أهداف يسعى "حزب الله" لتحقيقها بتسريبه عن عملية عسكرية على عرسال.. ماعلاقتها بالتفاهمات الروسية الأمريكية بسوريا؟


يتردد، بلسان جهات سياسية لبنانية على صلة وثيقة بمركز القرار في ميليشيا "حزب الله" اللبنانية، أن الأخير حدد "ساعة الصفر" للقيام بعملية عسكرية مشتركة مع مجموعات من الوحدات الخاصة في قوات النظام ضد هيئة "تحرير الشام"، و"سرايا أهل الشام" اللتان تسيطران على مساحات واسعة من جرود وتلال بلدة عرسال اللبنانية، بالإضافة إلى سيطرة مقاتلين من تنظيم "الدولة الإسلامية" على جزء من تلال جرود عرسال.

يأتي هذا في ضوء تعثر المفاوضات التي ترعاها ميليشيا "حزب الله" مباشرة مع السوري محمد رحمة الملقب أبو طه العسالي الذي يتواصل مع قيادات هذه المجموعات.

حتى أن هذه الجهات السياسية التي تتمتع بثقة لدى ميليشيا "حزب الله" حددت بالنيابة عنه تاريخ الخامس عشر من الشهر الجاري لانطلاق العملية العسكرية بعد أن واجه أبو طه الموثوق به من الحزب وبعض الأطراف الرسمية السورية في آن، صعوبة في إقناع زعيم "تحرير الشام" في جرود عرسال أبو مالك التلي بتسهيل مهمة التفاوض للخروج مع مجموعته إلى الداخل السوري.

وأفادت معلومات لصحيفة "الحياة" بأن التلي يشترط مقابل خروجه من هذه المنطقة تأمين انتقاله إلى منطقة إدلب إضافة إلى شروط أخرى، ما أعاق مهمة الوسيط أبو طه.

كما تبين أن "تنظيم الدولة" ليس في وارد التفاوض ويصر على بقاء مجموعاته في جرود عرسال لعدم وجود مكان آمن تلجأ إليه داخل سوريا، وهو لذلك لا يرى مصلحة في إنجاح المفاوضات لأنه سيجد نفسه محاصراً من جهة ومكشوفاً أمنياً من جهة ثانية.

ولم يفقد أبو طه، كما تقول مصادر مواكبة للمفاوضات التي يجريها مع ميليشيا "حزب الله"، الأمل بالتوصل إلى نتائج ملموسة تسرع في انتقال المزيد من النازحين إلى قرى القلمون، خصوصاً أن الحزب في حاجة لإنجاحها لتمرير رسالة إلى المجتمع الدولي بأنه ليس شريكاً في الفرز الطائفي الذي لا يزال يحصل في عدد من المناطق السورية من خلال تهجير سكانها من السنّة، وهذا ما يريد تأكيده من خلال إعادة النازحين من جرود عرسال إلى بلداتهم.

ساعة الصفر

لكن تعليق المفاوضات حتى إشعار آخر، كما تقول هذه المصادر، "دفع ميليشيا حزب الله  إلى تحديد ساعة الصفر لشن هجومه لتنظيف الجرود من المجموعات الإرهابية والمتطرفة"، مستفيداً من زخم العملية النوعية الاستباقية التي نفذتها قوى من الفوج المجوقل في الجيش اللبناني في مخيمين للنازحين في عرسال الجمعة الماضي بحجة إحباط عمليات انتحارية ضد مناطق عدة في لبنان.

وهنا يمكن التساؤل هل فعلاً حددت ميليشيا "حزب الله" ساعة الصفر، لشن هجومه بمشاركة وحدات خاصة من قوات النظام، وأين المصلحة الأمنية والاستخبارية في تسريب موعد بدء العملية العسكرية التي يفترض أن تكون استباقية في الحفاظ على عنصر المفاجأة؟.

فمجرد الترويج من قبل الحزب لبدء هجومه في تاريخ معين، سيدفع المجموعات المسلحة إلى إعلان الاستنفار لمواجهته، إلا إذا كان يأمل من خلال تسريبه بأنه أعد العدة للهجوم على المنطقة، إلى ممارسة الضغوط النفسية والإعلامية والسياسية على هذه المجموعات لإجبارها على التراجع عن شروطها مقابل إخلاء جرود عرسال.

