الهزيمة والدولة، حزيران 67 ودولة حافظ الأسد

*****

نصف قرن انقضى على هزيمة حزيران، وقعت سورية خلال معظمه تحت حكم السلالة التي بناها وزير دفاع حرب حزيران 1967، حافظ الأسد. تكفي هذه الواقعة للقول إننا نعيش أوضاعاً سياسية تدين برابطة البنوة لهزيمة حزيران، وأن نصف قرن انقضى من إعادة انتاج الهزيمة وتعميمها بسبب تلك الرابطة. هذا ما تريد هذه المقالة قوله.

حزيران 1967 موضوع لمفارقة دالّة في السياق السوري: حرب حزيران غير مدروسة على الإطلاق في بعديها المباشرين، العسكري والسياسي، لكن هزيمة حزيران كانت حدثاً نفسياً وثقافياً مزلزلاً، فضلاً عن كونه مؤسساً للأوضاع السياسية التي نعيشها منذ نصف قرن كامل. كتب مثقفان سوريان مرموقان كتابين مُهمّين يحيلان إلى الهزيمة، النقد الذاتي بعد الهزيمة لصادق جلال العظم، والهزيمة والإيديولوجية المهزومة لياسين الحافظ، وترك الرجلان والكتابان آثاراً كبيرة على جيل من المثقفين السوريين واللبنانيين، حتى ليمكن اعتبار ياسين الحافظ بينهما بطل هزيمة حزيران، لشدة حضورها في تفكيره خلال عقد أو أزيد قليلاً، فصل بينها وبين وفاته عام 1978.

كانت هناك حاجة ملحة لـ «النقد الذاتي»، عبّرَ عنها العظم مبكراً بعد الهزيمة، لكن الحافظ هو الذي لبّاها بصورة نسقية عبر مركزية الهزيمة والردّ عليها في تفكيره السياسي، وعبر التنظيم السياسي الذي قاده وكان من مؤسسيه، حزب العمال الثوري العربي، وعبر تأثيره اللبناني وقت كانت بيروت المركز الثقافي والإعلامي للعالم العربي.

ياسين الحافظ

ياسين الحافظ

عبر اللاعقلانية في السياسة العربية والتجربة التاريخية الفيتنامية والهزيمة والإيديولوجية المهزومة، الحافظ هو من جعل هزيمة حزيران مركزيةً في تفكير من لم تكن جزءً من ذاكرتهم وخبرتهم الشخصية مثل كاتب هذه السطور. وهو بهذا المعنى بطل الهزيمة أو صانعها. يصنع الكُتّابُ واقعاً بكتاباتهم قد لا يطابق كثيراً الواقع الذي يعيشه المعاصرون، لكن عبْرهم «يعيشه» من لم يعاصروا ذلك الواقع مباشرة.

لكن ماذا عن حزب حزيران؟ هُزمنا في حرب، أليس كذلك؟ ليس تماماً. الحرب لم تكد تقع. كانت الهزيمة كبيرة والحرب صغيرة، أو لأنها صغيرة.

لكن ليس لهذا فقط، هناك كثيرٌ من الكلام على هزيمة حزيران في الإطار الثقافي السوري، والقليل جداً من الكلام على حرب حزيران. نشأت بعد الهزيمة شروط سياسية ما كانت ممكنة لولاها، هي التي حالت دون النظر في الهزيمة مباشرة، وتناول سلسلة الوقائع التي أفضت إلى احتلال أرض سورية لا تزال محتلة، وإلى تشرد معظم سكانها (لا يزالون). تتلخص هذه الشروط في جملة واحدة: وزير دفاع الهزيمة صار الحاكم المرهوب للبلد.

