الغلاء وتردي الأوضاع المعيشية يضطران أهالي حلب إلى تحديد النسل
6 تموز (يوليو - جويلية)، 2017
زياد عدوان: المصدر
يتداول الكثير من أهالي حلب، عبارةً أصبحت مشهورةً في المدينة المحتلة من قبل النظام وميليشياته، إذ أصبحت هذه الكلمات لسان حال كل مدنيٍ متزوج، وهي “بكفي ولدين حتى أقدر أمن لهم مستقبل ويحسنو يدرسو”، وذلك نتيجة الأوضاع المعيشية الصعبة وارتفاع الأسعار المستمر وعدم توفر فرص العمل.
وقررت العديد من العائلات أن تحدد النسل، وألا تنجب سوى طفلين، بسبب الغلاء الفاحش وتردي الأوضاع المعيشية، وفي ظل عدم توفر فرص عمل عامة أو خاصة لجأت النسبة الأكبر من العائلات إلى التوقف عن الإنجاب بعد الطفل الثاني، مكتفية بولدين أو ثلاثة كحد نهائي، حيث يتجاوز مصروف الطفل حديث الولادة أو ذو الستة أشهر أكثر من 35 ألف ليرة سورية شهريا، ما عدا شراء الملابس مقتصراً على الحليب والحفوظات وبعض الأدوية من مسكنات إلى جانب خافض الحرارة.
وتأتي هذه الإجراءات المتّبعة من قبل العائلات التي مازالت تقطن في مدينة حلب العاصمة الاقتصادية لسوريا، بعد تراجع نسبة العمالة فيها لأدنى مستوى منذ أكثر من خمسة أعوام، مع ارتفاع نسبة البطالة إلى مستوى كبير، الأمر الذي جعل النسبة الأكبر ممن تزوجوا خلال فترة الثورة السورية يحددون النسل بحيث لا يتجاوز عدد أولادهم الثلاثة، وخلال العام الماضي وحتى النصف الأول من هذا العام لم يتم تسجيل حالات ولادة بنسبة كبيرة للولد الرابع أو حتى الخامس، واقتصر تسجيل حالات ولادة الولد الأول أو الثاني لدى المتزوجين حديثا.
وقالت “أم أحمد”، وهي من سكان حي طريق الباب: “وضعت أول مولود في منتصف عام 2013، وتزامنت ولادتي مع دخول كتائب الثوار إلى مدينة حلب، ولم تكن الأوضاع المعيشية صعبة ولم تكن الأسعار مرتفعة وفرص العمل متوفرة، وقد أصبحت تتوفر معظم المواد الغذائية بأسعار مناسبة وأيضاً ازادت فرص العمل”.
وأردفت “أم أحمد” في حديث لـ (المصدر): “لكن بعد قيام النظام بقصف مناطقنا وقيام التجار باستغلال أوضاع المدنيين وخاصة الفقراء، أصبحنا نعاني أنا وزوجي من تأمين مستلزمات طفلي الأول، وبعد سنتين وضعت المولود الثاني، وهنا بدأت أمورنا المادية تتفاقم، فقررنا أنا وزوجي أن نتوقف عن الإنجاب، وبالفعل لم ننجب، وخلال شهر يناير من العام المنصرم تعرض زوجي للإصابة جراء القصف الجوي على حي طريق الباب، الأمر الذي تسبب بإعاقته وعدم تمكنه من العمل”.
وأضافت: “بالرغم من تلقينا المساعدات الإنسانية إلا مستلزمات أطفالي لم تكن موجودة بداخل حصص المساعدات الإنسانية، الأمر الذي زاد الأمور سوءً وتعقيداً خصوصاً في ظل عدم توفر المال لشراء الحليب والحفوظات لابني الثاني”.
وختمت “أم أحمد” قائلة: “أملت بأن تتغير الأوضاع بعد سيطرة النظام على تلك الأحياء، ولكن لم يتغير شيء، إذ أن ارتفاع الأسعار أصبح جنونياً ولا مساعدات إنسانية، ولم نحصل على مساعدات مالية بسبب وضع زوجي المقعد”.
في السابق كانت تسجل النسبة الأكبر من الإنجاب في مدينة حلب، وقد وصل عدد سكان المدينة بحسب آخر إحصائية منذ عدة سنوات إلى أكثر من سبعة ملايين نسمة لسكان حلب الأصليين، فكان يسجل يومياً ولادة أكثر من 35 طفلاً في المستشفيات الحكومية، كما أن سكان المدينة الذين كانوا يتباهون بكثرة عدد أفراد الأسرة، بدؤوا منذ مطلع العام المنصرم بتحديد عدد مرات الإنجاب لتقتصر على ولدين أو ثلاثة من خلال متابعة طبية.
وبسبب عدم وجود مراكز توعية للأهالي، تلجأ الكثير من العائلات إلى تطبيق الحد من ارتفاع عدد أفراد الأسرة وتجاهل فرص الإنجاب المستمر، الأمر الذي ينذر بتهديد النمو السكاني للمدينة التي انحسرت فيها نسبة ولادة الطفل الرابع والخامس.
وعلّقت طبيبة الأطفال “سعادة محمد” على الموضوع قائلة: “لقد انخفضت نسبة الولادات بشكل كبير في حلب، وخاصة منذ ثمانية أشهر، واقتصرت على الولادة الأولى أو الثانية، وذلك نتيجة تطبيق العائلات نظام الحد من الإنجاب المستمر، وهذا الأمر يهدد النمو السكاني، وسيكون له تأثيرات سلبية على المجتمع وخصوصاً من خلال قلة عدد أفراد الأسرة، والتي يجب أن يكون متوسط عددها ستة أشخاص في سوريا”.
وأوضحت الطبيبة في تصريح لـ (المصدر) أن “قيام العائلات بتطبيق الحد من الإنجاب هو نتيجة الغلاء وارتفاع الأسعار وقلة الرواتب وعدم توفر فرص عمل، فالراتب الشهري في سوريا للموظف أو العامل لا يتجاوز حاجز المئة دولار، وهو قليل جداً بالمقارنة مع الغلاء الفاحش، وإنجاب الطفل الثالث أو الرابع سيؤدي إلى حرمان أفراد الأسرة من عدة احتياجات ومتطلبات، مقابل تأمين الحليب والحفوظات للمولود الجديد، لذلك فإن الأزمة المعيشية الخانقة التي تشهدها مدينة حلب اضطرت الكثير من الأهالي إلى تحديد عدد أفراد الأسرة، وهنا تكمن مخاطر تهديد ووقف النمو السكاني”.
ومن خلال تطبيق العديد من العائلات قرار عدم إنجاب أكثر من طفلين، يرى شريحة من سكان مدينة حلب أن هذا القرار غير صائب بالرغم من ارتفاع الأسعار والغلاء الفاحش الذي تشهده المدينة.
[sociallocker] المصدر[/sociallocker]