جهاد المقدسي يرد على حسن م. يوسف


مواقع الكترونية

رد جهاد مقدسي على ما كتبه حسن م. يوسف تعليقاً على تعليق الأول عمله السياسي المعارض، وبنهايته المقال الأصلي ليوسف:

* رد المقدسي

كرامة لمن تدخّل وهو عزيز ومحترم … سأراعي قدر الإمكان:

قد يخطئ البعض في تفسير صمتي وتجاهلي لبعض التصريحات المسيئة والمتجنية على أنه ضعف أو عدم ثقة أو قلة حيلة٫ في حين أنه قراري الشخصي الذي اتخذته منذ خمس سنوات بالترفع عن الرد وعن الدخول في مهاترات شخصية عديمة القيمة. لكن في ضوء قراري بالابتعاد عن العمل السياسي٫ وبما أن الجاهل قصير النظر هو فقط من يخطئ تفسير الصمت، ولأن التطاول أخذ طابع المساس بكرامتي الشخصية فإن احترامي لنفسي يرتب علي الرد المباشر دون تلميح أو غمز.

للتذكير، اكتشف السيد حسن م يوسف في زاويته بجريدة “الوطن” أن (الوطن هو الأم) وأنني تخليت عن وطني، ونأيت بنفسي (مستخدماً تشبيهاً مسيئاً) عندما قررت الابتعاد عن العمل السياسي…. كلام خبيث بدرجة امتياز، لذلك سأوضح أدناه و أفند عالم “الأم الافتراضية” ل حسن م يوسف.

بصراحة لم يزعجني كلامه فهو بالأصل كاتب غير سياسي، يتناول شؤون خفيفة الوزن ولطيفة تتراوح من الدراما السورية إلى الموسيقى إلى شجون المواطن الخفيفة مثل ضرورة لبس حزام الأمان خلال قيادة السيارة أو البيروقراطية الإدارية وأخبار مسابقات وفنون هنا وهناك. الذي أزعجني هو أن كلامه ورد في صحيفة رسمية عملياً، وكان تتويجاً مقصوداً لثقافة الاستخفاف بكرامات الناس وإطلاق الأحكام المسبقة واستسهال التخوين.. وتصريحات فردية لا قيمة لها بذات السياق المسيء.

لقد مضى على استقالتي حوالي خمس سنوات، ولكن للأسف وحتى بعد ابتعادي عن السياسية مؤخراً، ما زالت مشكلة البعض الرئيسية معي هي مشكلة شخصية بحتة لها علاقة بـ “الموقع” وليس “الموقف”….. فحتى الخروج المحترم والانتظار حتى قبول الاستقالة ثم العمل بخط سياسي معارض معتدل، علماني ومدني وبأغلب الأحيان أقرب للجسر بين الأطراف… لم يمنعهم من الاستمرار بالخبث في مزج الألفاظ ومحاولة اغتيال الشخصية… تفاهات مستمرة وممنهجة ومزايدات فارغة… واتهامات سخيفة بالرمادية… وكأن كل من تحدث منهم مقتنع في قرارة نفسه أنه فعلاً ذو لون أبيض ناصع… واتهامات وصلت لحد خيانة الوطن… والحديث عما يسمى بـ “بيان الكيماوي”… وآخر تقليعة من “النباح” الذي سمعته هو أن ابتعادي عن السياسة له علاقة بتوقف المال السياسي!!!… فشخص مثل حسن م يوسف… لا يعرف أصلاً الفرق بين الوطن والسلطة!!… ويبسط الأمور لحد السخافة والخرف السياسي الفاضح ليحدثني بصفاقة فاضحة عن الوطن والأم!… بعد التفكير لوهلة لاحظت أن مشكلته (هو وأمثاله) مع المعارضة السياسية هي فعلاً مشكلة أمومة وأبوة… لأن ذاك المثقف أجبن من أن يتقبل فكرة الخروج عن منظومة الطاعة الأبوية، فحتى الاجتهاد في الدفاع عن مصلحة البلد هو حالة غير مقبولة بنظره… فإما أن تدافع عن “الأم الافتراضية” ل حسن م يوسف وتتلو فعل الندامة… أو تصبح تهمة الخيانة جاهزة… ويدخل حسن م يوسف ومن راجع ووافق على زاويته بحالة من القوادة الثقافية والصحفية المكشوفة… ففي العالم الذي يعيش فيه حسن م يوسف يتوجب على الخصم السياسي للسلطة (أي المعارضة السياسية) أن يأخذ شرعيته من السلطة وليس من المجتمع!!… فيقول لك تعال وعارض في البلد… يبدو أن خبير الدراما قد صدق أن السقف العالي لبقعة ضوء ومرايا يعكس واقع حرية الرأي وليست تنفيساً مبرمجاً… وأذكر على الفور كيف صدق هذه الكذبة كل من عبد العزيز الخير ورجاء الناصر… في عالم “الأم الافتراضية ل حسن م يوسف”، حتى قدري جميل، وهو المحسوب علناً على الحليف الروسي… هو رجل غير مقبول ولا يستطيع العودة ليعارض من بلده… ووصلته إقالته سابقاً على الهواء مباشرة… أي أمومة يا أستاذ حسن؟!!

