تشبيح ورشوة… هل تصبح جبلة مدينة سياحية؟


عارف محمود

استقبلت بلدية جبلة الموسمَ السياحي مبكرًا، قبل أشهر قليلة، بهدم عدة مقاهٍ على الكورنيش البحري، بعد أن انتهت مدة استثمارها، وطُرحت مواقعها للاستثمار مجددًا بشكل مؤقت، وأسرعت البلدية بترميم عدة حدائق صغيرة منتشرة على الكورنيش، لامتصاص استياء سكان المدينة وريفها؛ ذلك أن الكورنيش البحري يُعدّ المتنفسَ الوحيد لهم، خلال فصل الصيف. وتنفيذًا لمشروع إعادة ترميم الكورنيش البحري على طول الخط الساحلي السوري، وقد تحدث عنه وزير السياحة في زيارته لمدن طرطوس وجبلة واللاذقية.

في شهر نيسان /أبريل الأخير، مُنِع أي إشغال لحدائق الكورنيش، ولو كان من بائع قهوة، ووضعت البلدية مقاعد ملونة جديدة في الحدائق المرممة! ووضعت خطة لإنارة الكورنيش بـ “الليدات”!

تزامنت حملة هدم المقاهي المخالفة مع حملة أخرى لجباية الضرائب والرسوم المتعلقة بالمنشآت التي تعود ملكيتها لوزارة الإدارة المحلية، وتم تحقيق نسبة جباية 50 بالمئة من اعتمادات العام الجاري، أي ما قيمته 120 مليون ليرة، وفقًا لتصريحات مجلس المدينة، ومع ذلك، وبذريعة الظروف الأمنية، لم يبدأ تنفيذ مشاريع قديمة، مثل مشروع فندق جبلة أو استكمال مشروع المول التجاري في مركز المدينة، وهو مشروع قائم منذ عام 2010. وعُرقِل مشروع آخر لمجمع سياحي على الكورنيش البحري، تأخر البدء بتنفيذه بذريعة عدم جدية المستثمر! يقول عماد (مستثمر لمقهى على الكورنيش) لـ (جيرون): “مجلس المدينة والبلدية مستفيدون من تأخر تنفيذ المشاريع، فكلما زاد التأخير زادت قيمة الرشا التي يتقاضونها”. ويقارن عماد بين تنفيذ القانون بالجرافات، بحماية عناصر الشرطة حين يتعلق الأمر بهدم منشأة بداعي عدم تجديد عقدها الموسمي، وبين عجز ذلك القانون، عندما يتعلق الأمر بمجرد فسخ عقد لمستثمر تجاوز المدة الزمنية لتنفيذ مشروع عقده! ويضيف عماد: “تُرصَد المبالغ الكبيرة لتنفيذ مشاريع ضخمة، وينتهي الأمر بتغيير بلاط زقاق هنا ورصيف هناك”.

إن كثرة عدد المشاريع التي يطمح لتنفيذها مجلس مدينة جبلة وبلديتها يعطي انطباعًا لدى أهالي المدينة، بعدم الجدية، على الرغم من رصد المبالغ اللازمة لتلك المشاريع، خصوصًا مع التجارب السابقة التي مر بها أهالي المدينة، فمشروع إعادة بناء مستشفى المدينة الوحيد باق على حاله، منذ عام 2009. ودائمًا ما يبدأ الهدم دون وجود خطة زمنية للتنفيذ، ومشروع بناء المتحلق الشرقي مثالٌ حيّ على ذلك.

وفي هذا الصدد، يقول سامر أحد سكان حي الصليبة القديمة: “قامت ورشات الصيانة التابعة للبلدية بإعادة رصف ممرات حي الصليبة، ولكن التنفيذ كان سيئًا ولا يتلاءم مع البيئة التاريخية لأقدم أحياء المدينة”. ويلفت سامر النظر إلى ناحية مهمة، وهي الاهتمام بالناحية التاريخية للمدينة، فلا يمكن تنشيط سياحة مدينة ما، دون رعاية أماكنها الأثرية. ويضيف: “الحديقة العامة الأكبر في المدينة التي تحيط بالمدرج الروماني أشبه ما تكون بغابة!”. ويتساءل إن كان يمكن الثقة بمن لم يستطع العناية بحديقة! كيف يمكن ائتمانه على مشاريع سياحية على هذا المستوى؟!

يبقى القول إن المشاريع السياحية والاستثمارية، لكي يثق الناس بها وبمن يقوم عليها، لا بد من أن يرافقها مناخ من أمان الناس على أرواحهم، قبل أي شيء. فالموسم السياحي، هذا العام في مدينة جبلة، بدأ بحادثتَين أولاهما انهيار لمقهى شعبي على الكورنيش؛ أسفر عن مقتل امرأة وإصابة آخرين. وثانيهما مقتل شابَّين من آل جديد، على مقربة من الكورنيش البحري خلال أقل من شهر. وغير ذلك من المشاهدات اليومية لمظاهر التشبيح العلني والمضايقات التي يعاني منها روّاد الكورنيش البحري في مدينة جبلة.




المصدر