كيف حوّلت روسيا المأساة السورية إلى “إعلان مجاني” لأسلحتها؟
4 يوليو، 2017
إذا ما وضعنا المكاسب السياسية والاستراتيجية الكبيرة التي حقّقتها روسيا من تدخّلها العسكري في سوريا جانباَ، فإننا سنجد مكاسب أخرى لا تقل أهمية تتمثّل في “الهدية” الدعائية والترويجية السخية التي نالتها شركات السلاح الروسية، والتي ما كانت لتحلم بها لولا “العروض الحيّة” لفعالية الأسلحة التي تتساقط على رؤوس المدنيين وتفتك بأجسادهم في مختلف المدن والأرياف السورية.
ففي مقابل الموت المتنقل الذي راح يحصد أرواح السوريين، كان هناك عائدات “قذرة” لم تكن روسيا ذات الاقتصاد المترنح لترفضها، بل سعت إليها بشكل حثيث، وعليه فقد حققت الحرب في سوريا للروس زيادة في الطلب على “منتجاتهم” من الأسلحة، إذ استغلت موسكو هذه الحرب واستخدمت الأراضي السورية قاعدة للترويج والتجربة.
ويقول خبراء روس إن العملية العسكرية الروسية في سوريا لم تكلّف أكثر من نصف مليار دولار، بينما روّجت روسيا عبر حربها هذه لبيع صفقات سلاح بما تجاوز ستة مليارات دولار مع نهاية عام 2016 وفقاً لخبراء عسكريين.
وفي هذا التقرير نرصد كيف حظيت روسيا بأسواقٍ جديدة نشطة بعد إثبات فعالية أسلحتها في عدة مدن ومنها حلب، إضافةً إلى تكاليف الأسلحة المستخدمة في سوريا، وخيارات موسكو بعد تضاؤل حركة الآلة العسكرية بسبب اتفاق “مناطق وقف التصعيد”.
صفقات على أنقاض سوريا
بعد أشهرٍ من التدخّل العسكري الروسي في سوريا، أشارت تقارير متفرّقة لوسائل إعلام روسية إلى أن روسيا نجحت بإبرام عدّة صفقات لبيع السلاح، بشكلٍ متزايد عمّا قبل، وفي تقرير سنوي يصدر عن سوق السلاح الروسي، ذكرت صحيفة “كوميرسانت” الروسية أن حجم مبيعات الأسلحة الروسية أخذ في التضاعف على مدار الـ 11 عاماً الأخيرة.
وأشارت إلى أن روسيا سلّمت عدّة دول أسلحة بما قيمته 11.6 مليار دولار في أواخر عام عام ٢٠١٥ أي بعد التدخّل في سوريا بأشهر، ليصل حجم المبيعات الكلي في هذا العام 57 مليار دولار أمريكي.
وشملت هذه المبيعات صفقات تسليح مع مصر، عبر تسليمها منظومة الدفاع الدوي بعيد المدىS-300VM ، والتي تم شراؤها ضمن صفقة كاملة تضمنت أيضاً شراء منظومات Buk-M2E للدفاع الجوي المتوسط المدى، ومروحيات قتالية، وأنظمة دفاع جوي محمولة على الكتف، وأنظمة صواريخ كورنيت Kornet مضادة للدروع و أسلحة أخرى هذا بخلاف صفقة شراء 46 مقاتلة من طراز ميج 35 و المُقدرة بحوالي 2 مليار دولار .
ويُضاف إليها صفقة تسليح مع الجزائر شملت بيع 16 مقاتلة من طراز Su-30MKA في عام 2015 و من المقرر أن توقع عقداً لشراء 12 قاذفة مقاتلة Su-32 التى تعد النسخة التصديرية من سوخوي 34 العام الماضي 2016 و هناك أيضاً مفاوضات لشراء منظومات S-300 VM للدفاع الجوي بعيد المدى كالتي تعاقدت عليها مصر، ومن ضمن هذه الصفقات صفقات أخرى مشابهة تماماً مع العراق وإيران والصين والهند وفيتنام.
