جريمة عرسال “غير العسكرية”


“إرهابيون، انتحاريون، هجمات، عبوات ناسفة، سيارات مفخّخة، أحزمة ناسفة وأسلحة كيميائية”، هذه الجمل تكرّرت خلال الأيام الماضية على مسامع المشاهد العربي بشكلٍ عام واللبناني خصوصاً، في محاولةٍ من الإعلام اللبناني (مطلق تلك العبارات) لتغطية الهجوم الذي شنّه الجيش اللبناني صباح يوم السبت الفائت، على مخيمات اللاجئين في عرسال، والذي حمل اسم “عملية قضّ المضاجع”.

سلسلة تقاريرٍ وتحليلات ومداخلات وضيوف ودراسة أبعاد تناولتها وسائل الإعلام اللبنانية المرئية والمسموعة والمكتوبة وحتّى الفيسبوكية، لترويج فكرة النجاح الكبير الذي حقّقه الجيش ضد “قوى الشر” في عرسال، متناسية ومتجاهلة مئات المدنيين الذين تعرّضوا للمداهمة والاعتقال والإهانة، إضافةً إلى تدمير منازلهم وخيمهم بشكلٍ كامل.

الجيش “ضحية”!

في محاولة لتحليل خلاصة الدعاية التي حاولت وسائل الإعلام اللبنانية ترويجها حول هجوم عرسال، اطلعت “صدى الشام” على مجموعة تقارير إخبارية مكتوبة ومرئية وبرامج حوارية ومداخلات ظهرت على شاشات الإعلام اللبناني منذ الساعات الأولى للمداهمة وحتّى انطفاء “بريق” الحادثة إعلامياً، فقد حاولت معظم الوسائل تجاهل وجود المدنيين والطريقة غير الإنسانية التي عُوملوا بها، وتوجّهت نحو الحديث المباشر عن الإرهابيين والعبوات الناسفة والمفخّخات، محاولةً قدر المستطاع تقديم الجيش اللبناني صاحب المُبادرة في الهجوم وإذلال المدنيين على أنه “ضحية” في تلك المعادلة.

ففي تقريرٍ لقناة “إن بي إن” اللبنانية، افتتح الصحافي تقريره المصوّر حول الهجوم بالقول: “يشكّل الانتحاريون الذين فجّروا أنفسهم بعناصر الجيش اللبناني عائقاً أمام إتمام العملية الأمنية في مخيّمات عرسال”، مضيفاً حول تفاصيل الهجوم أن “الجيش اللبناني شنّ سلسلة عمليات توقيف للإرهابين وسيطر على أسلحة وعبوات ناسفة ومتفجّرات وأسلحة ثقيلة”.

تقريرٌ آخر متلفز عرضه تلفزيون “المستقبل” قال فيه المعد إن الجيش اللبناني نفّذ عملية استباقية ونجح في حماية اللبنانيين وحرمان الإرهابيين من ترويع الآمنين، وهي مصطلحات تُعيدنا بالذاكرة ما كان يستخدمه إعلام نظام الأسد لشن حرب إعلامية مضادة ضد المتظاهرين والثورة السورية بشكلٍ عام.

وذكر التقرير أن طيلة عرضه عمليات الانفجارات الانتحارية والهجوم على الجيش اللبناني ما أسفر عن سقوط جرحى في صفوفه، ليصل الأمر مع معد التقرير في نهاية المطاف للحديث عن وجود أسلحة كيميائية في مخيّمات النازحين والمناطق التي تم مداهمتها.

ويُعتبر هذا التقرير واحداً من التقارير القليلة، التي تناولت الحديث عن وضع اللاجئين السوريين والمدنيين الذين كانوا موجودين خلال عمليات المداهمة، والذين تعرّضوا لانتهاكات واسعة موثّقة بالفيديو، لكن هذا التناول لم يكن بالطريقة الإيجابية، وبحسب التقرير، فإن “الإرهابيين هم من روّعوا الآمنين وقتلوهم ونكّلوا بهم، وأن قوات الجيش اللبناني قبضت على337 شخصاً داخل المخيّمات، معظمهم كانوا على علاقة مع تنظيم داعش، وبعضهم مسؤولون في التنظيم”.

وعلى غرار هذا التقرير، فإن معظم مانشيتات وعناوين الصحف المكتوبة، كانت تحاكي الفكرة ذاتها ولم تخرج عن سياسة “الجريمة الإعلامية” التي ارتكبها الإعلام المرئي اللبناني، ففي اليوم الثاني من الهجوم على عرسال امتلأت الصحف بعناوين تلغي وجود المدنيين وتُظهر ما حدث في عرسال على أنه معركة في أحد ميادين القتال لا بمنطقة مأهولة بالنازحين.