لقد اقتبست في زاويتك الصحفية من تصريحي ما يناسبك فقط… وتركت أهم ما هو موجود في هذا التصريح وهو خاتمته… اسمح لي أن أنعش ذاكرتك “الاستنسابية” بما قلته: “قد تضيق بِنَا أوطاننا… فيصبح للآسف “الموقف السياسي” هو المدخل الوحيد للوطن عوضاً عن شرط “الانتماء لسورية”، لكن رغم ذلك لم ولن نتعامل بالمثل مع الوطن بظل ظروفه المؤقتة… وسيبقى ذلك الوطن -الذي في وجداننا- هو مصدر فخرنا وكرامتنا.

ألا ترى أن الوطن بالنسبة لنا هو أم؟ ألم تفهم معنى هذه الخاتمة التي تجاهلتها بخبث؟

هل لي أن أسألك كمثقف يتهم الآخرين بالنأي بالنفس! ماذا فعلت أنت و أمثالك لعودة معارض سلمي واحد إلى البلد؟ أليس هذا نأياً خبيثاً بالنفس عن قضايا مجتمعك؟ هل تعتقد أن التخوين المبطن والأستذة تساعد الدولة السورية على إتمام مصالحة؟ هل قرأت أوراقنا السياسية؟ وفي حال أن مطالب التغيير الديمقراطي ترتبط بالإرهاب لماذا لم نشهد حالة تكفيرية خلال أحداث “ربيع دمشق”؟ أليست هذه مسؤولية النخبة السورية بردم الهوة (بعد سبع سنوات) بين كل من يؤمن بسورية و لم يتآمر عليها؟ هل تعتقد أن العودة المتسولة للناس هي الحل؟ أم أنكم فرحون بوجود 8 مليون سوري خارج البلاد؟ هل خطر ببالك أن لا تنأى بنفسك عن مشاكل اللاجئين السوريين سواء المخيمات أو المهجر وأن تتحدث عن مشاكلهم؟! هناك حوالي 4 مليون طفل سوري دون تعليم٫ أين هو الصديق وزير المصالحة الوطنية؟ لماذا لا تطالبه بحضور مؤتمر جنيف ولقاء المعارضة ولو بشكل فردي؟ أم أن زاويتك الصحفية مخصصة لتسجيل النقاط والأستذة فقط؟!

أما بخصوص التهمة السخيفة التي يرددها البعض بأن البيان الذي قرأته حول السلاح الكيماوي في تموز 2012 هو عمالة وخيانة وتوريط للوطن… أود أن أطلب منك التالي لكي نغلق هذا الملف نهائياً وبشكل محترم… أنا بالنسبة لي لم أعلق على كواليس هذا الموضوع لأن الرئيس الأسد على علم طبعاً بكل التفاصيل، وأنهى الجدل بوقتها في مقابلة له مع اللوفيغارو عندما أكد ذات مضمون التصريح المكتوب الذي قرأته أنا دون ارتجال، لكن يبدو أن عقول بعضكم قاصرة عن فهم الإشارات، لذلك اقترح عليك وبما أن كواليس ما يجري بالدولة كان وسيبقى أمانة… أن تجلب (على مسؤوليتك القانونية) موافقة لنشر ما لدي من وثائق على صفحات جريدتكم لكي يعلم جمهور صحيفتك ممن يعتبر هذا التصريح فعل خيانة… من هو المسؤول الحقيقي وكواليس ما جرى بالتفصيل (ولكم الحرية عندها بإطلاق الصفة التي تستنسبونها عليه).