هذا ليس كل شيء فبحسب مصادر إعلامية من شركة روس أوبورون إكسبورت Rosoboronexport الروسية المسؤولة عن صادرات السلاح الروسي للخارج، فإن روسيا تخطط لإستهداف دول منطقة أسيا والمحيط الهادي “ماليزيا و أندونيسيا”، ودول في أفريقيا مثل أنغولا وأوغندا في صادرات السلاح المستقبلية.
وفي هذا الإطار لم يتمكن رئيس شركة “روستيخ” الحكومية الروسية من إخفاء “سعادته” بما اعتبره إنجازاً، حيث تعد شركته واحدة من أكبر شركات صناعة الأسلحة الاستراتيجية وغير التقليدية وأجهزة التجسّس والإلكترونيات.
وقال رئيس الشركة سيرغي تشيميزوف: “إن العملية العسكرية الروسية في سوريا أثرت إيجايياً على مبيعات الشركة فيما يخص الأسلحة والعتاد العسكري”، ونقلت وكالة “سبوتنيك” الروسية عن تشيميزوف قوله إن العمليات القتالية هناك أظهرت قدرات الأسلحة والمعدات العسكرية الروسية، وساهمت بزيادة في مبيعات الشركة، واصفاً العملية العسكرية الروسية في سوريا بأنها “دعاية مجانية” للسفن والطائرات والمعدات الصاروخية الروسية الصنع.
بوتين حين يكذب
لم يخفِ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حقيقة أن التدخل العسكري الروسي في سوريا جاء بمنفعة كبيرة بالنسبة لقطاع التصنيع العسكري في روسيا، بل تباهى بها خلال حديثٍ مباشر مع مواطنين روس منتصف الشهر المنصرم.
وقال بوتين إن هذا التدخل “سمح باختبار أحدث أنواع الأسلحة وتصحيح العيوب وزيادة جودة تلك الأسلحة الروسية”، وأضاف حينها، أن “الخبرة التي اكتسبتها القوات المسلحة الروسية في ظروف القتال بالخارج، واستخدامها أحدث أنواع الأسلحة الروسية، “يعد أمراً لا يقدر بثمن”، وتابع: “اكتسبت قواتنا المسلحة نوعية جديدة فعلاً”.
غير أن هذه التصريحات تأتي في إطار الكذب الإعلامي، وفقاً لما ذكره المحلل العسكري محمد العمر.
وأضاف العمر في تصريح لـ صدى الشام، أن روسيا ليست بحاجة أصلاً للأراضي السورية لتجربة أسلحتها لا على الأراضي السورية ولا على غيرها من الأراضي، لذا فإن كلام بوتّين يندرج في سياق إخفاء الهدف الحقيقي للدخول إلى سوريا من جهة، والتسويق أكثر لأسلحته عبر مديح الأسلحة الروسية والحديث عن فعاليتها على أرض المعركة.
وشرح العمر أنه لا يوجد فروق بين استخدام هذه الأسلحة في سوريا أو في خارجها، وأن نتائجها سوف تكون بشكلٍ أكيد إيجابية، لأنها تقوم على الهجمات الجوية المكثّفة في حين أن الخصم (سواء كان المعارضة السورية أو تنظيم الدولة “داعش”) لا يملك أنظمة دفاعٍ جوي متطوّرة أو متوسّطة لإسقاط هذه الطائرات إضافةً إلى أنها لا تملك قبّة حديدية للردع الصاروخي، ما يجعل احتمال إظهار الأسلحة الروسية بمظهر المنتصر وتحقيق أهدافها في قتل أكبر عددٍ ممكن من المدنيين أمراً محسوماً ومؤكّد الحدوث، ولفت إلى أن تجريب هذه الأسلحة بشكلٍ حقيقي يكون أمام قوّة مماثلة قد تكون جيشاً نظاميًا مجهّزاً، حيث من الطبيعي أن يتصدّى الطرف الآخر للأسلحة الروسية وفي هذه الحالة ستظهر فعالية هذه الأسلحة.
وختم أن معظم الأسلحة التي استخدمتها روسيا في سوريا قديمة وتم صنعها قبل عشرات السنوات، باستثناء صواريخ “كاليبر” والتي عمدت روسيا إلى استخدامها بشكلٍ حصري ومنع قوات نظام الأسد من اقتنائها، كون موسكو لا تصدّر هذه الصواريخ إلى أية دولة مهما بلغت قيمة الصفقة.
