفصائل المُعارضة، مع الإشارة إلى أن روسيا هي التي تُقرر أو ترسم طريق سير هذه المفاوضات في ما يتعلق بمطالب النظام على الرغم من ان كلاً من تركيا وإيران، تُعتبران ضمن مجموعة العمل للدول الضامنة لوقف إطلاق النار في سوريا، من دون إستبعاد إمكانية اللجوء إلى ترسيم حدود العديد من المناطق في وقت لاحق، ضمن خطة تقوم على نشر قوات مراقبة فيها، من دون حسم مسألة جنسيات هذه القوات حتى اليوم.
أمس، عقدت مجموعة العمل للدول الضامنة لوقف إطلاق النار في سوريا، اجتماعاً تحضيريّاً في «آستانة»، قبيل موعد الجولة الخامسة من المفاوضات، والتي تستمر حتى غد الأربعاء. وقد لفتت الخارجية الكازاخية إلى أن مباحثات «آستانة 5»، ستبحث تطبيق بنود اتفاق «مناطق خفض التوتر» في سوريا، فيما تخطط الدول الضامنة للتصويت من أجل المصادقة على إطلاق سراح المعتقلين، وتسليم الجثث إلى ذويها، والبحث عن المفقودين». ومن هنا، يُمكن الدخول إلى المكاسب والخسائر التي سوف يُحققها حلف «الممانعة» وتحديداً النظام الإيراني و»حزب الله» اللذان يسعيان ويجهدان للوصول إلى حلول أو إتفاقات جديّة، يُمكن أن تُفرج عن العديد من الأسرى وجثث عناصر كانوا قد قضوا منذ فترة تزيد عن عام على يد الفصائل المُسلحة، وهذا الامر في حال حصوله، سوف تعتبره إيران والحزب، بمثابة إنتصار خصوصاً في ظل مطالبة العديد من الأهالي لدى الطرفين، بالكشف عن مصير أبنائهم، سواء أكانوا أحياء أو أموات.
في مفاوضات «آستانة»، يظهر الإيراني بشكل ضعيف لا يرتقي إلى الأهمية التي يتمتع بها كل من الروسي والتركي، وهو بالكاد يمون على نفسه بدرجة أولى، وعلى «حزب الله» بدرجة ثانية، وهذا ما ظهر جليّاً بعد إنتهاء معركة حلب حيث تم استبعاد «الحرس الثوري الإيراني» والحزب من الواجهة بعد أن فرض الروسي سيطرته عليها بشكل كامل وأخرجهما من «المولد من دون حُمّص». وحينها قرّرت إيران أن تستعيد دورها، وتنفض عنها غبار الذل والمهانة، وكانت وجهتها دمشق مُجدداً وهذه المرّة من «وادي بردى» التي حاول فيها الحزب، إستعادة بعض من هيبته التي فقدها في حلب، فلجأ إلى إفتعال أزمة مع الروسي من خلال منعه ضبّاطاً وعناصر روساً من دخول وادي بردى، كانوا يسعون مع وفد من الأهالي، إلى إقامة إتفاقية بهدف تجنيب البلدة معركة عسكرية.
يبدو أن الدور أو الوجود الإيراني و«حزب الله» في سوريا اليوم، بات محصوراً إلى حد ما، في دمشق وبعض مناطق القتال في درعا، وهذا أمر سبق أن أكده المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، منذ أيّام من خلال إعلانه أن هناك آلية عمل، تقضي بوجود قوات بين مناطق سيطرة النظام والمعارضة في سوريا، كوجود قوات روسية وتركية في منطقة إدلب، وروسية وإيرانية في محيط دمشق، وأردنية وأميركية في جنوب درعا. وضمن هذا الإطار الذي وضع «حزب الله» نفسه فيه أي دمشق، تتوقع شخصيّات مراقبة للميدان «الدمشقي»، أن الأخير سيتحوّل تدريجيّاً لغير صالح الحزب مما سيضعفه حتى داخل طائفته، كما سيُحمّله ارث الكثير من الدماء التي سقطت في سوريا وفي لبنان، وسيكون لهذا التغيير بالغ الاثر على وجود الحزب فضلا عن السياسة الإيرانية التي يتبعها أو ينجر وراءها في الوقت الحاضر.
تمكّن «حزب الله» اليوم، من تكريس نفسه كقوّة مؤثرة في الحرب السورية، لكن قبل أن يكون على هذا الشكل، فهو كرس نفسه كمحتل لمدن ومناطق سورية، سبق لها أن استضافت بيئة الحزب وعوائل قادته وعناصره في زمن المحن الصعبة التي مرّت على لبنان لا سيما عدوان تموز 2006. أمّا أن يُبرّر الحزب دخوله في الحرب السوريّة بأنه كان لحماية لبنان واللبنانيين من «التكفيريين»، فتشير المصادر نفسها إلى أن الحزب شارك في الفتنة السورية منذ بدايتها، أي قبل ولادة التيارات المتشددة بسنوات، والجميع يعلم، أنه في حينها كان يبرر مشاركته في القتال بانها لحماية بعض القرى الشيعية أو الاضرحة، ثم بعد ذلك لحماية نظام «الممانعة»، وبعد أن فقدت هذه التبريرات تأثيرها، حمل راية مواجهة «الارهاب التكفيري».
«الراسخون» في علم «حزب الله» و»دهاليزه» السياسية والعسكرية، يؤكدون أن قيادة الحزب، أصبحت تستشعر بدايات تململ وربما أكثر من ذلك لدى جمهورها الذي بدأ بالفعل يتساءل عن جدوى سياسة هذه الحرب وعن ضريبة الدم التي تطال أبناءه في حرب تحوّلت مع الأيام، من الدفاع عن القرى الحدودية، إلى «نصرة» المقامات المُقدسة، إلى تثبيت أرجل حكم بشّار الأسد، ثم إلى تكريس واقع عنوانه احتلال مُدن وقرى، أي المصلحة الشخصية. وهؤلاء أصبحوا على قناعة اليوم، بأن الحزب انخرط في مقلب آخر غير الذي ادّعاه لنفسه على أن مقاومته تُعنى في الأصل بالنضال والقتال من أجل الحريّة، فبرأيهم أن أهمّ ما في المقاومات ليس سلاحها ولا عديدها ولا ترسانتها الصاروخيّة، إنما عدالة قضيّتها وتفوّقها الأخلاقي. وبمجرد الدفاع عن شخص يُمارس مهنة قتل ورثها عن والده، فهذا خير دليل على فقدان معنى المقاومة وتحوّلها إلى «فيلق» تابع، هدفه حماية مصالح الإيراني وتوسيع نفوذه وسيطرته في المنطقة.

(*) كاتب لبناني




المصدر