‘«الأرض لمن يُـحرّرها» … بحث فني في الهوية والانتماء’

7 يوليو، 2017

يحاول السينمائي اللبناني الشاب أحمد غصين الغوص دوماً في قضايا الهوية والانتماء والأرض. يـشعر بأن ثمة ما يجذبه الى تلك المواضيع. ينطلق من ذاكرته العائلية وما لديه من رسائل وأشرطة كاسيت وأخبار والديه الى المجتمع لفهم تركيبــتــه وتــشريح طبقاته.
«الأرض لمن يحررها» عنوان المعرض الفردي الأول له الذي يستضيفه «غاليري مرفأ» في بيروت حتى 31 آب (اغسطس) المقبل. ثمة حميمية في المعرض، إحساس بالانتماء الى الأعمال المعروضة. تؤكد ذلك الرسالة التي وجهها والد غصين إلى قائم مقام مرجعيون، يبلغه فيها عن تعديات التملك العشوائي التي تطاول مجرى مياه نبع وادي الحجير في جنوب لبنان. والرسالة أساس المعرض معروضة في اطار زجاجي.

ويحاول الفنان الشاب الذي عرض فيلمه القصير «تشويش» ضمن الدورة الأخيرة لمهرجان كان السينمائي، الانطلاق دائماً في أعماله الفنية والسينمائية من العائلة والمحيط والبيئة التي ينتمي اليها.

هذه الرسالة التي وقعت صدفة بيده، حضته على البحث في هوية الجنوب اللبناني، وتبين له أن هذه الأرض بلا خرائط بعد عام 1975، ومن أراد يستطيع أن يتملك أرضاً في بعض المناطق، شرط موافقة جيرانه المحيطين به، وزرعها مدة عشر سنوات.
إذاً نحن أمام معرض فني قوامه أعمال فيديو وصور فوتوغرافية ومنحوتات تسائل الدولة وتنتقد غيابها عن جزء كبير من لبنان، وترصد الاختلاط ما بين العام والخاص وما بين الأرض وما تحتها.

أسئلة عدّة يطرحها صاحب «أبي لا يزال شيوعياً» محاولاً في بعض الأوقات الحلول مكان السلطة من خلال نبشه خرائط جوية قديمة أو الاستعانة بـ «آخر كارتوغراف في الجمهورية» (16 د)، وهو فيلم عن أديب خالد الذي رسم غالبية خرائط لبنان بطريقة الكارتوغراف.
الفنان المولود في جنوب لبنان عام 1981، وعاش فيه حتى انتهائه من دراسته الثانوية، يدرك تماماً مدى حساسية مفهوم الأرض بالنسبة إلى المحيطين به، فمنهم من فقد شهيداً دفاعاً عنها، أو منزلاً هُدِم بقصف اسرائيلي. لذا يلاحظ المتابع لأعمال غصين الذي سيبدأ تصوير فيلمه الروائي الأول الطويل في أيلول (سبتمبر) المقبل، مدى حديثه عن موضوعي الهوية والانتماء في أعماله الفنية.

ويهدف مشروعه الذي ينطلق من أرض زائلة لا يمكن الوقوع على أي أثر لها، إلى مساءلة مفهوم الفضاء، الأرض وسماكة سطح الأرض، أي تكثيف عمقه قبل تسميته «تحت الأرض» في جنوب لبنان.

ليس لهذا الجزء من البلاد سجل مساحة رسمي، ولا معلومات عنه في دائرة الأراضي والمساحة في لبنان. كانت أعمال المساحة تُعتَبر من الأدوات الأساسية لـ «تحديث» البلدان، ما يتيح تسجيل الحدود بين العقارات العامة والخاصة وتصنيفها، ولم يكن يترتب عليها فقط تخطيط البنى التحتية الحديثة وتنفيذها، إنما أيضاً تنظيم العقارات الخاصة، وبالتالي إرساء تنظيم «موضوعي» أو «علمي» جديد للعلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

ينظر أحمد غصين في تبِعات هذه البيانات المفقودة انطلاقاً من تجربة شخصية، ويتمعّن في ممارسات الدول وآلياتها في ما يتعلق بوضع الخرائط، والجيوديسيا أو علم شكل الأرض ومساحتها، وقياس الارتفاع عن سطح البحر، وسواها من العلوم ذات الصلة.
ويستعمل غصين الحائز الماجستير في الفنون البصرية من الأكاديمية الوطنية للفنون (KHIO) في أوسلو، وإجازة في المسرح من الجامعة اللبنانية، في أعماله عدداً من الوسائط الفنية، منها فن الفيديو والتركيب، والفن في المساحات العامة، والصور الفوتوغرافية، والأفلام. ونقطة الانطلاق في عمله هي جمع الوقائع والمستندات ولقطات تصويرية وتحليلها، ومن ثم تلقيمها في عمل متكامل يستند إلى طاقات الصورة المتحرِّكة. ويهتم في عمله بالرابط بين التجارب البشرية الفردية والوقائع التاريخية والسياسية المشتركة. عمله مدفوع بالتجربة الشخصية والعاطفية، لكنه يركّز في شكل أساسي على الديناميات السياسية الأوسع في زمانه.

ويقول غصين الحائز جائزة أفضل فيلم قصير في مهرجان الدوحة السينمائي لعام 2011، إن الدولة اللبنانية لم تقس مستوى ارتفاع سطح البحر منذ الانتداب الفرنسي في عشرينات القرن الماضي. اذ كانت قوات الانتداب تحدد الارتفاع عبر قطع حديد تنطلق من مرفأ بيروت، تحتسب كل واحدة منها 500 متر مربع. لكن غصين لم يستطع العثور على عدد كبير من هذه القطع، فاستعان بأحدهم ليصب 20 قطعة حديد، أي ما يساوي ارتفاع بلدته القنيطرة عن سطح البحر، ووضعها في المعرض تحت عنوان «سر من أسرار الدولة».

[sociallocker] صدى الشام
[/sociallocker]