عقلية جلاد سورية في نسختها اللبنانية


جيرون

تعيد وقائعُ قتل المعتقلين السوريين تحت التعذيب، في لبنان، بعد اقتحام مخيماتهم واعتقالهم، والسرعة التي أُجهِز فيها على المعتقلين، رسمَ عقلية التعاطي مع اللاجئين السوريين المتطابقة تمامًا مع عقلية الجلادين في دمشق، وتُفصح أيضًا عن الذراع الواحدة والعقلية المبررة والمنكرة لحدوث واقعة التعذيب والقتل، مع أن آثارها واضحة، ونظرًا إلى الضغوط التي تعرض لها أيضًا ذوو الضحايا، في شروط تسليم الجثامين ودفنها، فإن ممارسات العقلية الأمنية في دمشق وممارسات الحليف الميليشياوي في بيروت متطابقة تمامًا، حول ملف الاعتقال والاختطاف لمئات السوريين في لبنان لصالح النظام في دمشق، وهناك حديث عن سجون سرية، تقيمها الأجهزة الأمنية اللبنانية و”حزب الله”، فيها 5 آلاف معتقل سوري، منهم ناشطون وجنود منشقون عن جيش النظام.

اعتمد نظام الأسد، في بداية حملات قتل المعتقلين تحت التعذيب، على تسليم ذوي الضحايا “شهادة وفاة”، تُفيد بموت المعتقل بنوبة قلبية، بعد أن تعرّف مئات أسر الضحايا على علامات التعذيب الواضحة على أجساد أبنائهم وتوثيق ذلك، وتطور الأمر إلى عدم تسليم الجثة أو خضوعها لفحص الطب الشرعي، بوجود ممثل للنيابة العامة، واقتصر، في بعض الحالات، على الاتصال بذوي الضحية وإخبارهم أن يأتوا لاستلام متعلقات “المتوفّى”، كالهوية الشخصية المرفقة بشهادة الوفاة، حتى أصبح الأمر يخضع للسرية المطلقة دون الإفصاح أصلًا عن وجود معتقلين.

قضية قتل المعتقلين في زنازين الأسد، بعد تعرضهم للتعذيب الوحشي، من أكثر القضايا التي جُمعت حولها أدلةٌ كافية وطافحة، بالكاد أن تجد أسرة سورية ليس لها معتقل قضى تحت التعذيب أو تعرض للتغييب في سراديب الاعتقال، دون سبيل للسؤال عنه إلا بين أفراد الأسرة بشكل سري. “ما في أخبار عن فلان؟. لا والله… الله يفرج”، من أكثر العبارات المتداولة بين ذوي ضحايا الاعتقال أو التعذيب، كثير منهم علم بوفاة ابنه أو أبيه أو كل أبنائه، ولم يكن بمقدوره أن يجهرَ بالألم والقهر.

إذا كانت صور إذلال اللاجئين فوق الأرض بهذه البشاعة والحقارة في لبنان، فكيف هي في الأقبية تحت الأرض؟ لسنا بحاجة لذكاء الاكتشاف، لتنطلي رواية “النوبات القلبية” التي يستعيرها جلادو الشعب السوري من بعضهم، بالنسبة إلي وإلى كثيرين غيري، لا يمكن قراءة فعل شارون، في قبية وبحر البقر ودير ياسين وصبرا وشاتيلا، إلا إرهابًا، ولا يمكن قراءة ما يجري بحق السوريين، تحت أقبية الممانعة وفوقها، إلا جرائم إرهابية، تفوقت على الفاشية في بعض محطاتها السورية، وكلها تقود إلى موت السوري.

انبرت “نخب وأبواق” إعلامية لبنانية وسورية، في الدفاع عن جريمة قتل المعتقلين السوريين، وإنكارها. وتمجيد بسطار الجيش اللبناني الذي يعود إلى ثقافة أسدية تنتمي لمجد واحد، هذه “النخب” التي تتجاهل عجزها، لا تجد على يبدو إلا سياسة التعامي والإنكار عمّا يصدر من الجلادين من بطش وترويع، والقبول بكل الأكاذيب المبررة للجرائم، لا تتخفف الدهشة من دور الأبواق والنخب وارتداداتها، عندما لا تكون نابعة فقط عن عنصرية وتحقير، تنضح بها عقلية التعاطي مع السوري، سياسيًا وإعلاميًا وأمنيًا، لكنها تصنف وفق تصنيف العنصرية والبربرية في التعامل مع الإنسان السوري.

لعبت سياسة النظام وحلفائه في دمشق دورًا كبيرًا في تعميق الهوة ونظرة التعالي والعنصرية بحق السوريين، داخل أرضهم وفي أماكن لجوئهم العربية، من خلال الحطّ من قيمتهم وكرامتهم وثقافتهم والتعرض لمعتقداتهم، من قبل عصابة حاكمة محاطة “بأبواق ونخب” شائنة في طرحها واصطفافها لحماية المجرم وإيجاد الذرائع له بحشد كثير من الترهات السخيفة والمخجلة للعقل البشري.

نعترف أن الخذلان كبير حدّ الطوفان، بسقوط كذبة “دولة المواطنة” في لبنان، والتي ظل يتمسك بتلابيبها جلّ المحتفين ببطولات “جيش التعفيش” في دمشق وعصابات الضاحية ومجرميها، ادعاءات وشعارات تثير الكثير من الشفقة والاشمئزاز عن “أنهم الأخيار”، وأن البقية ليست إلا زمرًا من الإرهابيين والعبثيين متلبسون ثوب اللجوء، مات السوري، قبل التعذيب، قهرًا وغرقًا وتحت البراميل وتحت ركام المدن والقرى، لكن عار الإنكار لم يكن باستطاعته إخفاء الجرائم إلى ما لا نهاية، وهذا منطق التاريخ والحياة.




المصدر