واللافت أن كلام العمر يتقاطع بدرجة كيرة مع ما ذكره سابقاً الدكتور كونستانتين سيفكوف نائب رئيس الأكاديمية الروسية للمشكلات الجيوسياسية والمتخصص في العلوم العسكرية، فقد أكد أن حاجة روسيا الفعلية هي الترويج للسلاح من خلال عرضه وإظهار قدراته على أرض المعركة، لكنه اعتبر من جانبه أنه لا يوجد أي فرق بين تجربة صواريخ كاليبر في سوريا أو في أي ميدان تجريبي آخر، فلا فرق إن كانت ستحلق هذه الصواريخ فوق الأجواء السورية أم جبال القوقاز، حسب تعبيره.
معركة التسويق
يُعتبر تسويق السلاح في السوق العالمي أمراً غاية في الصعوبة والتعقيد ويحتاج إلى طاقات بشرية وكوادر هائلة إضافةً إلى التكاليف المادية والوقت والجهد، وهو ما وفّرته روسيا على نفسها حيث حظيت بالتسويق كهدية مجانية.
ويُشير خبراء مطلعون على سوق السلاح في العالم، إلى أن أسهل طريقة لتسويق السلاح والترويج له في الأسواق العالمية، هي خوض معارك حقيقية ومباشرة ضد عدو حي، والتغلّب عليه لإثبات فعاليه هذا السلاح، وهو ما حدث مع روسيا فعلاً من خلال بيع أسلحتها خلال المعارك في سوريا.
ويبيّن الخبراء أنه عندما تقوم أي دولة بعمل عسكري في منطقة ما من العالم، فإنه بخلاف الدول التي تتابع مسارات الحرب ونتائجها، ثمّة قادة جيوش ودول أخرى يراقبون فعالية أسلحة الدولة التي تخوض الحرب ومدى جدواها خلال المعركة ليقوموا بشرائها فور إثبات القدرات القتالية العالية.
هذه “الإمكانات” والقدرات التي اتضحت جعلت الطلب أكبر على بعض الأسلحة الروسية، بحسب البروفيسور في معهد التقييمات الاستراتيجية إيفان كونوفالوف، الذي رأى في إحدى تصريحاته أن “استعراض قدرات الأسلحة الروسية في سوريا كان ناجحاً رغم أنه لم يكن هدفاً من العملية العسكرية الروسية”.
حسابات
مع أن تسويق قدرات السلاح في “الحرب” السورية انعكس إيجاباً على الاقتصاد الروسي فعلاً، إلا أن هذا الأمر يبقى “غير مفصلي” برأي المتخصص بالشأن الروسي بسام البني، ويقول البني لـ صدى الشام، إن روسيا لا تعتمد على بيع السلاح بشكلٍ رئيسٍ في اقتصادها، فنسبة مبيع السلاح من مجمل اقتصادها تشكّل فقط 10%، والبقية تذهب للغاز الطبيعي والنفط والسكك الحديدية والصناعات الثقيلة وغيرها.
ويضيف البني، أن المسؤولين الروس كانوا قد أعلنوا سابقاً أن ميزانية الحرب في سوريا هي أقل من الميزانية المخصّصة للجيش الروسي في أوقات السلم، وهو ما يشير إلى أن روسيا استبدلت المناورات الوهمية بحرب حقيقية بالتكلفة ذاتها، وأن قواتها تخوض مناورة ضد عدو حقيقي بتكلفة أقل، مع تحقيق الكثير من المكاسب في سوريا.
ويوضح البني أن روسيا تنفق على الجانب العسكري ما نسبته 10% ممّا تنفقه الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تنفق روسيا 60 مليار دولار سنوياً في حين تنفق الولايات المتحدة 600 مليار دولار، لذا فإنه إذا باعت روسيا ما نسبته 10% من مبيعات الولايات المتحدة من السلاح عالمياً فإنها لن تكون خاسرة، أما إذا باعت 20% فإنها حتماً ستكون قد حقّقت ربحاً.
[sociallocker] صدى الشام[/sociallocker]