كنت أتمنى يا أستاذ حسن ألا ابتعد عن السياسة وألا أختار الهجرة التي أرجو أن تكون غير دائمة… وكنت أتمنى تغيير مسار حياة أولادي بحيث تكون عودتهم للوطن قريبة ليخدموه كما خدمتُه وبكل فخر… حتى الحلم بمستقبل أفضل هو حق حصري في عالمك واعتبرته فوراً خذلاناً… طبعاً ولا تنزعج من صراحتي… هذا ليس خذلاناً في حالات مثل ابنتك في لندن… أو عائلة رئيس التحرير في جريدتك “الوطن” التي تعيش بكاملها في باريس… وإذا أردت أكمل لك عائلة من موجودة في بيروت ونيويورك ولندن وكندا، وأي أولاد مسؤولين موجودين في دول الخليج؟ وهل تود أن أقول لك من هو المسؤول الرفيع الذي يعمل ابنه في قطر؟ هل تود أن أخبرك عن رؤوس الأموال الموجودة في الخارج والتي تعود لمن يشتمني أحياناً على صفحته بكل وقاحة قائلاً “كل من غادر الوطن خائن” فيما هو يستثمر كل أمواله في هذا الخارج.

نعم أستاذ حسن… أنا لم اكتشف الزئبق عندما قلت أن ما يحاك لسورية قذر ومنذ اليوم الأول… ولم أكن جزءاً منه ولا أود أن أكون جزءاً منه… لكنني حاولتُ وبشكل مستقل مع مجموعة من السوريين، عند إنشاء منصة مؤتمر القاهرة، التنافس مع الحل العسكري وهزيمته والدعوة لتطبيق بيان جنيف… وعندما وجدنا أبواب بلدنا مغلقة بوجه أية مبادرة سياسية… توجهنا للغرب وحملنا وثائقنا السياسية المنطقية للعواصم فاكتشفنا أنهم بوارد تغيير النظام وليس تغيير المنظومة… توجهنا لروسيا (لا تزعل) فاكتشفنا أن الروسي لا يعرف ماذا يريد، ونَعَم نواياه جيدة من حيث الحفاظ على مؤسسة الجيش السوري وهذا مطلبنا الأساسي، لكنه مازال ضائعاً ومتردداً بخصوص علاقته مع إيران، وهل يجدي نفعاً أن يرميها فيما أميركا بمؤسستها العميقة لا ترغب بالشراكة مع الروسي وتطمينه!!

الابتعاد عن السياسة هو نتيجة لمراجعة وليس نأياً أو انكساراً… لقد أصبحت أخجل من زراعة الأمل… والضحك على نفسي قبل الضحك على الناس مما يحدث في “سيرك” جنيف… وأصبحت أخجل من “بهدلة” من هم بعمرك وقدرك عندما يلمحون بأن المعارضة بالمطلق هي عمل غير شريف.

وكل قلة الاحترام التي لمستها منك ومن أمثالك، هي أكبر دليل على أن الوطن قد ضاق بنا وأنك حتماً تعيش في عالم مختلف… وكانت آخر “بهدلة” وجهها الرئيس الأسد للجميع في مجلس الوزراء مؤخراً حول ممارساتهم وتصرفاتهم، هي أكبر دليل على هذه الثقافة السائدة في أوساطك.

اعتذر ممن يقرأ على الإطالة… وصدقاً هذا الرد مختصر جداً ومشذب لحد كبير جداً، وحذفت منه أحداثاً كثيرة وتعليقاتٍ كثيرة كرامة لمن تحدث معي واحتراماً للعقلاء في بلدي.

هذه ببساطة جردة حساب مختصرة جداً، وليس سجالاً قبل المضي قدماً نحو حياة وتحدي جديد.

د. جهاد مقدسي

* مقالة حسن م. يوسف بصحيفة الوطن التابعة للنظام السوري

النأي عن الأم

الأحد, 02-07-2017

حسن م. يوسف

منذ بدء الحرب الفاشية على بلدنا عاهدت نفسي ألا أتناول أي موضوع من شأنه أن يزيد الشرخ بين أبناء وطني سورية، ومع أنني تعرضت شخصياً لضروب من الأذى والخذلان بعضها أصعب من ضرب الخناجر، إلا أنني رغم ذلك كنت، وسع نفسي، أتجنب شخصنة أنماط السلوك والأفكار والقضايا الخلافية التي يثيرها من يقفون على الضفة الأخرى، وغالباً ما كنت أتجاهل الشتائم ولغو الكلام مكتفياً بمناقشة ما هو قابل للنقاش، دون ذكر أسماء.

