أكلة لحوم البشر


غسان الجباعي

الصراع جوهر الحياة وأحد شروطها وتجلياتها، وهو لا يزول –ربما- إلا بزوالها. وله أشكال وأدوات متنوعة لا حصر لها: مادي ومعنوي، ثقافي وفكري، وصراع مصالح ونفوذ وإرادات وقيم. ويعتبر الصراع المسلح أو (غريزة الحرب)، أشدها وأخطرها فتكًا بالحياة، ليس لأنه يؤدي إلى الموات فحسب؛ بل لأنه يعيدنا إلى غريزة القتل وعصر الكهوف وأكلة لحوم البشر، مدمرًا في طريقه العقل، وكل ما أنجزته البشرية من قيم إنسانية ومدنية!

أكل لحوم البشر كان حقيقة، وليس أسطورة من الأساطير! وقد أثبت العلم ذلك؛ مع أنه موغل في القدم، ناسبًا فكرة الحرب وقتل الآخر إلى تلك الغريزة الحيوانية. كما أثبتت الحياة التي نعيشها اليوم أنّ الإنسان يستطيع أن يأكل لحم الآخرين، مع أن البشرية، منذ فجر التاريخ، وهي تحاول جاهدة تنظيف أسنانها من ذلك الوحش القابع فيها!

حتى المخلوق البدائي تمكن من فهم اللعبة مبكرًا: فهو عندما يأكل لحم أخيه، إنما يأكل لحمه عمليًا؛ لذلك، ما إن بزغ نور العقل و”الدين” في رأسه، حتى استنكر، ثم حرم هذا السلوك القاتل، لأنه يشكل خطرًا، ليس على المأكول فحسب، بل على الآكل أيضًا. ولولا ذلك؛ لانقرض قطيع البشرية قبل ولادة الإنسانية بوقت طويل.

ثم إن الصراع يحتاج -كي يقوم- إلى قوتَين متكافئتَين بالضرورة، ما يسمح لكل منها، الأمل بالنصر. فالمعركة تصبع بلهاء عندما تكون بين فيل وسنجاب! والسؤال مع من تستطيع الثقافة أن تتصارع، وكيف يدافع الجمال عن نفسه!؟ هل يمكن أن نعتبر الحرب صراع ثقافات -كما يقال-، لكن بأدوات جارحة ومدمرة؟ هل هو صراع دبابة مع وردة! وهل يجب على المختلفين بالرأي أن يقتل بعضهم بعضًا! أليس من الأجدى أن يكتفوا بقتل رأي الآخر، وليس صاحبه؟!

يقول لك الساسة المحترمون في الشرق والغرب: “يجب علينا ألّا نرمي الطفل مع العربة”، يا لها من حكمة عتيقة! لكنهم يفعلون! فالشعب السوري طفل، وثورته طفلة أيضًا. كل ثورات الشعوب مواليد جديدة، تصرخ صرختها الأولى الملوثة بالدم، صرخة الحياة والحرية والعدل؛ فيتسابق طغاة الأرض لوأدها، ولا يتورعون عن رمي العربة والطفل، دون رحمة. ويقولون لك إنها ورقة سياسية..! ذروة السياسة أيها السادة ليست القتل الجماعي؛ فهو مهما حاولتم تجميله، ليس إلا جريمة إبادة جماعية، وقتل للحضارة الإنسانية، وعودة لشريعة الغاب والحيوانية.

إنكم، أيها السادة، تأكلون لحم نسائنا وأطفالنا نيئًا ومشويًا بالنابالم ومختنقًا بموج البحر والغازات السامة وركام المدارس والبيوت المدمرة. ولم تكن هذه جريمتكم الأولى، ولن تكون الأخيرة، فقد فعلتم ذلك في أمريكا وفيتنام وفلسطين والجزائر وراوندا وغروزني وسربرينيتسا وغيرها، وهذا ما تفعلونه الآن في العراق واليمن وليبيا والسودان.. تقتلون الصغار والكبار والأشجار والحجارة، وحتى الحيوانات، وترفعون راية حقوق الإنسان والدفاع عن الحياة والحضارة!

هل تذكرون، أيها “المتحضرون”، وجهَ الطفل عمران دقنيش؟ هل تذكرون جثة حمزة الخطيب، وآلان الكردي، وريماس قطيفان، وأسيل جبر، وثامر الشرعي، وهاجر الخطيب، وريان العميان، وعارف أبو نبوت، وأكثر من ثلاثين ألف طفل سوري، تعاونتم على تهشيم جماجمهم وخنقهم وحرقهم وذبحهم، ثم مسحتم أشداقكم بربطات العنق و”البابيونات” الحريرية والعمامات البيضاء والسوداء!

تظنون أنكم فارقتم أكلة لحوم البشر، يا من تملكون اليوم الطائرات والصواريخ العابرة للقارات والقنابل النووية والهيدروجينية والفسفورية والعنقودية..! يا من تتباهون بأم القنابل الأميركية وأبيها الروسي!؟ إن أكلة لحوم البشر أشرف وأنبل منكم، لأنهم كانوا وحوشًا صيّادين كالسباع والنمور، لا يعرفون ماذا يفعلون؛ أما أنتم فلستم أكثر من ضباع هذا العصر؛ وما طغاة الأنظمة و(داعش) و(القاعدة) و”أحزاب الله المذهبية والطائفية” المتعطشة للدم، سوى جزء من أنيابكم وأظافركم الفتّاكة.




المصدر