قمة هامبورغ لا تزيل «العقدة الروسية»


بفضل التسريبات إلى الصحافة الأميركية، اكتشف العالم الأسباب التي أدّت إلى التأخر في تأكيد انعقاد اللقاء الثنائي بين الرئيسين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين على هامش قمة العشرين التي تحولت منذ ليل الخميس الماضي إلى ساحة من الصدامات غير المسبوقة بين قوات الأمن والمتظاهرين المحتجين على النظام العالمي القائم. مستشارون ديبلوماسيون كثيرون ومسؤولو الأمن القومي نصحوا الرئيس الأميركي، وبعضهم بإلحاح، بعدم عقد هذا اللقاء الذي حذّر منه عدد من قادة الحزب الجمهوري وعارضه الديموقراطيون بشدة علناً منذ فترة.

لكن ترامب الذي لم يخفِ أبداً إعجابه يوماً بفلاديمير بوتين، مفضلاً إياه على «أوباما المتردد» مرات عدة خلال الحملة الانتخابية، كان مصرّاً على عقد هذا اللقاء الذي طمح إلى أن يكون بمثابة تجاوز لـ «العقدة الروسية» التي تخيّم على ولايته منذ دخوله البيت الأبيض، وتثير حوله شكوكاً عجز حتى الآن عن تبديدها.

اللقاء الذي كان مبرمجاً لنصف ساعة، دام أكثر من ساعتين واقتصر على الرئيسين ووزيري الخارجية ومترجمين وتناول كل الملفات السياسية الدولية المطروحة بدءاً بسورية ومروراً بكوريا الشمالية والتوتر في بحر الصين وصولاً إلى أوكرانيا، من غير أن يتوقف عند العناوين الكبرى للقمة مثل تغيّر المناخ وأزمة الهجرة واتفاقات التجارة الحرة. واكتفى ترامب، وفق ما سرّب، بطرح موضوع الاتهامات الموجهة إلى روسيا حول تدخلها في حملة انتخابات الرئاسة الأميركية، ليردّ عليه بوتين ناكراً أي تدخّل في ما يشبه السيناريو المعدّ سلفاً عند التحضير للقمة.

ويرى مراقبون أن المجازفة الكبرى التي أقدم عليها ترامب ليست في إصراره على عقد القمة مع بوتين وتجاهل نصائح مستشاريه المقرّبين، بل في إعلانه القبول برد الرئيس الروسي ونكرانه التدخل في الحملة الانتخابية، كما لو أنه يعتزم إقفال هذا الملف الشائك الذي ما زال يشكّل خطراً على رئاسته.

وجاء الرد الروسي متعارضاً كليّاً مع استنتاجات التقرير المشترك الذي وضعته الوكالات الأمنية الأميركية الكبرى (مكتب التحقيقات الفيديرالي ووكالة الأمن القومي ووكالة الاستخبارات المركزية) والتي أكدت «أن فلاديمير بوتين هو الذي أصدر الأمر بشن هجوم إلكتروني على حملة انتخابات الرئاسة الأميركية، بهدف زعزعة ثقة الرأي العام في العملية الديموقراطية». ويتخوّف مسؤولون في واشنطن من أن موقف ترامب لن يؤثر فقط في صدقيته كرئيس، بل من شأنه أن يلحق ضرراً بالأمن القومي الأميركي.

بوتين خرج ظافراً من القمة على رغم أنه أصدر أوامره بشن أكبر حملة تدخّل في الشؤون الداخلية الأميركية، وبعد أشهر يجالس رئيس الولايات المتحدة، يتصافحان ويتحادثان كالأصدقاء ويتفقان على حل مشاكل العالم. ترامب الذي خرج باتفاق خجول لوقف النار في جنوب غربي سورية، تنتظره متاعب جديدة عند عودته إلى واشنطن حيث لا يزال يخضع للتحقيق من هيئة مستقلة في موضوع الشكوك التي تحوم حول تواطؤه مع التدخلات الروسية في الحملة الانتخابية. وليس مستبعداً أن تشهد واشنطن اعتباراً من الأسبوع المقبل عاصفة جديدة من الاحتجاجات والانتقادات لأداء ترامب خلال لقائه بوتين وضربه عرض الحائط بنصائح مستشاريه ودعوات غالبية أعضاء الكونغرس.

ومن غير المستبعد أن يرتفع منسوب التوتر بين ترامب ومعارضيه في الأسابيع المقبلة إذا صحّت التوقعات وكشفت هيئة التحقيق المستقلة عن معلومات جديدة ينتظر أن تدفع إلى توجيه اتهامات مباشرة إلى الرئيس حول علاقاته الروسية المشبوهة.



صدى الشام