لم يكتب العظم ولا الحافظ، ولا غيرهما من المثقفين والصحفيين السوريين، عن الحرب، ولا يبدو أنهما اعتنيا في أي وقت بتقصي مقدمات المواجهة العسكرية ووقائعها وأفعال الفاعلين خلالها، والخيارات السياسية اللاحقة لها. لم يكتبا أيضاً عن الشروط التي حالت دون أن يتناولا الحرب. قالا أشياء عما يفترض أنها بنى اجتماعية وثقافية أسست للهزيمة، أو تجددت بفعلها، وأمثلتهما تحيل على مصر أساساً وبصورة شبه حصرية. يمكن لهذا أن يكون مُفيداً، لكن البداهة كانت تقضي بأن نعرف ماذا جرى، أن نحيط بأكبر قدر من المعطيات الموثوقة وتفاصيل وقائع الأيام الستة على جبهة القتال، وكيف حاربنا أو لم نحارب، ولماذا فعلنا كذا أو لم نفعل، وطُرُق تصرّف القيادات السياسية والعسكرية، وتفاعل السكان مع الحدث، وتغطية الإعلام له…، هذا كي نستطيع أن نمارس «النقد الذاتي»، ونبني تصوراً أكثر تماسكاُ لـ «الإيديولوجية المهزومة». لم يجرِ ذلك، ولا يبدو أنه جرى جدياً التفكير في ضرورته أو في أسباب الامتناع عنه.

سياسياً، لم يتحمل أحد مسؤولية الكارثة، ولم يُحاسَب أحد. ولم تروَ الحقيقة، ولم يصدر تقرير حكومي واحد يتضمن رواية مفصلة لما جرى. دون محاسبة سياسية، ودون نظر في الحدث وتفاصيله، ومع تثبّتٍ نفسيٍ كبير على «الهزيمة» عند المثقفين الذي «خلّدو»ـها، تحولت هزيمة حزيران من كارثة وطنية يتحمل مسؤوليتها أفراد أو مجموعات وأجهزة محددة، إلى عارٍ جمعيٍ يطال كل واحد من المعاصرين، ومن واقعة سياسية-عسكرية إلى شرطٍ ثقافي، ومن حدثٍ تاريخي إلى خطيئة أصلية، ومن نصاب العالم والوجود في العالم إلى نصاب الميتافيزيقا.

صادق جلال العظم

صادق جلال العظم

لم يكن الحال كذلك في مصر، شريكتنا الأكبر في الهزيمة. هناك كتابات مصرية كثيرة عن الهزيمة، تؤرخ لوقائعها العسكرية والسياسية، وتستند إلى شهادات مشاركين في مسلسل الأحداث الذي أفضى إليها، وتستفيد من وثائق أميركية وإسرائيلية وغيرها. وقائع الحرب معروفة بقدرٍ معقول، وقائع السياسة معروفة بقدر جيد. وجرى ضربٌ من المحاسبة، وإن يكون محدوداً، وكان أقربَ إلى تقديم كبش فداء. وزير دفاع حزيران المصري، عبد الحكيم عامر، انتحَر أو انتُحِر، لم يستولِ على السلطة في انقلاب أو يستلمها بوفاة جمال عبد الناصر قبل شهرين من انقلاب وزير دفاع حزيران السوري.

طُرح الرد على الهزيمة في صيغة عسكرية ضيقة في مصر، ولم يُطرح في أي صيغة في سورية. وحين طرحه مثقفون لا تأثير لهم على سير الأوضاع في البلد، جرى ذلك في صيغ اجتماعية ثقافية فضفاضة. كان يلزم شيءٌ أوضح وأكثر مباشرة وجذرية في آن: تغيير النظام السياسي الذي تسبب بخسارة حربية مذلّة. كانت الهياكل السياسية في «الجمهورية» العربية السورية وفي «الجمهورية» العربية المتحدة تُضيّقُ امتلاك السياسة من قبل الجمهور الذي تحكم باسمه، وتسوّغ التضييق بالمواجهة مع إسرائيل. الفشل في المواجهة يلغي العقد الضمني بينها وبين المحكومين، ويوجب إعادة السلطة إليهم. كان من شأن التغير السياسي أن يكون التزاماً بما تقتضيه هوية الدولتين كجمهوريتين، وأن يكون كذلك تعبيراً عن المسؤولية السياسية والأخلاقية التي لا تستقيم «العقلانية السياسية» التي نشدها ياسين الحافظ على غير أرضيتها.

