الغارديان: اختفاء” سورية: عائلات تطالب بمعرفة مصير أحبائها


أحمد عيشة

في سورية، هناك أكثر من 60،000 شخص مفقود -معتقلين من قبل الدولة أو الجماعات المتمردة. ويناشد الأقارب الأممَ المتحدة لمعرفة مصيرهم.

يسير أقارب المعتقلين والمختفين السوريين بصمت خارج قصر الأمم في جنيف، وقت محادثات السلام. تصوير: ديلان كولينز/ عائلات من أجل الحرية.

عندما بدأت الانتفاضة السورية بسلسلةٍ من الاحتجاجات السلمية، عام 2011، ساعد يحيى، ومعن شربجي في تنسيق التظاهرات، حيث كان يعيش الشقيقان في ضاحية دمشقية مع والديهما، وأربعة إخوة، وشقيقة أخرى، اسمها بيان.

لم يمضِ وقت طويل، قبل بدء الحملة، اعتُقل معن أولًا خلال مداهمةٍ على منزل صديق له. واقتيد إلى منطقةٍ في ضواحي المدينة، حيث تعرض للضرب، وسرعان ما تبيّن أنَّ الشرطة أيضًا أرادت اعتقال يحيى؛ فأجبرت معن على الاتصال بشقيقه، وإخباره أنه يحتاج إلى مساعدة. فجاء يحيى على الفور إلى المكان، واعتُقل، على الرغم من أنه حاول الهرب.

خلال السنوات الست منذ ذلك الحين، لم تسمع عائلة شربجي شيئًا عن ابنَيها. وهم لا يعرفون في أيّ سجنٍ يُعتقل معن، ويحيى، ولا إن كانوا أحياء أم لا.

تقول بيان شربجي: “حاولنا كثيرًا أن نحصل على زيارة، ولم نستطع أن نعرف عنهما أي خبر.. حتى إننا لا نعلم إن كانوا أحياء أم أموات؟ ليس لدينا معلومات عنهما، وطلباتنا للزيارة كانت ترفض دائمًا”. تعيش بيان، البالغة من العمر 31 عامًا، في ليدز، مع زوجها وثلاثة أطفال، ويقيم باقي عائلتها في مصر، لم يكن الوضع آمنًا حتى تبقى الأسرة في سورية، كانوا جميعهم أهدافًا للنظام.

وفقًا للشبكة السورية لحقوق الإنسان، وهي مجموعة مراقبة، مقرّها المملكة المتحدة، فقد اختفى أكثر من 65،000 شخصٍ في سورية، منذ عام 2011، وأكثر من 200،000 معتقل في سجون النظام. وقد اعتقل العديد منهم تعسفيًا وفق تهمٍ زائفة. أما الآخرون فهم ضحايا الاختفاء القسري، فعندما يُعتَقل الشخص، من قِبل الدولة، وعادةً ترفض الاعتراف باعتقاله؛ فإن هذا يضع الشخص خارج حماية القانون.

إنَّ الوصول إلى العدالة والمؤسسات الشاملة هو أحد أهداف الأمم المتحدة، للتنمية المستدامة التي من الواضح أن السوريين لم يحظوا بها.

تصفُ منظمة العفو الدولية حالات الاختفاء واسعة الانتشار في سورية، بأنها “انتهاكٌ لحقوق الإنسان، غير مرئي إلى حد بعيد، ولكنه شنيع”. ومع ذلك؛ فالعمل يتناقص، والجهود المبذولة للتفاوض مع النظام السوري لم تنجح إلى حدٍ كبير في جميع المجالات، وعلى الصعيد الدولي، فإن الأعداد الكبيرة من القتلى المدنيين، واللاجئين تغطي على مسألة الاعتقالات التعسفية.

ترتكب جميع الأطراف انتهاكات لحقوق الإنسان في سورية، والجماعات المتمردة أيضًا مسؤولة عن بعض حالات الاختفاء والاحتجاز، إلا أنّ الأغلبية الساحقة من الاعتقالات تقوم بها الدولة. وتقول نيكوليت بوهلاند، إحدى الباحثات في تقرير منظمة العفو الدولية لعام 2015، حول هذه القضية: “لقد أصبح نظام الاختفاء متطورًا جدًا، بحيث يستفيد الناس منه الآن لتحقيق مكاسبهم الخاصة”.

في شباط/ فبراير 2016، قررت شربجي، وأربع نساء سوريات أخريات اتخاذَ إجراءٍ ما، وتشكيل مجموعة ضغط، سُمّيت (عائلات من أجل الحرية)، بدعم لوجستي من ثلاث منظمات شعبية سورية: الحملة السورية، ونساء من أجل التنمية، ودولتي.

صور الأقارب المفقودين على الرصيف، لدى احتجاج (عائلات من أجل الحرية) في جنيف، وقت إجراء محادثات السلام السورية. تصوير: ديلان كولينز/ عائلات من أجل الحرية.

تقول شربجي: “هناك الكثير من الأسر في سورية، لديها معتقلون: إخوة، وعائلة، وآباء، وأزواج، وبسبب هذه المعاناة، وهذا الألم، قرّرنا إنشاء مجموعة صغيرة؛ لتكون صوت المعتقلين، المطالب بحقوقهم، وعدم نسيانهم. إنها قضيةٌ إنسانية قبل كل شيء”.

في أيار/ مايو من هذا العام، نظمت النساء اعتصامًا، خارج قاعات محادثات السلام الدولية في جنيف. حملت النساء، بصحبة مؤيدين آخرين، الشموعَ وصورًا مؤطرة لأحبائهن المعتقلين. بكت فدوى محمود، بينما كانت تشرح بأنها لا تعرف أيّ صورة ستحمل لأقاربها المعتقلين الكثر.

