ما الذي يدفعُ بالنسوة ليصبحن إرهابيات؟!


سؤال صعب: ما الذي يدفع بالنسوة ليصبحن إرهابيات؟!
عندما يثبت تورط النساء في الأعمال الإرهابية أو التعذيب أو حتى الاغتصاب، حينها يطرح المجتمع السؤال التالي: كيف يمكن أن يحدث هذا؟ وكما هو متوقع فإن الجواب معقد.

من بين الأشياء الكثيرة التي تُرعِبُنا وتثير الهلع في نفوسنا حول الإرهاب وتنظيم الدولة الإسلامية على وجه الخصوص، هو مشاركة المرأة في أعمال القتال، الشيء الذي يُعَدُ واحداً من أكثر الأمور إثارة حول هذا الموضوع. وعندما يتبين تواطؤ النساء في الأعمال الإرهابية أو التعذيب أو حتى الاغتصاب، فحقٌ هنا للمجتمع أن يسأل: كيف يحدث هذا”؟! “كيف يمكن للنساء فعل شيءٍ من هذا القبيل”؟!.
خلال السنوات القليلة الماضية، جاءت معظم الأمثلة على العنف النسائي من النسوة المنخرطات في صفوف التنظيمات الإرهابية الإسلامية. وفي حديثها لصحيفة “دايلي بيست”، قالت الدكتورة كاثرين براون، المُحاضِرة في قسم الدين واللاهوت في جامعة بيرمنغهام والمتخصصة في قضايا الجنسين والجهاد ومكافحة الإرهاب والشاهد الخبير في المحاكم البريطانية العليا، أن “دوافع شخصية وأخرى سياسية هي من يقفُ وراء انضمام النساء إلى صفوف الجماعات الإسلامية المتطرفة التي تروج للعنف” وأن المناشدات العاطفية هي من يحفز كلا الجنسين على حدٍ سواء، غير أن هذا يوفرُ فرصة للرجال ليظهروا بطولتهم ويدافعوا عن نسائهم ويحيوا حياة أكثر مرحاً وتسلية من لعبة “كول أوف ديوتي” “أو نداء الواجب” الإلكترونية. وبالمقابل ترى النساء في هذه المغامرة أنها مُطَهِرة ومثيرة وفرصة لمساعدة أولئك الذين يكابدون المعاناة وأخرى لأن يحظين بتاريخٍ مُجَسَد”.
في بادئ الأمر، تنجذب النساء إلى الإسلام المتطرف نظراً لدواعٍ تتعلق بالمثالية والإيثار إلى حدٍ ما، لكن ما يثيرُ الغرابة هنا هو ارتفاع عدد الانتحاريات من النساء. في العام 2002، وعندما فجرت الفلسطينية وفاء إدريس نفسها، ندد عدد من الجماعات الإسلامية باستخدام النساء في الجهاد. وكان الأساس المنطقي لهذا التنديد هو أن الجهاد ينتهك حياء المرأة واحتشامها إذا ما سافرت بمفردها وتم عرض جسمِها بعد موتها، بيد أن البيانات التي جمعتها مجلة “لونغ وور” تكشف أنه في عام 2006، نفذت 29 امرأة على الأقل هجمات انتحارية باستخدام القنابل. وعلى سبيل المقارنة، أوضحت الدكتورة براون أنه في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي، جرى استخدام 27 امرأة على الأقل لتنفيذ هجمات انتحارية في نيجيريا والكاميرون وحدها، وقالت براون: “هذا اتجاه جديد نسبياً ففي الوقت الذي شاركت فيه المرأة ولفترة طويلة في جماعات العنف والتطرف، إلا أنه قليلاً ما تم استخدامها في الهجمات الانتحارية والعنف المباشر”.
وحددت براون حافزين رئيسيين لاستخدام المرأة في الهجمات الانتحارية على وجه الخصوص: على المستوى الشخصي، تصبح المرأة انتحارية سعياً للمجد وللتكفير عن ذنوبها وأملاً في دخول الجنة. وتتابع براون أن هناك محفزات مالية أيضاً لا سيما وأنه يُضمَنُ للانتحاريات توفير الدعم المالي لأسرهن بعد موتهن. ومن المثير للاهتمام أن مكافآت الاستشهاد إنما تخضع لاعتبارات جنسية هنا حيث غالباً ما تكون الذنوب التي تسعى النساء للتكفير عنها عَبرَ موتهن، جنسية في طبيعتها، الشيء الذي لا ينطبق على الرجال.