لا يبدو أن وزير الدفاع شرح حتى لأقرانه في الحكم في حينه ماذا جرى وكيف جرى ما جرى، لا قبل نصف قرن ولا وقت انقلب على الأقران، ولا في أي وقت. وزير الصحة وقتها، عبد الرحمن الأكتع، تساءل عن سبب إعلان سقوط القنيطرة قبل احتلال الإسرائيليين لها، فرد عليه وزير الدفاع بغضب أن هذه أسرارٌ عسكرية! ويعطي مصير ضابط المخابرات السوري خليل مصطفى فكرة أوضح عن سياسة الحقيقة في دولة البعث. مصطفى ألّفَ كتاباً بعنوان سقوط الجولان، يتهم فيه وزير الدفاع بالمسؤولية عن الهزيمة، والتعجل في إقرار الهزيمة عبر إعلان مبكر عن سقوط القنيطرة (ويحتمل أن هذه الإعلان شجّعَ الإسرائيليين على الاحتلال). ويبدو أن الضابط قد اعتُقِل بسبب كتابه، وليس معلوماً أنه أُفرِجَ عنه في أي وقت (في التداول معلومات تقول إنه كان حيّاً في السجن في السنوات الأولى من عهد بشار).

الوزير حافظ الأسد تعزّزَ موقعه في الحكم بعد واقعة حزيران بدل أن يضعف، ولم يكن رفاقه البعثيون الحاكمون وقتها، «الشباطيون»، في موقع أقوى منه أخلاقياً وسياسياً، ولم يُظهِر أيٌ منهم استعداداً لتلقي اللوم العام. أمّا وأن دولة حزيران لم تفكر للحظة في محاسبة أي كان، ولم يكن هناك وجهٌ لمعاقبة وزير الدفاع وحده، فقد وفرت تلك الدولة عملياً غطاءً للرجل الأقوى فيها، وزير الدفاع نفسه، لن يتأخر في تعزيزه وتحصين نفسه.

بعد الهزيمة على الفور تقريباً شدّد حافظ قبضته على الجيش، وأخذ يعزله عن تأثير رفاقه البعثيين الذين كانوا أقوى منه في الحزب. وبعد قليل وثب على السلطة في انقلاب أبيض، وتخلص من رفاقه الذين جمعوا بين الضعف وقلة المبدئية.

لم يتغير النظام من أجل الردّ على الهزيمة، فصار النظام استمراراً للهزيمة. الاستمرارية محققة بين عهد حافظ الأسد وسلالته المستمرة إلى اليوم وبين حرب حزيران التي لم تقع، وهزيمة حزيران التي وقعت كثيراً.

حافظ الأسد برفقة شقيقه رفعت، قائد سرايا الدفاع، ويتوسطهما مصطفى طلاس، وزير الدفاع.

حافظ الأسد برفقة شقيقه رفعت، قائد سرايا الدفاع، ويتوسطهما مصطفى طلاس، وزير الدفاع.

كان مقر السلطة الحقيقية في «سورية الأسد» هو الجيش، أو بالأحرى «القوات المسلحة»، وليس حزب البعث. وهذا ليس لأن الحزب كان في أكثريته معارضاً لحافظ قبل انقلابه، ولكن لأن الحزب كان تابعاً طوال الوقت للسلطة التي قامت باسمه، ولم تكن له قوة ذاتية مهمة في ظلّها. يلزم أن يكون المرء موهوماً مثل ابراهيم ماخوس أو صلاح جديد حتى يظن أن لحزب البعث وزن سياسي مستقل. يَنسب خالد منصور في الحلقة الثامنة والأخيرة من سلسلة مقالات نشرها عن هزيمة حزيران أن ابراهيم ماخوس، وزير الخارجية السوري وقتها، قال إنه «لا يُهم لو سقطت دمشق أو حتى حلب، فهذه ليست سوى أراض يمكن استرجاعها وأبنية يمكن بناؤها، لكن حزب البعث، أمل الأمة العربية، إذا سقط، فلا يمكن استرجاعه». وعدا أن في ذلك ما يضع البعث والوطن في تعارض عميق، فإن فيه كثيراً من الوهم حول البعث. بعد ثلاث سنوات ونيف كان «أمل الأمة العربية» ينقلب أداة في يد وزير الدفاع ضد وزير الخارجية وأقرانه.

