رصاص الأفراح بريف حلب طائش و”قاتل”


تعتبر ظاهرة إطلاق النار في الأفراح واحدة من الظواهر التي باتت تقلق السكان بريفي حلب الشمالي والشرقي، خصوصاً مع انتشارها مؤخراً على نطاق واسع.

ووصل الغضب بالأهالي إلى مطالبة الفصائل العسكرية والمجالس المحلية بمعاقبة كل شخص يقوم بذلك بالسجن أو بالغرامة المالية، على أمل وضع حد لهذه الظاهرة المؤرقة.

وما يخيف الأهالي أن غالبية الأفراح تقام وسط التجمعات السكانية، في الوقت الذي تشهد فيه غالبية البلدات والقرى هناك اكتظاظاً بالسكان.

غير آمنة

وإلى جانب الخوف والرهبة الذي يسببه صوت إطلاق النار الكثيف، وخصوصاً لدى الأطفال في ساعات المساء، تسبب الرصاص الطائش بمقتل وجرح عدة أشخاص في مناطق متفرقة من ريف حلب، خلال الأيام القليلة الماضية، وكان آخر الضحايا الشاب محمد النجار (15 عاماً)، الذي قتل في مدينة أعزاز الأسبوع الماضي، جراء إصابته برصاصة طائشة، أطلقها أحد المحتفلين بعرس في المدينة.

وللمفارقة فإن عائلة النجار لم تخسر حياة ابنها بقصف من قبل النظام أوالتنظيم الذي كان يستهدف مدينة دير الزور بشكل متواصل، لكنها خسرته بعد رحلة نزوح طويلة، واستقرارها في أعزاز، التي يفترض بها أن تكون مدينة آمنة.

وقبل مقتل النجار بيوم واحد، نجت أم وطفلتها بأعجوبة من الموت بعد تلقيهما العلاج، عقب تعرضهما  للإصابة نتيجة إطلاق نار كثيف خلال حفلة بمدينة صوران، وكذلك تواردت أنباء عن إصابات في مناطق أخرى.

الأسلحة المتوسطة أيضاً

يُجمع الأهالي على تحميل المسؤولية الأكبر للفصائل، وذلك لأن السلاح بحوزتهم، وبالتالي فهم مطالبون بالتحلي بروح المسؤولية واستخدامه في الجبهات وحسب.

ويرى محمد، وهو من أهالي مدينة صوران، أن مطالبة الفصائل بأن تتدخل لتضع حداً لإطلاق النار في الأفراح هو “أمر مثير للضحك”، ويقول ساخراً “ليتوقفوا هم أولاً عن إطلاق النار في أفراحهم، وأنا أضمن أن أحداً من المدنيين لن يطلق الرصاص في الأفراح، ولا حتى رصاصة واحدة”.

ويتساءل متحدثاً لـ صدى الشام: “ما الجدوى إذن من مطالبة الفصائل بضبط هذه التصرفات، طالما هي في قفص الاتهام؟”.

ومن ثم يضيف مقترحاً الحل، “يجب أن تجتمع الفصائل فيما بينها لتصل إلى صيغة ملزمة لا تستثني أحداً عسكرياً كان أم مدنياً، قائداً أم عنصراً عادياً”.

ويلفت محمد، إلى أن بعض الأفراح تشهد إطلاق نار حتى من الأسلحة المتوسطة، كما جرى مؤخراً في فرح قيادي عسكري في فصيل “السلطان مراد”.

لا تمتّ لأخلاق الثورة

 ما أشار إليه محمد، أكده وبوضوح مقطع فيديو مصور تم تداوله بشكل لافت على مواقع التواصل الاجتماعي، ويظهر المقطع الذي اطلعت عليه “صدى الشام”، شخصاً يقوم بإطلاق نار برشاش من عيار 14.5، وسط جموع من المحتفلين، بدون أي خوف من تعريض حياة المحتفلين للخطر.

وفي هذا الصدد، قال ناشط إعلامي، بامتعاض واضح، “لم تعد الأسلحة الخفيفة كافية للتعبير عن كل هذا الجهل، وإنما باتت حتى الرشاشات المعدة للتعامل مع الأهداف الجوية، لوسيلة للتعبير عن الفرح”.

وأضاف الناشط الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، خوفاً من المضايقات التي قد يتعرض لها، “إن تصرفات أفراد الجيش الحر هذه، أشبه ما تكون بتصرفات الشبيحة، ولربما لم يسبقهم الشبيحة إلى فعلتهم هذه، وكأنهم ينافسونهم على الأفعال السلبية والتي لا تمت لأخلاق الثورة بصلة”.

ويتابع الناشط في ريف حلب الشمالي والشرقي “إن كمية الذخيرة التي يتم إطلاقها في أفراح المنطقة خلال هذه الأيام، تكفي لإشعال جبهات كاملة، لكن هذا ما يفعله توقف القتال، فالجبهات مجمدة، والفصائل منشغلة بهذه التصرفات، ومشغولة أيضاً بالاقتتال الداخلي فيما بينها”.

ومن ثم يستدرك متسائلاً، “لست ضد الفرح، لكن ما هي القيمة التي يضيفها إطلاق النار، وهل البهجة لا تكتمل إلا بإطلاق هذه الأعيرة التي قد تتسبب بمصائب، وقد تؤدي لفقدان حياة أشخاص لا ذنب لهم”.

وباء

في تعليقه على إطلاق النار خلال الأفراح، يشير الباحث السوري أحمد السعيد لـ صدى الشام، إلى أن هذه الظاهرة “ليست جديدة، وإنما هي عُرفٌ متناقل، وظاهرة فيروسية، تعاني منها أغلب المجتمعات العربية، بما فيها المجتمع السوري”.

ويوضح السعيد، أن “بعض المناطق السورية كانت تعتاد إطلاق النار في الأفراح قبل الثورة، لكن بالأسلحة الخفيفة (الفرد، البندقية الآلية) وليس بهذه الأسلحة التي تستخدم في هذه الأيام، ولا حتى بهذه الكمية”.

ويعتقد، أن تفشيها بهذا الشكل مرتبط إلى حد بعيد بالجهل وبغياب السلطة أو الدولة، أي عدم وجود الجهة الرادعة لهذه التصرفات المقيتة، على حد تعبيره.

ولا يبدو أن هذه الظاهرة في طريقها للانحسار، وفق السعيد، الذي اختتم حديثه بالقول “لا بد من محاربتها بالمستطاع وبشتى السبل، لأنها غالباً ما تنتهي بمصائب كان يمكن تفاديها”.



صدى الشام