أهالي مدينة الرقة يُقتلون ولا يُدفنون


جيرون

“محظوظ مَنْ ينال فرصة الدفن بعد موته، ومن يتسنّى لهم دفن جثث ذويهم في حدائق البيوت يكونون في أحسنِ حال”. بهذه الكلمات وصف الصحافي أحمد المحمود أحوالَ مدنيي الرقة، في ظل القصف الكثيف الذي يطال الأحياء المحاصرة، ويحصد معه يوميًا عشرات الأرواح.

وأضاف لـ (جيرون): “إن الجثث كثيرة جدًا لا مقابر تستوعبها، وقصف المقاتلات الأميركية لا يكاد يتوقف، والقصف المدفعي لميليشيا (قوات سورية الديمقراطية) لا يهدأ، وكل الحملات التي أطلقتها منظمات حقوقية وإنسانية، منذ اقتراب معركة الرقة، لتحييد المدنيين وتجنيبهم ويلات القصف لم يُطبّق منها شيء على الأرض، إذ لا يمكن تحييد المدنيين المحاصرين في 25 حيًا، وبينهم عناصر من (داعش) يحتمون بهم ويمنعونهم من الفرار، وأي مواطن يحاول الهرب يُقتل على أيدي عناصر التنظيم، فضلًا عن الانتهاكات التي يتعرض لها المدنيون، من قبِل ميليشيا (قسد) التي تسرقهم وتنكّل بهم وتستبيح قراهم”.

ونشرت وكالة (رويترز)، أمس (الخميس)، تحقيقًا مفصلًا أضاءت فيه واقع حال المدنيين في الرقة، والرعب والموت اليومي اللذَين يقاسونهما، مستشهدة بقصة أحد المدنيين: “عندما خرج أبو أحمد من منزله في الرقة، بعد ليلة من الضربات الجوية العنيفة، وجد العديد من جيرانه قتلى في الشارع، وقال: خرجت في الصباح التالي لأتفقد الأمر، أقسم بالله كانت القطط تأكل الجثث”. وأبلغ أبو أحمد (رويترز) في سلسلة رسائل صوتية من المدينة: “لم نستطع عمل شيء حيال الجثث، كانت متروكة وحسب”.

وأضاف: “الهجمات الجوية والمدفعية كانت بلا هوادة؛ ما جعل معظم الناس محاصرين بالداخل وغير قادرين على دفن القتلى، وشلّهم الخوف من الطائرات الحربية والقصف الذي تنفذه قوات تقاتل على الأرض، بدعم من الولايات المتحدة، فلم يجرؤوا على الخروج من منازلهم، الموت كان في كل مكان، رائحة الموت والدمار. إنه لأمر مروّع”.

أشار التحقيق إلى أن الأهالي يموتون بالجملة، وينازعون تحت الأنقاض حتى الموت دون أن يتمكن أحد من مساعدتهم. فقد “قصفت المقاتلات المباني والسيارات القريبة من مخبز الحي الذي أقطنه، وقتلت نحو 30 شخصًا، وذكر التحالف بقيادة الولايات المتحدة أنه يحقق في الأمر. في ذلك اليوم كان الناس يصرخون طلبًا للمساعدة في الظلام، وكانت المنازل تتهاوى مع سقوط القنابل، لم نستطع فعل أي شيء، تركناهم يموتون تحت الأنقاض.”

يوضح التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأميركية أنه “يبذل جهودًا كبيرة لتجنب وقوع خسائر في صفوف المدنيين”، وعلّق المحمود: “لا يمكن للتحالف حماية المدنيين، هذا هراء، ومنذ بدء تحضيرات المعركة كان التحالف على دراية بأن تحييد المدنيين مستحيل، أميركا لم تُعدّ العدة لمراعاة المدنيين وحماية أرواحهم، فحملة كبيرة لطرد (داعش) من الرقة، كان ينبغي أن يُخطّط لها، ولو كان لدى الولايات المتحدة نية حقيقية لمساعدة المدنيين ودرء المخاطر عنهم، لكانت على الأقل قدمتها للفارين من المدينة الذين افترشوا الصحراء، دون أن يأبه لحالهم أحد”.

قبل الإعلان عن معركة الرقة 6 حزيران/ يونيو الماضي، أطلقت عدة منظمات مدنية وإنسانية حملات تهدف لحماية مدنيي الرقة، وجّهت عبرها مجموعة من الإجراءات الواجب على التحالف اتباعها والتزامها قبل تنفيذ عمليات القصف، إلا أنها، بحسب المحمود، “أُهملت كليًا وبقيت حبرًا على ورق”.

تقدّر الأـمم المتحدة عدد المدنيين المحاصرين في الرقة بـ 100 ألف، وأبدت الأسبوع الماضي قلقها إزاء مصيرهم، وتشير الأرقام إلى أن عدد القتلى المدنيين، منذ بدء العملية قبل شهر، تجاوز 200 مدنيًا، فيما يؤكد ناشطون وحقوقيون أن الرقم أكبر بكثير.




المصدر