النظام السوري يخنق محيط دمشق: خطة لتطويق حي جوبر وتهجير القلمون


بعد تمكّنه من السيطرة على كامل مدينة حلب نهاية العام الماضي، كانت استراتيجية النظام السوري العسكرية للمرحلة التالية تقوم على ركيزتين: تقضي الأولى بالتوسع شرقاً باتجاه البادية السورية، حيث يدور تنافس دولي وإقليمي على تركة تنظيم “داعش” المتقهقر، وتتضمّن الثانية استكمال تأمين محيط العاصمة دمشق، بعد نجاح النظام خلال فترات سابقة في إخلاء العديد من مناطق الريف الدمشقي، بدءا من داريا والمعضمية وقدسيا، وصولاً إلى التل ووادي بردى والزبداني ومضايا.
وضمن هذه الاستراتيجية، لم يتبقّ أمام النظام لاستكمال الشق الثاني من هذه السياسة سوى السيطرة على الغوطة الشرقية ومعها حي جوبر، بعد أن نجح خلال الأشهر الأخيرة في تهجير سكان ومقاتلي حيي القابون وبرزة المجاورين لحي جوبر الذي يُعتبر آخر الاحياء التي تسيطر عليها المعارضة في شرق العاصمة دمشق.

وبعد أن عجزت قوات النظام خلال الأشهر والسنوات الماضية عن السيطرة على هذا الحي، على الرغم من تسويته تقريباً بالأرض من خلال آلاف الغارات الجوية والصواريخ مختلفة الأنواع، والقصف المدفعي شبه اليومي، بالتزامن مع مئات محاولات الاقتحام، قلّصت هذه القوات في المرحلة الراهنة هدفها إلى محاولة عزل الحي عن الغوطة الشرقية، لتسهيل محاصرته واقتحامه في وقت لاحق. والنقطة التي تستهدفها قوات النظام، وتحاول من خلال السيطرة عليها تحقيق هذا العزل، هي منطقة عين ترما الملاصقة لحي جوبر من جهة الغوطة، والتي تشهد قصفاً يومياً من قِبل قوات النظام، ومحاولات اقتحام دؤوب، تقول مصادر النظام إنها حققت خلالها بعض التقدّم لجهة السيطرة على وادي عين ترما، الأمر الذي تنفيه مصادر المعارضة.

ودارت اشتباكات عنيفة أمس الجمعة بين مقاتلي المعارضة الذين ينتمي أغلبهم إلى فصيل “فيلق الرحمن”، وقوات النظام والمليشيات التي تسانده في محيط بلدة عين ترما، وسط قصف صاروخي مكثّف من قوات النظام على الأحياء السكنية في البلدة، مما خلّف أضراراً مادية في ممتلكات المدنيين، في حين شنّت الطائرات الحربية التابعة للنظام غارات جوية مكثفة على البلدة.

وقال الصحافي علاء الأحمد، الموجود في الغوطة الشرقية، لـ”العربي الجديد”، إن النظام يسعى في الوقت الراهن إلى محاصرة حي جوبر والسيطرة على المتحلق الجنوبي، تمهيداً للسيطرة لاحقاً على حي جوبر. واستبعد الأحمد أن يتمكن النظام من تحقيق هذا الهدف لأن “الغوطة الشرقية في ريف دمشق تختلف عن كل المناطق التي تمت تسوية وضعها، إذ هناك تصميم كبير لدى أبناء الغوطة على مقاومة هذه المحاولات على الرغم من الخلافات التي تصل إلى حد الاقتتال بين فصائل الغوطة”، مشيراً إلى أن “فيلق الرحمن” هو “الوحيد الذي يقاتل النظام حالياً في جوبر وعين ترما وزملكا، كون هذه المناطق تابعة له”.

وحول مزاعم النظام بشأن تمكنه من تحقيق تقدّم في المنطقة، قال الأحمد إن قوات النظام سيطرت على نقطة واحدة فقط، وهي عبارة عن منزل عربي، و”لم تستطع السيطرة عليه إلا وهو ركام، بسبب قصفها العنيف على تلك المنطقة بصواريخ أرض-أرض، فضلاً عن استخدامها المتكرر للسلاح الكيميائي”. وأكد أن النظام استخدم الكيميائي للمرة الخامسة خلال حملته الراهنة، آخرها أمس الأول الخميس. وكان المكتب الطبي في حي جوبر قد أصدر بياناً أكد فيه معالجته لمصابين استنشقوا مادة سامة بعد قصف للنظام. وأوضح المكتب أن الأعراض شملت ضيق النفس والسعال والغثيان وحرقة في العينين، مؤكداً أن المصابين تعرضوا لغازات سامة، يرجح أنها غاز الكلور.

كما دان المجلس المحلي لمدينة زملكا “العدوان الهمجي الذي يشنّه نظام الأسد ومليشياته الطائفية على مدن وبلدات الغوطة الشرقية ومنها مدينة زملكا، والذي يستخدم فيه كافة أصناف الأسلحة، ومنها الهجوم بالسلاح الكيميائي باستخدام غاز الكلور المحرم دولياً”، مما تسبّب بمقتل وإصابة الكثير من أبناء المدينة على الرغم من أنها مشمولة بتفاهم مناطق تخفيف التصعيد.
من جهتها، قالت صفحات موالية للنظام إن “الجيش يسعى إلى كسر معادلة الردع التي انتهجتها المجموعات المسلحة بقصف الأحياء الدمشقية، الأمر الذي مهد لعملية عسكرية موسعة لتأمين شرق العاصمة، وحماية المدنيين من القذائف التي غالباً ما أتت من جوبر وعين ترما وزملكا”.