الأرض لم تُستَرجَع، والحزب لم يكن له وزنٌ له أمام الغائب الذي لم يقل عنه ماخوس شيئاً: الجيش المهزوم، لكن القادرُ بيسر على الانتصار على حزب البعث. وتُنسب إلى محسن ابراهيم طُرفةٌ تعطي فكرة عن مقر السلطة الفعلي في حينه. زار الرجل دمشق عام 1969 على رأس وفد يساري لبناني، مستطلعاً حقيقة ما كان يُتداول من معلومات عن صراع بين وزير الدفاع حافظ الأسد وقيادة حزب البعث. قابل الزائر صلاح جديد، الأمين القطري للحزب، الذي طمأنه بأن المنظمات الشعبية كلها معنا، واتحاد نقابات العمال معنا، واتحاد الفلاحين معنا، والاتحاد النسائي معنا، والاتحاد الوطني لطلبة سورية معنا، وطبعاً حزب البعث كله معنا، نحن القيادة الشرعية للحزب والدولة، وأنه ليس مع الرفيق حافظ إلا الجيش والقوى الجوية والمخابرات! يقال إن محسن ابراهيم التفت إلى من معه وقال: معه الجيش والقوى الجوية والمخابرات فقط؟ اهربووووووا!

الجيش المهزوم لم يُعَد تشكيله لأنه تحول إلى سند في الصراع على السلطة. الانتصار في هذه المعركة صار هو المهم، وهو ما كان متعذراً إن جرت مساءلة الجيش ومحاسبة قياداته. لكن على هذا النحو بالذات تحققت استمرارية مؤسسية ومعنوية بين هزيمة حزيران وبين استيلاء وزير الدفاع على السلطة بعد واحد وأربعين شهراً. ليس فقط أن أولوية الاستيلاء على السلطة اقتضت عدم دفع ثمن الهزيمة، بل جرى استخدام الجيش المهزوم في حرب وطنية عامة من أجل خوض حرب فئوية خاصة والانتصار فيها: الحرب من أجل السلطة.

مصطفى طلاس، ونياشينه

مصطفى طلاس، ونياشينه

أكثر: الحرب الخاصة التي كان وجوب كسبها قد اقتضى تحويل الجيش إلى إقطاعةٍ لوزير الدفاع بين حزيران 1967 وتشرين الثاني 1970، اقتضت هي نفسها خفض مرتبة الجيش والتوظيف في أجهزة أفضل تأهيلاً لمهمة كسب الحرب الخاصة: الأجهزة الأمنية التي تراقب السكان وتُطوِّعهم. تحولت الأجهزة الأمنية منذ وقت مبكر لتكون الركيزة السياسية للنظام الجديد، ومعها التشكيلات العسكرية ذات الوظيفة الأمنية التي تشكلت في عهد حافظ أو تضخمت كثيراً بدءً من تشكيلات سابقة لها، مثل سرايا الدفاع والوحدات الخاصة والحرس الجمهوري. الجيش العام تردى إلى مؤسسة مُترهِّلة قائمة على الإذلال وعلى الرشوة والفساد والتمييز الطائفي، وطبعاً على عبادة الرئيس. لكن الحاكم الجديد لا يتخلى عن أدوات نافعة، حزب البعث أو الجيش العام، فهي تفيد في حجب الملكية الخاصة للدولة.

فإذا كان انقطاع مؤتمرات حزب البعث خلال النصف الثاني من سنوات حكم حافظ الأسد الثلاثين (النظام الداخلي للحزب يقضي بعقد مؤتمره كل خمس سنوات) يعطي فكرة عن تداعي موقع الحزب في بنيان دولته، فإن أكثر ما يعطي فكرة عن موقع الجيش العام في سنوات حكم الأب وبعض سنوات الابن هو شخص وزير الدفاع مصطفى طلاس. خلال أكثر من ثلاثين عاماً كان هذا «الأبله السعيد» يؤلف كتباً عن الزهور وعن «الثوم والعمر المديد» وعن فن الطبخ، وعن «فطير صهيون»، وقصائد غزل في جينا لولو بريجيدا، ومختارات من أقوال حافظ الأسد، والكثير غيرها من الصنف نفسه. كان ارتضى لعب دور المهرج الذي اضطر النظام بالذات مرة أو مرتين للتعبير علناً عن احتقاره له إثر تصريحات سفيهة محرجة، بالقول إن السياسة الخارجية للنظام يعبر عنها الرئيس ووزير الخارجية وليس غيرهما. أُبقِيَ مصطفى طلاس رغم ذلك وزير دفاع في الدولة التي تعيش في تصورها لنفسها حرباً دائمة، ليس لأنه لا يُستغنى عنه، بل بالضبط لأنه واجهة يمكن أن يستغنى عنها في أي وقت.

