نظام الـ”فيميه”

5 تموز (يوليو - جويلية)، 2017
6 minutes

لعل من الظلم بمكان أن يتم “تخليد” نظام الأسد في كتب التاريخ بوصفه “نظام البراميل” أو “نظام السارين” وحسب، فتلك الأوصاف المرتبطة بجرائمه وأدواره المبتكرة في القتل الجماعي تغيّب جانباً آخر من جوانبه الحصرية التي لا يشابهه ربما فيها إلا بعض الأنظمة ومن على شاكلته من الديكتاتوريات.

هكذا وبعد سنوات من التدمير بمساعدة مختلف الحلفاء من دول وميليشيات، يُحِيل النظام بطريقة غير مباشرة الكارثة السورية إلى “تجاوزات” المسؤولين الذين يُسيّرونَ المواكب الضخمة ويقطعون الطرق.

ومع أنه ليس جديداً على النظام ومخابراته إلهاء الشعب بهذه الأساليب، فإن إصراراه على ممارسة هذه “الهواية” رغم الظرف الذي تعيشه البلاد وما تعانيه من كوارث بسبب الأسد وزمرته يعبّر عما هو أكثر من عادة أو هواية يختص بها النظام، فهي وكما هو واضح إحدى أسباب الحياة لعصابة لا يمكنها البقاء إلا إذا توفرت شروط أساسية يأتي في مقدمتها كثرة السجون والقمع المتواصل ووضع الجمهور في غيبوبة دائمة.

وخلال الأيام الماضية عاد النظام ليثبت مجدداً أنه لا يرى في سوريا سوى مسرح كبير يسعى لإدارته كما يشتهي، فبعد جلسة “وعظية” للحكومة السورية أعطى خلالها بشار الأسد توجيهاته بالابتعاد عن المظاهر المسيئة لـ “بعض” المسؤولين.

وبناءً على أوامر الأسد فقد عممت وزارة الداخلية على قيادات الشرطة كافة لرصد أي مظهر مسيء والتعامل معه، وعليه فقد تمت إزالة الـ “فيميه” (الزجاج الملون العازل) عن عدد من السيارات في عدة محافظات، طبقاً لما تناقلته وسائل إعلام  النظام.

لكن هل يقتنع السوريون خصوصاً من يعيشون في مناطق النظام بهكذا ترهات تختزل مآسيهم بـ “فيميه”؟ بالتأكيد أن جزءاً كبيراً منهم إما ليس لديه الوقت لمتابعة هذه الأخبار نتيجة لهاثه اليومي خلف لقمة العيش، أوأنه يتابع لكنه يدرك بشكل بديهي أن لعبة النظام مستمرة، لكن من قال أن النظام سعى يوماً إلى الإقناع؟

تَعلَم الماكينة الإعلامية للنظام ودوائره المخابراتية التي تحيك الشائعات والأخبار أن الشعب لم يكن سابقاً ولن يكون اليوم بعد كل ما حدث، مهيئاً لتقبّل هذا الهراء بوصفه وجبة مستساغة لعقل سليم، لكن طالما أنها تعرف ذلك فهي ستواصل الاشتغال على ما هو رمزي (الفيميه يعبر عن الهيبة وتجاوز القانون) وإهمال ما هو جوهري ومعاش كتلك التغييرات والإجراءات التي تحفظ حياة الإنسان السوري وكرامته، ويتمثل السبب الفعلي لاستمرار هذا الأسلوب بكون النظام لا يقتصر على إشاعة إنجازاته بحق “الفيميه” بشكل رسمي باهت ومملّ، بل يحيطها بأجواء درامية تحوّل الأمر من مجرد تعليمات فارغة إلى “قضية” ذات أبعاد أو لنقل مسلسل يحوي حبكة وخط صراع واضح مع مجموعة من الممثلين والكومبارس.

بهذه الطريقة لم تكن التعليمات بإزالة “الفيميه” لتمرّ دون ضوضاء، فانبرى أبطال من شاكلة الفنان “علي الديك” ورئيسة مجلس الشعب “هدية عباس”، والعضو البرلماني الآخر “نجدت أنزور” كلٌّ حسب الدور المعطى له في هذه التمثيلية، أو حسبما تبرّع وارتأى.

وبدخول “الديك” في المشهد أصبح لدينا خط درامي أول إثر شيوع خبر يفيد بأنه تشاجر مع دورية تابعة للمرور في الساحل السوري، حيث طالبه عناصر الدورية بإزالة الفيميه عن سيارته، وذلك تنفيذاً لمطالب “بشار الأسد”! إلا أن “الديك” رفض تطبيق ذلك، وهدد عناصر الدورية بالنقل إلى محافظات درعا والسويداء.

وبذلك أصبح لدينا حالة “صراعيّة” أُولَى قطباها “الأسد” و”الديك”  نشأت من لا شيء وبفضل وسائل التواصل الاجتماعي وصفحات النظام ووسائله الإعلامية. والطريف في الأمر أن قناة “سما” تابعت الأمر واتصلت بالديك (كما كل النهايات الدرامية الجميلة) لينفي الفنان التهمة عنه ويبدد “الشائعات” ويؤكد تقديسه لكلام القائد!

وبعد هذه “الهمروجة “جاء الدور كما يبدو على رئيسة مجلس الشعب “هدية عباس” التي سمحت للنواب باستخدام “الفيميه” على سياراتهم، وذلك على خلفية ما حدث لأحد النواب الذي أوقفه شرطي مرور وأخذ سيارته ومسدسه والروسية التي يحملها بموافقة أمنية وبدأ بشتم النائب، طبقاً لما ذكره إعلام النظام.

وهنا أصبح لدينا مشهد جديد من التحدي، وعليه فقد انطلقت التأويلات وراحت الأقلام تكتب وتتساءل إن كان تعميم رئيسة مجلس الشعب سيفتح الباب أمام جهات حكومية أخرى بالحذو حذوها، وهل سيعد هذا الأمر تجاوزاً لتوجيهات الرئيس الأسد بطريقة غير مباشرة؟

مقالات وتحليلات كانت متوقعة و”ضرورية” لزيادة التشويق في هذا العرض الحيّ، لكن اللمسة الاحترافية جاءت أخيراً من نائب رئيس مجلس الشعب؛ المخرج الخبير بشؤون الدراما وخصوصاً الفنتازيا، نجدت أنزور، فعلى سبيل التنويع وزيادة الإثارة كما يظهر، حاول أنزور خلق حالة من الشد والجذب عبر اتخاذ موقف مغاير لما صدر عن “عباس” وهو ما من شأنه أن يرفع من قيمة القضية الأساسية “الفيميه” ويضخّمها،  وانتقد أنزور ضمنياً إثارة رئيسة المجلس لموضوع الفيميه للحصول على الموافقة لاستخدامه، معتبراً أن ذلك لا يعبّر عن رأي كل الأعضاء، ومشدداً على ضرورة أن يكون أعضاء المجلس أنموذجاً في تطبيق القوانين ومثالاً يحتذى به للمواطنين.

بهذه الطريقة صنع النظام ورجالاته، في مختلف المواقع والمؤسسات، من اللاشيء شيئاً، وبهذه الطريقة سيبقى نظام الأسد يهرب من حقائق القتل والتهجير والتخريب عبر نفخ “البالونات” وإشغال الناس بها.

[sociallocker] صدى الشام
[/sociallocker]