جهوزية تركية في محيط عفرين… وخطاب لرأب الصدع مع السوريين


إيفا رشدوني

يبقى التوتر سيدَ الموقف في أروقة الحكومة التركية، من جرّاء تمدّد ميليشيا (وحدات حماية الشعب) شمال سورية، وذلك على الرغم من تصريحات السفير الأميركي لدى أنقرة جون باس بأنّ بلاده “لا تدعم أيّ عملية عسكرية داخل الأراضي السورية، من شأنها أنْ تُلحق الأذى بتركيا حاليًا وفي المستقبل. وأنّ الولايات المتّحدة تؤمن بأنّ لتركيا كامل الحق في الدفاع عن نفسها وتأمين حدودها”.

ويرى باس أنّ على الدول المشاركة في التحالف الدولي لمكافحة “تنظيم الدولة الإسلامية”، بما فيهم تركيا، توجيهَ جلّ اهتمامهم لتطهير محافظة الرقة والقضاء على التنظيم في هذه المدينة. وأكّد نائب رئيس الوزراء التركي نعمان قورتولموش، “مشروعية الاستعدادات العسكرية التركية في شمال غرب سورية”، وأنها تأتي في “إطار صدّ أيّ تهديد قد تتعرض له تركيا من قبل القوات الكردية في محيط عفرين” وشدد على أنّ “تركيا ستردّ على أي تحرك عدواني”. وأشار قورتولموش إلى الدعم الأميركي لهذه المجموعات الكردية قائلًا: إن “الولايات المتحدة شكّلت أكثر من مجرد منظمة إرهابية هناك.. شكلت جيشًا صغيرًا”.

وأكّدت الحكومة التركية، قبل أيام، ضرورةَ تطهير مدينة عفرين بريف محافظة حلب السورية من إرهابيي “حزب الاتحاد الديمقراطي/ PYD” الذي يعدّ امتدادًا لمنظمة “حزب العمال الكردستاني/ PKK” المُصنفة في قائمة الإرهاب لدى تركيا.

في سياق منفصل قال وزير الداخلية التركي سليمان صويلو: إنّ مجموع عدد اللاجئين السوريين الذين عادوا إلى بلادهم بلغ 450 ألفًا. وأوضح، في اجتماع مديرية إدارة الهجرة، أنّ قرابة 200 ألف من اللاجئين السوريين غادروا تركيا، عبر المعابر الحدودية البرية والجوية، و225 ألف منهم من عاد إلى سورية طوعًا، وقرابة 25 ألف تمّت إعادتهم إلى بلادهم بسبب ارتكابهم جرائم مختلفة. وأكّد صويلو أنّ عدد السوريين العائدين إلى بلادهم سيزداد، عقب إتمام تجهيز البنية التحتية لمدينة الباب بريف محافظة حلب الشمالية، بعد أنْ حُرّرت من “تنظيم الدولة الإسلامية”.

جدير بالذكر أنّ الفترة الأخيرة شهدت توترًا بين شريحةٍ من المواطنين الأتراك، وعدد من اللاجئين السوريين، وأعلنت الحكومة التركية أنّ الاحتقان الحاصل بين الجانبين ناتجٌ من “تحريض جهات معينة، تسعى من خلال ذلك إلى تحقيق مكاسب سياسية داخلية”.

وفي وقت سابق، ذكرت وزارة الداخلية التركية إنّ “نسبة انخراط السوريين في المشكلات والأحداث المؤسفة متدنية جدًا، مقارنة بعدد الجرائم التي تُرتكب في تركيا”. وأوضحت الداخلية التركية في بيان رسمي أنّ “تضخيم الأحداث المؤسفة التي تقع أحيانًا بين اللاجئين السوريين والمواطنين الأتراك، في بعض الأماكن، يهدف إلى زرع الفتنة بين الطرفَين، وجعلها أداة لاستخدامها من أجل تحقيق غايات سياسية داخلية”.

وأشارت إلى أنّ جهات معينة تتعمد “تضخيم الأحداث، وتروج لها بشكل لا يتوافق مع معايير حسن الضيافة والعمل بمبدأ الأنصار والمهاجرين، ويُحدث شرخًا داخل المجتمع”. ولفتت إلى أنّ “نسبة انخراط السوريين في الأحداث التي تُخلّ بالنظام العام في تركيا، خلال الفترة الممتدة بين عامي 2014 و2017، بلغت نحو 1.32 بالمئة من إجمالي الجرائم التي حصلت في البلاد”.