أما بالنسبة للمنظمة نفسها، فإن استخدام النساء في الهجمات الانتحارية يتمتعُ بميزة استراتيجية على استخدام الرجال، إذ تستطيع النسوة وبسهولة أكثر تَجَنُبَ الإجراءات الأمنية وخطورة كشفِ أمرهن وموتهن، تقول براون يُوفِرُ تغطية إعلامية أكثر بثماني مرات من موت نظرائهن من الذكور. وتتمتع المنظمات الإرهابية بالقدرة على التلاعب بمشاعر الغضب لدينا إزاء موت النساء من أجل التعريف بقضيتهن.
وقالت براون إن حوالي 10% من أعضاء الجماعات الإسلامية المتطرفة هم من النساء وهي نسبة مشاركة يمكن مقارنتها مع معدلات العضوية داخل الجماعات الفوضوية اليمينية المتطرفة حيث يمكن ملاحظة ارتفاع نسبة تولي النساء مناصب قيادية بيد أن هذا لا يعني أنهن مرحَبُ بِهن.
بطبيعة الحال وحتى إذا ما طرحنا السؤال التالي: “لماذا تُصبحُ النساء انتحاريات”؟ أو “لماذا يَرهُنَ أنفسهن للعنف”؟ فهذا يعني أن هناك شيئاً طبيعياً عن عنف الذكور. ولا يقودنا التحيز الجنسي المتأصل والرسوم الكاريكاتيرية التي تُظهر النساء أنهن غير عنيفات، إلى الافتراضات القائلة بأنه ينبغي على النساء عدم فعل ذلك فحسب، بل يعمدان أيضاً إلى تبرير عنف الذكور. ولا ينبغي للاغتصاب والتعذيب والعنف أن يصدمنا أكثر لمجرد أن الجناة هم من الإناث. ويرجع السبب في ذلك إلى سابقة تاريخية: فمثلاً يتفق علماء الإجرام على أن جريمة القتل إنما هي ظاهرة ذكورية إلى حدٍ كبير. وبصفة عامة، عندما ترتكبُ النساء جريمة قتل فإنهن أكثر ميلاً لقتل أقرب الناس إليهن.
سبب آخر يجعلنا نشعر بالصدمة إزاء رؤية المتطرفات من النساء، هو ارتباطهن بمفاهيم السلام والحب الأمومي. وغالباً ما يُعتقدُ أن النساء يعملن كممكناتٍ للجهاد عبر أطفالهن. ويشيرُ حديثُ إسلامي إلى أن الجنة تحت أقدام الأمهات. وتلعب النساء دوراً بارزاً في التشجيع على العنف. وتشير هنا الدكتورة براون إلى كلمات الفلسطينية ريم الريشي الناشطة في صفوف حركة حماس والتي فجرت نفسها فقتلت 4 إسرائيليين عام 2004, قالت الريشي حينها: “لدي طفلان أحبهما كثيراً لكن شوقي للقاء الله كان أقوى من حبي لطفليّ وأنا على يقين تام بأنهما في رعاية الله وحفظه إذا ما استشهدت”.
وإن فكرة تشجيع النساء أولادهن على أن يصبحوا شهداء وأنفسهن رغم كونهن أمهات، لا يتفرد بها الإسلام دون غيره من بقية الأديان، حيث نقرأ في اليهودية كيف أن والدة الشبان اليهود السبعة الذين استشهدوا خلال ثورة مكابيين، كانت تحضهم على معانقة الشهادة، أضف إلى ذلك الشهيدين المسيحيين الأوائل بيربيتوا وفيليسيتي اللذين كانا مقتنعين بترك أطفالهما في رعاية أشخاص آخرين عندما احتضنا موتَهما.