وعنونت صحيفة “النهار” اللبنانية “عيون جنودنا … أغلى من تعليقاتكم وثرثراتكم!” حيث جاء هذا المانشيت ردّاً على الغضب ممّا فعله الجيش اللبناني بالنازحين.

وكانت هذه الصحيفة ذاتها قد نشرت مقالاً عنصرياً ضد اللاجئين السوريين في لبنان، قبل يومٍ واحدٍ فقط من الهجوم على عرسال قالت في عنوانه: “السوريون يتزايدون.. اللبنانيون يتناقصون”.

الأسوأ

من جهة أخرى فقد كانت التحليلات الإعلامية أشد وطأة مما فعله التناول الفعلي الخبري، فعلى إحدى الشاشات الأجنبية خرجت الكاتبة الصحافية اللبنانية ثريا عاصي المعروفة بقربها من ميليشيا “حزب الله” ونظام الأسد لتحلّل المداهمة في عرسال قائلةً: “إن بلدة عرسال مُحتلّة من اللاجئين أو بصورة اللاجئين” مؤكّدةً أن مخيّمات عرسال تحتوي على عناصر من داعش وعناصر من جبهة النصرة الذين بايعوا داعش.

ووصفت عاصي ما حصل في عرسال بأنه “أمر طبيعي بل أنه تأخّر وكان يجب أن يتم قبل هذه الفترة بكثير، لكنه لم يتم بسبب تأخّر وصول الدعم للجيش اللبناني” موضحةً أن منطقة عرسال هي المكان الذي خرجت منه السيارات المفخّخة التي فجّرت في بيروت والضاحية الجنوبية، وأن مخيّمات عرسال هي معسكر للإرهابيين طالما أنها خارج سلطة الدولة اللبنانية.

وفي تحليلها لم تنكر وجود أيادٍ لـ “حزب الله” في العملية، مقرّةً بحصول تعاون وتنسيق بين الجيش اللبناني والحزب في اقتحام عرسال، وهي فرضية تزيد من صحّتها الفيديوهات التي ظهرت عن عمليات التعذيب بحق اللاجئين السوريين والتي تظهر فيها بصمات ميليشيا حزب الله بشكلٍ واضح.

واعتبرت أن ترحيل مقاتلي المعارضة السورية وتهجيرهم إلى إدلب وتفريغ المناطق القريبة من حمص ودمشق هو “تطهير وحشد للإرهابيين في إدلب والرقة”.

نديم قطيش والموقف الغريب

وفي خطوةٍ غير متوقّعة، ظهر الإعلامي اللبناني نديم قطيش، والمعروف بمناصرته للثورة السورية، على إحدى الشاشات اللبنانية في برنامجٍ حواري حول عملية عرسال، ممتدحاً ومثنياً على الجيش اللبناني.

وفي معرض النقاش “الحار” مع مقدّم البرنامج قال قطيش: “إن الشخص الذي فجّر نفسه بعائلته وبالمدنيين وقرّر أن ينهي حياة ابنة أخته بهذه الطريقة، غير مهتم بأمن النازحين” مؤكّداً أنه يجب ألّا يكون هناك خطوط حمراء أمام الجيش اللبناني في التعامل مع هذا الملف الحساس.

وأضاف قطيش أن “الجيش اللبناني أمام مسؤولية كبيرة وهي مواجهة هذه الخطورة على أمن اللبنانيين واللاجئين”، وعندما سألته المحاورة حول مشاهد القتل والتعذيب التي ظهرت في مقاطع الفيديو من خلال الناشطين السوريين واللبنانيين أجاب قطيش أن “كل شخص لديه هاتف بمبلغ 50 دولاراً وإنترنت بمبلغ 20 دولاراً أصبح قاضياً ومحقّقاً ومحامياً ومفتّشاً” واستطرد: “هل كان هناك أشخاص في المخيّمات فجّروا أنفسهم؟ إذا كان كذلك فهؤلاء إرهابيون”، مبرّراً عمليات الإهانة والضرب ضد المدنيين بأنه “في أية مداهمة فإن جميع الموجودين ما عدا الأطفال هم مشتبه بهم”، وهو ما أثار غضب النشطاء السوريين كون كلام قطيش يحاول تبرير جريمة الانتهاكات التي ارتكبها الجيش اللبناني ضد النازحين السوريين.



صدى الشام