صحيفة روسيسكايا غازيتا: كيف قيَّمت وسائل الإعلام الأميركية اللقاءَ الأوَّل بين بوتين وترامب


سمير رمان

المحتوى

مقدمة……………………………………..1

أفضلية الدبلوماسية………………………..2

(روسيا–غيت) قبل أيّ شيءٍ آخر………….3

ترامب يُفشِل الابتزاز……………………..4

لمنْ ستكون الغَلَبة…………………………5

مقدمة

أثار اللقاء الأوّل، بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترامب، ردّةَ فعلٍ مختلطة في أوساط الإعلام الأميركي التي فوجئت بمدَّة اللقاء وطبيعته العملية.

كان الاهتمام عظيمًا باللقاء الذي جرى يوم الجمعة على هامش قمَّة العشرين، في هامبورغ الألمانية، وتمَّ الاجتماع في جوٍّ بالغ الصعوبة، فقد أصبح من الخطر مجرَّد التذكير بروسيا في واشنطن.

يكفي أن نتذكَّر الفضائح التي أثيرت، بعد لقاء وزراء خارجية روسيا الاتحاديَّة سيرغي لافروف والولايات المتحدة الأميركية ريكس تيليرسون. في مثل هذه الظروف، أصبح موقف النقّاد المتحفّظ نجاحًا لترامب، حتى في وسائل الإعلام المناهضة لترامب، كـ (واشنطن بوست)، (نيويورك تايمز)، و(CNN)، حيث ظهرت تعليقاتٌ ليست بالقليلة تعترف، بشكلٍ أو آخر بنجاعة اللقاء؛ وهذا يدلُّ بوضوح على أنَّ المباحثات فاقت التوقّعات.

أفضليَّة الدبلوماسيّة

يعتبر المعلِّق في صحيفة (واشنطن بوست) ديفيد إيغنيشيس أنَّ الأمر المهمَّ في اللقاء، أنَّه قد يصلح ليكون نقطة انطلاقٍ لـ “استعادة الحوار بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية، بعد فترةٍ طويلة من تدهور العلاقات بينهما ووصولها إلى مستوًى خطر”. وكتب الصحفيّ: “على الرغم من كون ترامب رئيسًا جديدًا، يبدو أنَّه تمكَّن من تجنُّب الأخطاء الواضحة التي تحدث في لقاءاتٍ من هذا المستوى. وعلى العكس، ذكَّرَنا اللقاء بأفضلية الدبلوماسيَّة”.

أبرزت كثير من وسائل الإعلام الاتفاقَ حول سورية كنتيجةٍ رئيسيَّة مباشرةٍ للقاء. يرى إيغنيشيس أنَّ لقاء هامبورغ “قد يكون بداية مهمّة لاتفاقٍ دبلوماسيّ، لأنَّ الهدنة المقترحة في سورية يمكنها إنقاذ الحياة في هذا النزاع المأسوي، وأن تؤدي لزيادة مساحة المناطق الآمنة”. ويقول المعلِّق إنَّ “أساسًا قد أُرسيَ لبذل جهودٍ أُخرى تقوم بها روسيا والولايات المتحدة؛ لتخفيف توتر النزاع في سورية وعدم استقرار الوضع في ذلك البلد”. ويفترض المحلل أنَّ اللقاء “مفيدٌ” للحوار، حول البرنامج النووي لكوريا الشمالية. ويعتقد أنّ بإمكان ترامب أنْ “يعلن النصر، ولكنّ بوتين حصل على الفائدة الأكبر، لأنَّه سيستغلّ اللقاء في إمكانيّة الخروج من العزلة الدبلوماسيّة” التي فُرِضت على روسيا في أعقاب ضمِّ القرم إلى روسيا عام 2014. ويؤكِّد الصحفيّ أنّ “ترامب لم يقدِّم تنازلاتٍ جديّة حتى الآن؛ فالعقوبات على روسيا بقيت فعّالة، ولم تُعَد الممتلكات الدبلوماسية الروسية المصادرة في الولايات المتحدة”.

من جانب آخر، صرَّح محلِّل قناة CNN ديفيد غيرجن الذي ينتقد ترامب عادةً، بأنَّ ترامب، يوم الجمعة، “ظهر رئيسًا”، وأردف: “لقد بدا ناضجًا، وقد شهدنا، للمرة الأولى خلال الأشهر الماضية، ظهورَ حالة طبيعية بعد لقاء ترامب وبوتين الذي استمرّ أكثر من ساعتين ونصف الساعة، وهذا ما نتوقّعه من الرئيس”.

قال عضو الكونغرس، الديمقراطي مايك غيغلي: إنَّ مدّة اللقاء هي “مؤشرٌ جيد، ويدلّ استمرار اللقاء على أنَّ إدارة الولايات المتحدة الأميركية تدرك حجم العلاقات المعقّدة التي عليها القيام بشيءٍ ما حيالها”.