وفي الواقع، تعجُ محركات البحث على شبكة الإنترنت اليوم بقصص الفتيات اللواتي يتركن بلادهن بهدف الانضمام إلى صفوف تنظيم الدولة الإسلامية كزوجات للمقاتلين، غير أن هذا لا يروي سوى جزء من القصة. وتقول الدكتورة براون إن هناك تركيزاً غير متناسب لوسائل الإعلام على فكرة “العروس الجهادية” وهذا أمر مؤسف لأنه يحول /هؤلاء النسوة/ إلى فتيات مغسولات الدماغ ويُعامَلنَ على أساس أنهن مازلن صَغيرات. ويتم تنفيذ غالبية عمليات التجنيد عبر النساء اللواتي يُؤَسسن علاقات أخوية مع المجندين المحتملين على شبكة الإنترنت. وتضيف براون أن تصوير النساء المجندات في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية على أنهن عرائس جهادية هو أمر إشكالي وذلك نظراً لأنه تتم معاملة النساء على أنهن ضحايا يمكن تعويضهن وهذا ما لا ينطبق على الرجال وبذلك يمكن أن يتم الخلط بين العرائس الجهادية و ضحايا تجارة الجنس. وتتابع براون أنه إذا ما أردنا إيقاف تنظيم الدولة الإسلامية فيجب علينا أن ننظر إلى سبب انجذاب الناس إلى هذا النوع من الحياة المثالية التي يوفرها التنظيم. ويتعين علينا أيضاً الاعتراف بأن للنساء قوة /وإنْ كان ذلك بطرق معقدة في بعض الأحيان/.
إن المشكلة هي الطريقة البطريركية /الأبوية/ التي تتمتع فيها المرأة بالكمال. وينبغي أيضاً التوقف عن إضفاء الطابع المثالي على المرأة. وذكرت الدكتورة براون الطريقة الاستثنائية التي حاولنا بها شرح تورط النساء في تعذيب سجناء على أيدي الجنود الأمريكيين في سجن أبو غريب في العراق حيث صورتهم عدة تقارير إعلامية على أنهن “متطرفات” أو أنهن خُدِعن ببساطة. وقالت براون: “لطالما تورطت النساء في العنف السياسي في أرجاء المعمورة. فَكِروا في جماعة “بلاك بانثيرز” أو الفهود السود للدفاع عن النفس/وهي منظمة وطنية وثورية أسسها بوبي سيل وهوي نيوتن من الأمريكيين السود في أكتوبر عام 1966 ونشطت في الولايات المتحدة بين عامي 1966 و1982 وكان لها فروع دولية في المملكة المتحدة أوائل السبعينات وفي الجزائر بين عامي 1969 و 1972/. أو في جماعة ويذر أندرغراوند أو ويذر مان /وهي منظمة يسارية أمريكية متطرفة حملت السلاح وتأسست في حرم ان انبور الجامعي في جامعة ميشيغن. نظمت ويذرمان نفسها عام 1969 كفصيل من الطلاب يدعم تأسيس مجتمع ديمقراطي وتألفت في معظمها من قيادة المكتب الوطني ومؤيديهم. وكان هدف ويذرمان إنشاء حزب ثوري سري للإطاحة بالحكومة الأمريكية آنذاك. أو فصيل الجيش الأحمر الألماني وهو/جماعة مسلحة يسارية متطرفة نشطت في ألمانيا الغربية وأسسها كل من أندرياس بادر ،غودرون إينسلين، هورست ماهلر، وأولريكي ماينهوف. واعتبرت حكومة ألمانيا الغربية فصيل الجيش الأحمر منظمة إرهابية. وكانت وكالة أمن الدولة- ستاسي في ألمانيا الشرقية تدعم هذا الفصيل الذي تورط في سلسلة تفجيرات واغتيالات وعمليات اختطاف وسطو على البنوك وتبادل للنار مع الشرطة على مدى ثلاثة عقود. بلغ نشاط هذا الفصيل ذروته أواخر عام 1977 مما أدى إلى أزمة وطنية أصبحت تعرف باسم “خريف ألمانيا”. واتُهِمَ فصيل الجيش الأحمر بالمسؤولية عن 34 حالة وفاة بما في ذلك العديد من الأهداف الثانوية من قبيل السائقين والحراس الشخصيين، فضلاً عن العديد من الإصابات خلال ما يقرب من ثلاثين عاماً من نشاطه.”وهذه على سبيل المثال لا الحصر أمثلة بارزة من القرن الماضي. وبمعنى آخر، فإن ذاكرتنا الثقافية قصيرة جداً”.

رابط المادة الأصلي: هنا.



صدى الشام