وقصارى القول هو أن هناك علاقةَ تَولُّدٍ حتمية بين هزيمة حزيران ودولة حافظ الأسد في سورية منذ أن لم يساءل المسؤولون عن الهزيمة العامة، وصارت الدولة غنيمة في الحرب الخاصة، استأثر بها مهزومو الحرب العامة بالذات. بدل أن يُعاقَبَ وزير الدفاع فيُقال، وربما يسجن أو يعدم، كافأ نفسه بالاستيلاء على الدولة، وجعل منها جهازاً للعقاب العام، للسجن والتعذيب وإلإعدام، وإقالة عموم السوريين من السياسة. رجل «الأسرار العسكرية» جعلَ من الدولة المنظمةَ الأكثرَ سرية وفئوية وعنفاً في سورية، قبل أن يورثها بعد ثلاثين عاماً طويلة إلى ابنه.

مرتفعات الجولان التي احتُلَت قبل خمسين عاماً لا تزال محتلة، ويبدو المقيمون من سكانها محظوظين أكثر من إخوانهم في الوطن الأم، المحرر.

انتهت الذات التي انتقدها صادق جلال العظم، فلم تعد قومية عربية تتطلع إلى التحرر والتقدم والوحدة. والدولة السرية، الفئوية، العنيفة، الأبدية، صارت هي المشروع الوحيد. لم تعد لنا ذات ننتقدها. حلت محل الذات المتوجهة نحو المستقبل هويات كثيرة وجهها نحو الماضي. ليست هزيمة حزيرن التي وقعت قبل نصف قرن هي السبب. السبب هو أن الهزيمة العامة تحولت إلى دولة خاصة، وأن مشروع الدولة الخاصة المتجدد هو حرمان الجمهور من السياسة «إلى الأبد». هذه الدولة استمرار للهزيمة بوسائل غير إسرائيلية.

*****

لكن هل يبدو أننا نسينا حرب 1973؟ كان هناك حرب هذه المرة، لكن هزمنا عسكرياً. كان الانتصار العسكري على إسرائيل المكفولةِ الانتصارِ أميركياً يتجاوز طاقتنا في واقع الأمر. وكان ينبغي أن نستخلص من ذلك ما يلزم: تجنب الحرب مع إسرائيل، وخوض السياسة في بلداننا. واقعياً جرى التصرف في سورية، كما في مصر، بوصف حرب 1973 آخر الحروب، في إدراك واقعي للأوضاع الفعلية، لكن جرى خوض السياسة مع… إسرائيل. الجمهور لم يُفاتَح في أي وقت بحقيقة تعذر الحرب. وأُعطِيَ الانطباع، في سورية بخاصة، أننا بالأحرى لا نكفُّ عن التهيؤ للحرب. لم يكن ذلك صحيحاً. كان هروباً مستمراً من السياسة ومن المساءلة السياسية. وجرى تصوير حرب 1973 كنصر يمحو الهزيمة ويبرئ المهزومين، بل يجعل من حافظ الأسد تحديداً بطلاً منتصراً.

وزير دفاع الهزيمة الذي لم يُحاسَب عام 1967 صار فوق الحساب بعد 1973، والمحاسبَ العام ومالكَ الدولة بعد 1982 وقتل عشرات الألوف. السلالةُ تحمل الأمانة وتقتل مئات الألوف. من الهزيمة إلى الدولة إلى السلالة، الطريق مستقيم.

ياسين الحاج صالح

كاتب سياسي ومعتقل يساري سابق
Source link