كي لا ننسى طلّ الملوحي

4 يوليو، 2017

ميشال شماس

في الحقيقة لم يتسنّ لي التعرّف شخصيًا إلى طل الملوحي، إلا من خلال أستاذي خليل معتوق الذي تصدى بجرأة -كعادته- للدفاع عنها، فمنذ اللحظة الأولى لاعتقالها، انصبّ اهتمام الأستاذ خليل معتوق على كيفية مساعدة هذه الصبية التي اعتُقلت قبل بلوغها سن الثامنة عشر عامًا بثمانية أيام تمامًا، وهي المولودة في مدينة حمص، في الرابع من كانون الثاني/يناير عام 1991، بينما اعتقلت بتاريخ 27 كانون الأول/ ديسمبر 2009، ورغم كل ما روّجه وأشاعه الإعلام الرسمي من حكايا وقصص عن “طل”، إلا أن الأستاذ خليل أصرّ على التوكل والدفاع عنها.

يُذكر أن “طل الملوحي” اشتهرت، قبل اعتقالها، بنشاطها المدني في سن مبكرة من عمرها، حين كانت تنشر، في مدونتها على الإنترنت، أراءَها حول الإصلاح والانتقال إلى الديمقراطية في سورية، واستُدعيَت أول مرة إلى أجهزة الأمن، وهي لم تتجاوز الخامسة عشر من عمرها، بعد مناشدةٍ وجّهتها عبر موقع (النادي السوري) إلى رئيس النظام السوري بشار الأسد، عام 2006، دعته فيها إلى الإسراع في عملية التحوّل الديمقراطي بالبلاد، بصفته رئيسًا للبلاد، يحتم عليه منصبه وقفَ الفساد المستشري، بعد أن ذكّرته بالوعود التي سبق أن أطلقها في خطاباته، وفي العام التالي تكرّر استدعاء أجهزة الأمن السورية لها، حيث استدعيت ثلاث مرات على الأقل، قبل أن تضطر إلى الانتقال مع أسرتها للسكن في القاهرة.

بقيت طل في القاهرة نحو ثلاث سنوات، ثم عادت مع أسرتها إلى دمشق، في صيف 2009، وتابعت نشر المقالات والقصائد في مدونتها، وكان من بينها قصيدة بعنوان (وطن يرتجيك)، مؤرخة في 12 آب/ أغسطس 2009، اقتطفت منها المقطع التالي:

فرارًا ننجو من الموت

أترانا بالفرار نخلد دهرا؟

قل لي، يا أخي

أحياة الإذلال تحسب عمرا؟

بئس الحياة

نباع فيها ونُشرى.

ومن يرتضي ذاك.. فهو بالعبد أحرى

فلنا عزة

دونها الشمس..

وإلا…

فاحفرْ لنا الآن قبرا..

اعتقُلت “طل” بتاريخ 27 كانون الأول/ ديسمبر 2009، من قبل عناصر أمنية، اقتادوها إلى جهة مجهولة، مدةً تزيد عن 11 شهرًا، دون أن تتمكن أسرتها من معرفة أي شيء عنها سوى الإشاعات التي أخذت تسربها الأجهزة الأمنية، لتشويه سمعتها وتخويف المحامي الذي سيدافع عنها، وفي أوائل تشرين الثاني/ نوفمبر 2010  أُودِعت سجن دوما للنساء، تمهيدًا لمحاكمتها، أمام محكمة أمن الدولة العليا، بتهمة التخابر مع دولة أجنبية (أميركا)، على خلفية توقيعها على رسالة موجهة للرئيس الأميركي باراك أوباما، تحييه على مواقفه، وتطالبه باتخاذ المزيد من المواقف المنصفة للعرب والمسلمين، ولدعم قضية الديمقراطية. ولتلبيتها دعوة السفارة الأمريكية في القاهرة لحضور الاحتفال بعيد الاستقلال الأميركي.