(روسيا-غيت) قبل أيّ شيء آخر

عمومًا، ركَّز الإعلام المعارض لترامب اهتمامَه على مسألة: كيف جرى في المباحثات تناول موضوع المحاولات المنسوبة إلى روسيا، للتأثير في الحملة الانتخابية الرئاسية في الولايات المتحدة الأميركية. كان هذا الاهتمام متوقّعًا، لأنَّ هذا الموضوع بالذات هو ما تقوم وسائل الإعلام الليبرالية بتأجيجه قبل أيِّ موضوعٍ آخر. عندما وجَّه الرئيسان بضع كلماتٍ للصحفيين قبل اللقاء، قامت وسائل الإعلام هذه بإمطار الرئيس الأميركي بسيلٍ من الأسئلة تتعلق بشأن إنْ كان يفهم موضوع هجمات القرصنة التي تعرَّضت لها الولايات المتحدة. ومن المعروف ضخامة الضغوط التي يتعرّض لها ترامب بسبب هذه المسألة.

وضعت صحيفتا (واشنطن بوست) و(نيويورك تايمز) هذا الموضوعَ في المرتبة الأولى في عدَّة إصدارات وتعليقات، وركّزت انتباهها على أنَّ الأطراف أوردت رواياتٍ مختلفة حول النقاش الذي دار حول هذه المسألة. فقد أعلن وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف، أنَّ ترامب قبِل “الحجج التي قدّمها بوتين” حول هذه القضيّة، في حين يؤكد الجانب الأميركي صلابة الموقف الأميركي بشأنها. تقول صحيفة (نيويورك تايمز) في تحليلها إنَّ “ترامب طرح أمام بوتين مشكلةَ تدخّل موسكو في انتخابات 2016، مستغلًا لقاءهما التاريخي الأول لمناقشة الموضوع الذي يقلق البيت الأبيض”. وفي الوقت نفسه، تؤكِّد الصحيفة “انتقل الرئيسان بسرعةٍ إلى مناقشة: كيف بإمكانهما العمل معًا، بما في ذلك مواجهة الهجمات السيبرانية وتخفيف التصعيد في سورية”.

تعتقد الصحيفة أنَّ لقاء الرئيسين “طغى على مضمون قمَّة العشرين، ولكنّه من المبكّر جدًا الحكم على ما إذا كانت هذه الخطوات ستؤدي على نتائج ما. على الجانبين إظهارُ أنَّ كلًا من الزعيمين يعتبر الآخر شخصًا، يمكن الاتفاق معه”. وتحذر الصحيفة من أنه: لا يشاطر الجميع في الولايات المتحدة الرئيسين تطلعاتهما إلى تحويل هذه الصفحة المهمّة إلى علاقات. وتنقل الصحيفة في هذا الإطار ما قاله السيناتور عن الحزب الديمقراطي جاك ريد: “ربما كان بوتين وترامب يرغبان في المضيَّ قدمًا إلى الأمام، ولكنَّ الشعب الأميركي وبقية حكومات الدول الحرة يقولون: تمهلوا لحظة، ودعونا نفهم ما الذي حدث ونعرف كيف سنحمي أنفسنا من هجماتٍ أُخرى”.

تجدر الإشارة إلى أنَّ كلمات السيناتور الديمقراطي هي محاولة لتبرير توق الديمقراطيين في الولايات المتحدة إلى الاستمرار بتأجيج مسألة العداء لروسيا لأهدافٍ سياسية داخلية. فقد كان الهجوم على روسيا ورقتَهم الرابحة، خلال الحملة الانتخابية عام 2016، إلا أنَّ الشعب الأميركي الذي يتحدّث عنه السيناتور هو الذي انتخب الجمهوري ترامب الذي يريد تطبيع العلاقات مع موسكو، رئيسًا له؛ وإضافة إلى ذلك، تلك الدول الحليفة التي أشار إليها السيناتور هي من تطالب الولايات المتحدة بتطبيع العلاقات مع روسيا.

بالنسبة إلى هؤلاء السياسيين والمحللين، كلُّ ما يقوله أو يفعله ترامب سيكون سيئًا. فمجلَّة (بوليتيكو) تقول إنّ ترامب بدلًا من إظهار تضامنه مع القيم التقليدية للغرب والحكومات الحليفة “يرسل إشاراتٍ باستعداده بقبول الولايات المتحدة الأميركية بوجهة نظر فلاديمير بوتين”. ولسببٍ ما، لا يشير الكاتب بكلمةٍ واحدة إلى تصريحات ترامب في بولندا، في اليوم السابق للِّقاء، حيث تحدَّث فيها الرئيس عن وحدة الغرب ودعم حلف الناتو.

أمَّا زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ جاك شومر، فقد تمسَّك من كلِّ مضمون الاجتماع بكلمات تيلرسون التي قال فيها إنَّ واشنطن وموسكو لن تتمكنا من التوصُّل إلى موقفٍ موحَّد حول مسألة الهجمات الإلكترونية على المؤسسات الانتخابية في الولايات المتحدة الأميركية.