وزعمت مصادر النظام أن “جبهة النصرة” (فتح الشام) هي القوة الرئيسية في تلك المناطق، الأمر الذي تنفيه مصادر محلية مؤكدة أن “فيلق الرحمن” هو القوة الوحيدة في المناطق الثلاث المذكورة، مشيرة إلى أن قوات النظام طوّرت صاروخ “الفيل” ليصبح فعالاً على الكتل الإسمنتية والتحصينات المتينة، إضافة إلى استخدام كاسحة الألغام 77- UR ضد الأنفاق المتشعبة في هذه الجبهة.
كما قالت مصادر النظام إن قواته تمكّنت خلال الأسبوعين الماضيين بعد بدء “العملية الأضخم في محور شرق العاصمة، من كسر أهم قلاع الدفاع للمسلحين في محور عين ترما-جوبر ومحور جوبر-زملكا، وسيطرت على مساحة تُقدر بكيلومتر طولاً و600 متر عرضاً، من ضمنها العقدة الاستراتيجية في محيط مستشفى عين ترما، وتمت تصفية أكثر من 100 مسلح معظمهم من أتباع جبهة النصرة، وتدمير منصات لإطلاق الصواريخ ومرابض للهاون وسيارات تحمل رشاشات ثقيلة”.

وفي غمرة هجوم قوات النظام هذا، سيطر مقاتلو “هيئة تحرير الشام” على نقاط ومواقع تتبع لفصيل “جيش الإسلام” في منطقة الأشعري، جنوب الغوطة الشرقية. ويقول “جيش الإسلام” إن “فيلق الرحمن” دعم مجموعات “جبهة النصرة” (فتح الشام حالياً المنضوية تحت راية هيئة تحرير الشام) في الهجوم. وكان “جيش الإسلام” قد سيطر في 30 مايو/أيار الماضي، على مزارع الأشعري، بعد معارك في المنطقة استمرت لأيام.

من جهة أخرى، أعلن فصيل “أسود الشرقية” التابع للمعارضة السورية، أن القيادي في قواته خالد محمود عذية، قُتل برصاص مجهولين في القلمون الشرقي بريف دمشق. ويُعتبر “جيش أسود الشرقية” أحد أبرز القوى العسكرية التي تقاتل النظام وتنظيم “داعش” في البادية السورية، وتمكّن في الآونة الأخيرة من السيطرة على مواقع مهمة في المنطقة.

يأتي ذلك، بينما وجّه النظام السوري رسائل للأهالي والمعارضة في القلمون الشرقي بريف دمشق الشمالي، طالب فيها بتشكيل لجنة للتفاوض من أجل “المصالحة” أو التهجير، وذلك بالتزامن مع إغلاق الطرق المؤدية إلى بلدتي جيرود والرحيبة، وقصف جوي على مواقع المعارضة في منطقة الضبعة.
وقال “جيش أسود الشرقية”، إن طيران النظام استهدف بشكل مباشر مواقعه بست ضربات في منطقة الضبعة بالقلمون الشرقي، وذلك في إطار تصعيده على المنطقة منذ أيام عدة بهدف الضغط على المعارضة وأهالي القلمون الشرقي، للقبول بشروط المصالحة التي أرسلها النظام إلى “المجلس المحلي” عبر وسطاء. وأكد المتحدث باسم “أسود الشرقية ” سعيد الحاج في تصريح، أن فصائل المعارضة المسلحة في القلمون الشرقي مصممة على عدم قبول شروط النظام وحلفائه، ومستعدّة للقتال في حال بدأ النظام عملاً عسكرياً في المنطقة.

وتحدثت مصادر محلية لـ”العربي الجديد” عن قيام النظام برعاية روسية بخطوات استباقية لفرض شروطه في المنطقة، إذ قام بحصار مدينتي جيرود والرحيبة في القلمون، عبر إغلاق الحواجز والطرق ومنع الدخول والخروج وإدخال المواد الغذائية. وأوضحت المصادر أن المجلس المحلي في جيرود تواصل بشكل مباشر مع الطرف المفاوض من النظام والقوات الروسية، وتم الاتفاق على تهدئة الوضع وتشكيل لجنة للتفاوض تشمل المنطقة بالكامل وليس جيرود فقط.

شروط “المصالحة” التي طرحها النظام على مدينتي جيرود والرحيبة، قد تؤدي إلى تهجير آلاف المدنيين من المنطقة إلى الشمال السوري في حال قبولها، إذ يتم تخييرهم ما بين الخروج إلى الشمال، أو تسوية أوضاعهم مقابل دخولهم في قوات النظام. وكان النظام قد هجّر المعارضين له من مدينة التل في القلمون الغربي بريف دمشق الشمالي إثر “اتفاق مصالحة” تم تنفيذه في شهر ديسمبر/كانون الأول نهاية العام الماضي، كما هجر العديد من مدن وبلدات ريف دمشق الأخرى.

ويسعى النظام من خلال العملية التي ترعاها روسيا إلى تأمين محيط مطارات السين والناصرية والشعيرات العسكرية في منطقة القلمون الشرقي، من الصواريخ التي تطلقها المعارضة المتمركزة في جبال المنطقة، كما يريد تأمين خط الغاز المغذي لمدينة دمشق. وتضم مدينتا جيرود والرحيبة أكثر من 50 ألف مدني، وتخضعان لـ”هدنة” بين النظام وفصائل مسلحة من المعارضة، وذلك نتيجة قرب المدينتين من خط الغاز المغذي للمحطة الحرارية المسؤولة عن توليد الكهرباء في مدينة دمشق والمطارات العسكرية.



صدى الشام