إلا أنني أنوي اليوم كسر القاعدة، لأن الـ«تصريحات» التي نشرها الدبلوماسي المنشق جهاد مقدسي على صفحته في الفيس بوك وعبر وسائل الإعلام، لم تتوقف لحظة واحدة عن التفاعل في داخلي، لذا عزمت أن أناقشها علناً، وخاصة أنها تثير قضية حساسة جديرة بالمناقشة.

تعلمون أن جهاد مقدسي ليس بالرجل البسيط، فقبل انشقاقه كان يشغل منصب المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، وبعد انشقاقه شغل منصب رئيس منصة القاهرة للمعارضة، فما الذي حدث كي يعلن مقدسي ابتعاده عن العمل السياسي الآن؟

أعترف أنني توقفت طويلاً عند لهجة «تصريحات» السيد مقدسي، فهو لم يعترف بأن خياراته كانت خاطئة، ولم يعتذر من المواطنين السوريين الذين عانوا، بسبب خياراته وخيارات أمثاله، لسنوات طويلة من الحرب والفقر والمعاناة، بل إن دراسة متأنية للهجة ونصوص تصريحات مقدسي تجعل المراقب الموضوعي يستنتج أنه ينظر إلى نفسه بفخر كما لو أنه مثال الوطنية والشجاعة الأدبية، إذ يقول في الـ«تصريح» الأول إنه: «تحمّل، كغيره، الكثير بسبب الثقافة السيئة التي ترافق العمل في الشأن العام السوري، وأن هاجسه الدائم هو أن يبقى منسجماً مع ذاته وقناعاته السياسية، وألا يخسر احترام العقلاء من أبناء سورية، مؤكداً أن هؤلاء هم حتماً «الأغلبية الصامتة أو ربما الضائعة بين الطرفين»!

ولكيلا يستفز أحداً من «رفاقه» يعلن مقدسي أنه قد تشرف بالعمل «مع بعض الشخصيات السورية التي انسجمت مع المطلب الأصلي للمجتمع السوري بالتغيير البنيوي غير الثأري والمبني على أسس دولة المواطنة»، كما يقول: «تعلّمت الكثير، واكتشفت جانباً حزيناً ومنسياً من الحياة السياسية المنشودة في بلادي، وتكرست قناعتي بأن الوسطية هي خلاص سورية». عال!

صحيح أن مقدسي كان في «تصريحـه» الأول متكتماً إذ أرجع انسحابه من العمل السياسي لـ«ظروف العمل والحياة التي لطالما حكمت ظروفي الشخصية». إلا أنه في تصريحاته التالية تخلى عن تكتمه، إذ أعلن لفضائية «الميادين» أن استقالته تأتي في وقت «يُحاك لسورية سيناريو قذر» معتذراً عن تقديم تصريحات إضافية حالياً. وهو، على حد قول موقع الميادين على الإنترنت، «لا يودّ أن يكون جزءاً من ذلك السيناريو».

أعترف لكم أنني لم أصدق عيني وأنا أقرأ اعتراف مقدسي أخيراً بأن ثمة «سيناريو قذراً» يحاك لوطننا الحبيب سورية، فهذا أمر سبقه لرؤيته الضرير وعرفه الطفل المقمط في السرير! ما فاجأني حقاً ليس اعتراف مقدسي بوجود السيناريو القذر، بل رد فعله إزاء ذلك الاكتشاف المتأخر! فبدلاً من أن يندم على خياره الخاطئ ويعلن وقوفه ضد ذلك السيناريو «القذر»، يقرر ممارسة وصفة «النأي بالنفس» التي اخترعها «قوادو» السياسة في لبنان!

وحاله في ذلك كحال ولد مدلل اقتادته أمه رغماً عنه إلى المدرسة وفي الطريق وقعت الأم في حفرة فيها العديد من العقارب والأفاعي، فلم يعمل الولد لإخراج أمه من الحفرة، كما يقتضي الواجب والمنطق، بل اكتفى بالصراخ، وهرب من المكان نائياً بنفسه عن مصير أمه!




المصدر