في محكمة أمن الدولة العليا، أنكرت طل الملوحي التهمَ المنسوبة إليها، وحاول الأستاذ خليل معتوق جاهدًا تبرئتها وتفنيد الاتهامات الموجهة إليها، إلا أن محكمة أمن الدولة تجاهلت كل دفوعه، واعتمدت كلَّ الاتهامات التي ساقها منظمو الضبط الأمني، وأصدرت حكمها على طل الملوحي بالسجن خمس سنوات، بتهمة الاتصال والتخابر مع دولة أجنبية، تبدأ من تاريخ اعتقالها في 27/12/2009 وتنتهي ضمنًا بتاريخ 26/12/2014، ليكون أول حكم على أصغر معتقلة رأي في ذلك الحين.

بعد اندلاع التظاهرات الشعبية ضد نظام الأسد في آذار/مارس 2011، قررت السلطات الأمنية نقل كل النساء من سجن دوما، بمن فيهم طل الملوحي والدكتورة فداء الحوراني، إلى جناح خاص في سجن عدرا، خوفًا من أن يقوم أهالي دوما بإطلاق سراحهنّ، ومنذ ذلك الحين دخلت قضية طل الملوحي دائرةَ النسيان، ولم يعد يذكرها أحد.

وعلى الرغم من أن محاميها الأستاذ خليل اعتُقل هو أيضًا، إلا أننا تابعنا قضية “طل” وتقدّمنا، في 24 تشرين الأول/ أكتوبر 2013، إلى محكمة الجنايات بحمص، بطلب إعفائها من ربع المدة، وقد وافقت المحكمة على الطلب، وقررت إطلاقَ سراحها فورًا، وأرسلتُ بنفسي كتاب إطلاق سراحها إلى سجن عدرا، عبر الفاكس من مكتب ديوان المحامي العام الأول في ريف دمشق، وامتثل مدير سجن عدرا للنساء، لقرار المحكمة وأطلق سراحها، لكن “طل” لم تخرج من السجن، ثمّ تبيّن لنا أن مدير السجن قام بتسليمها لدورية من استخبارات أمن الدولة، اعتقلتها مجددًا، قبل أن تخرج من سجنها، واحتُجزت، دون وجه حق، في أقبية أمن الدولة، وبعد عدة أشهر، فوجئنا بأن الأمن أعادها مجددًا إلى سجن عدرا، ولكن هذه المرة من دون أي مذكرة قضائية، بل استنادًا إلى مذكرة أمنية فقط.

في تاريخ 26 كانون الأول/ ديسمبر 2014 أنهت طل مدة محكوميتها، ورغم المناشدات بإطلاق سراحها تنفيذًا لأحكام القانون، إلا أن إدارة سجن عدرا لم تجرؤ على إطلاق سراحها، وأذعنت لقرار السلطات الأمنية القاضي باستمرار اعتقالها، دون أيّ مذكرة قضائية، خلافًا لأحكام القانون الذي يفرض على إدارة السجن إطلاق سراح السجين، فور انتهاء مدة محكوميته ما لم يكن صادرًا بحقه مذكرة قضائية أخرى.

ثماني سنوات ونصف مضت على سجن واعتقال طل الملوحي، بينما كان حكمها خمس سنوات فقط؛ لتتحول طل، بعد انقضاء خمس سنوات، من سجينة رأي إلى معتقلة رأي، ولتنضم بذلك إلى محاميها الأستاذ خليل معتوق المعتقل منذ 2 تشرين الأول/ أكتوبر 2012 دون أن نتمكن من معرفة أي شيء عنه، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من المعتقلين الذين يقبعون في زنازين النظام وسجونه، دون أي أفق بالإفراج عنهم أو الكشف عن مصيرهم.

فلنرفع الصوتَ عاليًا من أجل إطلاق سراحها وجميع المعتقلين والمخطوفين، لدى النظام والمعارضة.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]