وتعرّف أمينة خولاني، وهي مشتركة أخرى بالحملة، مباشرة بأهوال الوجود في سجن سوري، حيث اعتُقلتْ هناك مدة ستة أشهرٍ، بين عامَي 2013 و2014. مثل أشقاء شربجي، كانت جريمتها أنها شاركت في احتجاجٍ سلمي. كما احتُجز زوجها مدة عامين ونصف؛ ولا يزال بعض أقاربها الآخرين مجهولي المصير، أو لربما أنهم ماتوا، أو في السجن.

“هذا هو جرح الثورة السورية الذي لا يندمل أبدًا”، كما تقول خولاني. وانفجرت باكيةً بينما تسرد أساليب مختلفة من التعذيب المستخدمة في السجن. “لا يُعطى الأشخاص المقبوض عليهم رصاصة الرحمة، وهم يموتون نتيجة لتعرضهم للتعذيب، أو نتيجة عدم علاجهم من الأمراض.. النظام السوري لا يرحم”. وكذلك قال مفوض الأمم المتحدة مؤخرًا: إنَّ الأوضاع في السجون السورية سيئةٌ للغاية، لأنها تصل إلى حد “الإبادة”.

إنّ المطلب الأساسي لعائلات من أجل الحرية هو أن يُطلَق سراح جميع المعتقلين تعسفيًا، ولكن لديها أهدافًا أكثر تواضعًا في هذه الأثناء. وهم يريدون الرعاية الطبية للسجناء، وحقوق الزيارة للعائلات تحت الحماية الدولية. وإذا مات المعتقلون، فإنهم يريدون أن يعرفوا كيف قتلوا، وأين دفنوا. كما أنهم يريدون شهادات وفاة. وبالنسبة للنساء المتزوجات، يمكن أن يكون من الصعب بشكلٍ خاص المضي قدمًا (من أجل وراثة الممتلكات، على سبيل المثال)، من دون تلك الشهادات أو الوثائق.

تقول آنا فلايشر، مديرة الاتصالات والمناصرة في منظمة (نساء من أجل التنمية): “من دون شهادة وفاة، لا يمكن للمرأة أن تتزوج ثانية، أو تحصل على ممتلكات، أو تحصل على مساعدة لأطفالها”، وقالت: “إن هذه القضايا العملية يصعب التعامل معها عند اختفاء شخص ما”.

كما تطالب المجموعة بمحاكمة الأشخاص المقبوض عليهم في محاكم مدنية، وليس في محاكم عسكرية ميدانية، حيث يصعب الحصول على محاكمة عادلة. وقالت خولاني: “لكل شخص الحق في أن يكون حرًا، ولا يجوز اعتقاله من دون مبرر، ومن دون سبب معقول”.

وبعد تنظيم الاحتجاجات في جنيف، اجتمعت النساء بالمبعوث الخاص للأمم المتحدة في سورية، ستيفان دي ميستورا، ومجموعة من المسؤولين الآخرين، لبيان مطالبهم. وكانت الاستجابة إيجابية، ولكن نظرًا لإحجام النظام عن المشاركة بجدية في الجهود الدبلوماسية، فإنهم لا يأملون في تغيير فوري أو مباشر.

تقول شربجي: “إن شاء الله، أنا متفائلة، وسأواصل العمل حتى آخر قطرة، حتى أرى حرية المعتقلين، لكننا لا نتوقع أي شيء منهم في المستقبل القريب”. وأضافت: “سنفعل كل ما في وسعنا حتى لا نشعر بأننا لا نفعل ما يكفي لمعتقلينا”.

وافقت المعارضة السورية على المطالب، ولكن لم يأتِ أي ردٍّ من النظام أو من حلفائه الروس.

احتجاجات النساء -الأمهات في المقام الأول- حول أفراد الأسرة المعتقلين منذ فترة طويلة. في كولومبيا، بدأت أمهات لاكانديلاريا، مسيرةً صامتة في شوارع ميدلين في عام 1998، وهي تكرر احتجاجات الأمهات الأرجنتينيات، في ساحة دو مايو (التي شاركت في أكثر من 2000 مسيرة منذ عام 1997). وقد نجحت المجموعتان في توجيه الانتباه الدولي إلى محنة المختفين، وممارسة الضغط على حكوماتهم. وفي الآونة الأخيرة، في أوكرانيا، فقد نظمت أمهات المختفين، الذين فُقِدوا في الحرب الأهلية، احتجاجات.

وبالنسبة لخولاني، وشربجي، وآلاف العائلات الأخرى، فإنَّ عدم معرفة مصير أحبائهم أمرٌ مؤلم بشكل خاص. “يحتفظ النظام بهذا الأمر كتهديد ضد الأشخاص المشاركين في الاحتجاج، عندما تعرف المرأة أنَّ زوجها قد تُوفي بطلقة، فهو أسهل من أنْ يُعتقل. ومن ثم يموت كل يوم”. كما تقول خولاني.

اسم المقالةSyria’s ‘disappeared’: families demand to know fate of their loved ones
الكاتبسميرة شاكل، Samira Shackle
مكان النشر وتاريخهالغارديان، The guardianـ 4/7
رابط المقالةhttps://www.theguardian.com/global-development-professionals-network/2017/jul/04/families-syria-disappeared-demand-answers-un
ترجمةأحمد عيشة



المصدر