الأسد المفيد لسورية المحطمة


نزار السهلي

تنهمر الرسائل المفصحة عن دعم بقاء الأسد في سدة السلطة، فضلًا عن الرغبة في بقائه، مهما تكن النتائج المترتبة على جرائمه، طوال الأعوام الستة الماضية، رسائل لا تخرج من صندوق بريد حلفاء النظام، بل من بريد “حلفاء” الشعب السوري، إذ يبدو مسؤولو السياسة الخارجية الأميركيين صريحين عندما يعلنون: أنهم تركوا لموسكو أن تقرر مصير الأسد، صراحةً عبر عنها مؤخرًا في الجانب الآخر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تحديد موقع الأسد، بالنسبة إلى فرنسا، الخروج من التردد في الموقف -كما هو في عدد من المواقف- ينتقل للصراحة والمباشرة في المبادئ الاستراتيجية التي ينظر إليها غربيًا مما يجري في سورية، وتحديدًا تطور هذا الانتقال، بعد الأزمة التي تشهدها منطقة الخليج بين قطر من جهة، والسعودية والإمارات بالإضافة إلى مصر، مع ما حملته المواقف من شكوك عميقة، حول النظام السوري وموقعه ودوره في مستقبل سورية، إلا أنها تفصح، في كل مرة، عن الجهد الكبير الذي يبذله المعسكران “المتناقضان” حلفاء وأعداء النظام، في تأمين أوسع مجال حيوي، يضمن إنعاش النظام أطول فترة ممكنة. فبعد أن وفرت الولايات المتحدة قدرة هائلة من الطمأنينة والشكوك في مواقفها، في عهد أوباما نحو الأسد، يستعيد ترامب، من خلال أقطاب إدارته، بعثَ الإشارات الواضحة والمتماسكة لتحديد سياسة الولايات المتحدة من النظام السوري، بموجب الشعار الكبير “مكافحة الإرهاب” الذي يشكل خندقًا موحدًا بين الأسد والمجتمع الدولي، ومن دون النظر إلى الإرهاب الممارس على الشعب السوري، بطائرات ودبابات وصواريخ وبراميل، إلى كل الوسائل القاتلة التي جربها النظام.

تختفي كل آثار إرهاب النظام، من سطور رسائل أميركا، لفائدة واحدة بوجود الأسد “المحارب” في خندق الحلفاء والأعداء، فائدة تعم منذ ستة أعوام، لولا وجود الأسد لما كانت عظمة الفائدة تعم بشكلها الحالي. إسرائيليًا: وفّر الأسد مسرح سورية العملياتي بالقتل والتهجير والدمار والممارسات المشينة وجرائم الحرب، تفلتًا للمؤسسة الصهيونية، من ضغط الملاحقة من الجرائم، عربيًا: فائدة الأسد أضعفت المطالبة بكل القضايا الوطنية والأخلاقية وبمشروعية وحتمية نيل الحرية والديمقراطية، بحيث باتت فزاعة مآل الوضع الكارثي محلّ تندّر وتهجم على القضايا العادلة. دوليًّا: تشمل فائدة بقاء الأسد وتحطيم المجتمع السوري لإدامة فزاعة “الإرهاب” مدخلًا للتحلل من كل القضايا الإنسانية الكبرى، وستارًا تتلطى خلفه كل المواقف المنتهية للتمترس خلف مواقف “النأي” بالأخلاق والشعارات إلى حالة الانحدار المدوي.

توفير الطمأنينة ” لفائدة ” وجود الأسد في سورية المحطمة، أنعش آمالًا واسعة لأطماع مختلفة، سواء كانت متعلقة بالاستبداد أو الاحتلال أو الأطماع الإقليمية الأخرى المرتبطة بأحلام “إمبراطورية” فارسية أو روسية أو عثمانية غيرها، لكن في صلب مرامي رسائل توفير الحماية لمصير الأسد أميركيًا أو غربيًا، تتعلق بكبر حجم الوظيفة التي اضطلع بها وجود نظام الأسد، لتوفير سد منيع في وجه التحول نحو الديمقراطية في المنطقة، استعصاء الثورة السورية في تجلياتها المتشعبة يرتكز على تلك العوامل “المفيدة”، لإبعاد المخاطر المشتركة التي تشكل كلمة السر المجمع عليها في تململ المواقف أو تراجعها، على الرغم من فظاعة الجريمة المستمرة ودلائلها الفائضة والفاضحة، تُقرأ، بعنوان إسرائيلي عريض، مرتبتُه تتصدر أعلى الاهتمامات، من ناحية استثمار نتائج جرائم الأسد بـ ” تفوق أخلاقي” يسوّق له المحتل، في مجال العدوان والحصار والاعتقال وحتى المجازر.

تبقى فائدة الأسد، في الثورات المضادة، عاملَ استقرار للمقاومين لثورات الربيع وفزّاعة تُخوّف بها أنظمةُ الطغيان شعوبَها: “أتريدون وضعًا مثل سورية، وانتشارًا للإرهاب”، يقول الغرب والأميركيون والإسرائيليون، ليبقى الأسد المفيد لسورية المحطمة عنوانًا لمن تسول له نفسه أن يطالب بحرية أو ديمقراطية، ولكن من قال أيضًا إن الثمن غير ذلك؟ ولأن مصير الأسد مرتبط بمن يرى فائدته على ما يقول أعداء الشعب لسوري وحلفاء الأسد؛ فإن المصير سيكون على غير ما يرغب كتاب الرسائل، يقول الشعب السوري.




المصدر