وأضاف بيان الوزارة أنّ “قسمًا كبيرًا من المشكلات التي كان السوريون طرفًا فيها جرت نتيجة خلافات شخصية بينهم وبين مواطنين أتراك آخرين”. وأوضح بقوله: “تراجعَ عدد الجرائم التي ارتكبها السوريون، خلال النصف الأول من العام الحالي، بنسبة 5 بالمئة، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وذلك رغم زيادة عددهم داخل الأراضي التركية”.

في السياق ذاته، شدّدت وزيرة شؤون الأسرة والسياسات الاجتماعية فاطمة بتول سايان كايا، أنّ “كلّ من يقوم بالمؤامرات والألاعيب بهدف التحريض على الإخوة السوريين، لا يختلف عن النظام السوري الظالم بشيء”.

جاء ذلك في سلسلة تغريدات نشرتها، مساء الخميس الماضي، على موقع (تويتر) أدانت فيها بشدّة حادثة مقتل امرأة سورية لاجئة مع طفلها في ولاية ساكاريا شمال البلاد. وقالت الوزيرة التركية في هذا الإطار: “لا يمكن لمرتكب هذه الجريمة أنْ يكون إنسانًا، وإنّ الإرهاب والوحشية لا عرق لها ولا قومية، راجية إنزال أشدّ أنواع العقاب بالمجرم”.

وأشارت سايان كايا إلى أنّ “الجمهورية التركية التي فتحت أبوابها واحتضنت برحمة كبيرة كافة المظلومين عبر التاريخ، ستواصل فتح أبوابها للإخوة السوريين أيضًا”. وأكدت أنّ بلادها “لن تسمح لأحد بإيذاء الإخوة السوريين أو استخدام قضيتهم لخدمة مخططاته السوداء”. وأضافت أنّ “بلادها ستواصل إفساد كافة المؤامرات التي تستهدف وحدة الشعب التركي وتكاتفه من خلال المحافظة على علاقات الأخوة في البلاد”.

جدير بالذكر أنّ قوات الأمن التركي عثرت الأسبوع الماضي على جثتَين لامرأة سورية حامل في شهرها السابع، وطفلها ذو الـ 10 شهور، في إحدى غابات ولاية ساكاريا، حيث قَتل شابّان تركيّان المرأةَ، بضربات على رأسها بالحجارة، بعد اغتصابها.

يأتي هذا بعد إطلاق ناشطين أتراك حملةً على مواقع التواصل الاجتماعي بعنوان (أرسلوا السوريين إلى منازلهم) وذلك في أول أيام عيد الفطر. وبلغت الأزمة ذروتها بعد وصول وسم (أرسلوا السوريين إلى منازلهم) إلى صدارة قائمة الوسوم الأكثر تداولًا على موقع التواصل الاجتماعي (تويتر) في تركيا، حيث طالب المستخدمون الأتراك الذين تداولوا الوسم بإعادة جميع السوريين اللاجئين في بلادهم إلى سورية، وحمّلت كثير من التغريدات عبارات وشتائم عنصرية بحقّ اللاجئين السوريين.

من جانبها دعت عموم المساجد في الولايات التركية في خطبة الجمعة الماضية، الشعبَ التركي للحذر واليقظة والفطنة تجاه حملات مسيئة تستهدف اللاجئين السوريين في البلاد. وأشار الأئمة الأتراك، في خطبة الجمعة الموحدة في كافة المساجد، إلى أنّ البلاد تشهد في الآونة الأخيرة، بأسى وأسف، جملةً من الحملات التي تريد إلقاء الظلّ على نُبل الشعب التركي وكرمه، وتحاول بعض الأوساط تسيير عمليات تسيء إلى الإخوة السوريين.

ولفت الخطباء إلى أنّ الشعب التركي يعدّ أنصارًا للمهاجرين على مرّ العصور، اقتداء بالرسول (ﷺ) وصحبه الكرام، ففتح أبواب قلبه للاجئين دون تمييز من حيث الدين واللسان والعرق، ووقف بجانب المظلومين واليتامى والمساكين أينما كانوا. وأكدّت الخطبة على أنّ “أدعية الغرباء والمساكين الممزوجة بدموعهم تعدّ قوةً… فأعزنا الله وأكرمنا دائمًا بحرمة هذه الأدعية الصادرة من صدور المظلومين”.




المصدر