كما أن الضغط النفسي والإعلامي يمكن أن يفعل فعله لدى عائلات معظم هذه المجموعات التي تقيم في مخيمات النازحين في جوار بلدة عرسال التي قد تضطر للتحرك بغية إقناع من يمت بصلة القرابة إليهم إلى التعاطي بإيجابية مع المفاوضات.

وقد تكون لممارسة الضغط النفسي والإعلامي علاقة بما تردد في الأيام الأخيرة من توجه لدى موسكو وواشنطن للدخول في تنسيق مباشر للتخفيف من حدة تصاعد الحرب في سوريا عبر التفاهم على حدود المناطق الأمنية تمهيداً لإعادة ترتيب الوضع.

وفي السياق، لا تستبعد المصادر أن يكون لتهديد ميليشيا"حزب الله" ببدء هجومها في جرود عرسال أكثر من هدف غير مرئي، أوله "توجيه رسالة سياسة إلى موسكو وواشنطن بأن أي تفاهم بينهما يستدعي إشراك إيران فيه لما لديها من تأثير على آلاف المقاتلين من خارج سوريا الذين حضروا إليها للدفاع عن النظام بدعم عسكري ومادي من طهران".

التواصل مع النظام

إلا أن تعدد "السيناريوهات" لمبادرة ميليشيا "حزب الله" إلى الإعلان عن انتهاء استعداداته لشن الهجوم لإخراج المجموعات المسلحة من جرود عرسال التي باتت محاصرة من قبل وحدات الجيش اللبناني تمكنت من السيطرة على الممرات التي تصل الجرود بالبلدة، ونجحت في القبض على معظم خلاياها النائمة، ما أدى إلى شل قدرتها على تهديد استقرار لبنان، يطرح السؤال عن مصير دعوة "حزب الله" الحكومة اللبنانية إلى التواصل مباشرة مع نظام الأسد لإعادة النازحين إلى بلداتهم.

فالتواصل المباشر بين البلدين على مستوى الحكومتين دونه عقبات أبرزها أن النظام في سوريا لم يتخذ قراره حتى الساعة في إعادة النازحين، والمصادر المتابعة للملف تعتقد أنه يبدي ارتياحه إلى الفرز الطائفي من جهة وإلى اضطرار الملايين من النازحين للجوء إلى عدد من دول الجوار هرباً من الحرب بذريعة أن الوضع الحالي أمن له حداً أدنى من التوازن الطائفي والمذهبي، وإلا لماذا لا يجري مفوضات مباشرة مع الأمم المتحدة لتأمين إعادة النازحين برعاية أممية يعود لها وحدها تحقيق المناطق الآمنة التي يمكنهم الإقامة فيها.

وترى المصادر المعنية بأوضاع النازحين أن الدعوة إلى التواصل بين الحكومتين هي للاستهلاك الإعلامي والسياسي، في لبنان، وهذا ما يمكن استخلاصه من الموقف الأخير لسفير النظام في بيروت علي عبدالكريم علي الذي أعلن أن الأولوية في الوقت الحاضر لإعادة النازحين إلى الداخل السوري إلى بلداتهم وقراهم.

كما أنه سبق لرأس النظام بشار الأسد أن أشار في أكثر من حديث له إلى أن الأولوية لديه البدء بورشة الإعمار، ما يعني أن عودة النازحين مؤجلة.

وتقول مصادر وزارية متعددة، إن المزايدة على الموقف الرسمي للنظام من قبل أطراف لبنانية حليفة له سرعان ما تهدأ، لأن مجرد الإصرار على التواصل بين الحكومتين سيصطدم في نهاية المطاف بموقف سوري متشدد لأن عودة النازحين ليست بنداً مدرجاً على جدول أعمال الأسد وإلا ما المانع من ترتيب عودتهم بإشراف الأمم المتحدة من خلال المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، خصوصاً أنه لم يعد في مقدور لبنان أن يتحمل الكلفة الأمنية والاجتماعية والسياسية لهذا النزوح، الذي يفوق إمكاناته على التعايش معه.

وتشير المصادر إلى أن النظام يطمح من خلال ضغط حلفائه على الحكومة اللبنانية للتواصل مع حكومته، إلى إعادة تطبيع العلاقة السياسية بينه وبين السلطات اللبنانية، ولا شيء آخر، عبر استخدام ملف النازحين كمعبر وحيد لتحقيق رغبة الأسد بالانفتاح عليه.




المصدر