سخرتْ مقدِّمة البرامج الإذاعية المحافظة، لورا إينغريم، عبر حسابها في (تويتر)، من الصحافة الليبرالية بقولها: “يبدو أنَّها انتظرت أنْ يجبر ترامب نظيره بوتين أن يقسم أمام الكاميرات إنَّه لن تكون هناك هجماتٌ إلكترونية أُخرى”.

ترامب يُفشِل الابتزاز

بحسب وسائل الإعلام، أصرَّ ترامب على أن يكون حضور اللقاء محدودًا للغاية، بهدف الحيلولة دون وقوع تسريباتٍ عن مضمونه. ولم تكن مخاوفه عبثًا؛ فمن لحظة تنصيبه، راحت وسائل الإعلام تورد تفاصيل مضمون وخصوصيات اللقاءات المغلقة التي كان ترامب يعقدها مع نظرائه الأجانب، وقد وضعت الرئيسَ في وضع سلبيٍّ محرجٍ في بعض الأحيان. ترامب على ثقةٍ من أنَّ، وراء هذه التسريبات، موظفين من الحلقة الوسطى بقوا في إدارته من إدارة أوباما السابقة، يحاولون ابتزاز الرئيس الجديد الذي لا يروقهم. وهكذا، تدفقت إلى وسائل الإعلام تفاصيل محادثات الرئيس الهاتفية مع بوتين، ومن ثمَّ أثارت تسريباتٌ عن لقائه مع وزير الخارجية سيرغي لافروف ضجَّةً كبيرة.

هذه المرَّة، كانت دائرة المشاركين المباشرين بالمحادثات ضيّقة للغاية. فقد كان يتواجد في غرفة المباحثات ستة أشخاص لا غير: الرئيسان، وزيرا الخارجية، ومترجمٌ واحد من كلّ جانب. وبالمناسبة، خيَّب هذا الوضع الإعلامَ الليبرالي الذي انتظر أن يزوِّده عملاؤه بالكثير من المعلومات عن مجريات اللقاء. يؤكِّد معلِّق مجلة The Atlantic، ديفيد غريم القول: “سمعنا روايتين متباينتين عن مضمون اللقاء”. في حين كان الاختلاف الوحيد الذي اكتشفه، بين رواية واشنطن وموسكو، حول دور روسيا في الهجمات الإلكترونية على الولايات المتحدة الأميركية؛ وهذا بالتحديد ما يضعه غريم كحجر زاوية، متجاهلًا محاولات البلدين لتقريب مواقفهما حول عددٍ من المسائل الدولية. كان تحليله بالكامل مكرَّسًا لمناقشة أيّ من الروايتين يجب أن نصدِّق. ويتوصّل غريم الذي تعتمد تحليلاته على التسريبات التي يحصل عليها من مصادر مغفلة، إلى خلاصةٍ مفادها أنَّه يجب علينا ألا نصدِّق لا ترامب ولا بوتين. “وبما أنَّه ليس لدينا رواية تستحق الثقة، حول ما جرى بين بوتين وترامب، فإنَّه ليس لدينا حقيقة على الإطلاق”. هذا هو كلّ ما خلص إليه معلِّق المجلة الليبرالية؛ فليس لديه ما يتحدَّث به البتَّة حول سورية، أوكرانيا أو كوريا الشمالية.

لا يشغل بال هذه الفئة من المعلِّقين إمكانية تحقيق تقدمٍ فعليّ وبنَّاء، في حلِّ هذه القضايا الشائكة التي حدثت وتكرَّست أثناء إدارة معبود الليبراليين باراك أوباما. بالنسبة إليهم، كلُّ هذه المسائل، وحتى روسيا نفسها ليست أكثر من وسائل يمكن من خلالها مهاجمة الرئيس الذي لا يروقهم دونالد ترامب.

لمن ستكون الغلبة؟

من جانبٍ آخر، يبعث التقييم المتحفّظ الذي أبداه نقّاد ترامب الغربيين الأملَ في النفوس؛ فإذا كان الحوار مع روسيا سيأتي بنتائج مثمرة، فإنَّه سيسمح بتحقيق تقدّمٍ في حلِّ المسائل الرئيسية التي تواجه سياسة الولايات المتحدة الأميركية الخارجية، فإنَّ انتقاد توجهات ترامب لتطبيع العلاقات مع موسكو ستكون صعبةً بالنسبة لمعارضيه.

ومن جانبٍ آخر، تدلّ وفرة المعلِّقين الذي يركِّزون على المسار السياسي الداخلي، على أنَّ الصراع الداخلي في الولايات المتحدة الأميركية سيبقى مدّة طويلة عاملًا معيقًا لتحقيق تقدُّمٍ ملموس، في استعادة الحوار بين واشنطن وموسكو.

 

اسم المقالة الأصليКак американские СМИ оценили первую встречу Путина и Трампа
كاتب المقالةإيغور دينايفسكي
مكان وتاريخ النشر8 تموز 2017. صحيفة روسيسكايا غازيتا
رابط المقالةhttps://rg.ru/2017/07/08/kak-amerikanskie-smi-ocenili-pervuiu-vstrechu-putina-i-trampa.html

ترجمةسمير رمان



المصدر