بداية..


المستقبل

التقاء الروس والأميركيين على وقف النار في الجنوب السوري وتثبيت خطوط القتال هو خبر سيء لإيران، ومؤشّر (ميداني) الى احتمال ورود ما هو أسوأ منه أكان في ما يتعلق بجهودها لإتمام الربط البرّي بين مراكز إنتشار «نفوذها»، أو في ما يتعلق بسعيها الى امتلاك موطئ قدم على تخوم الجولان المحتل.. أو في ما يتعلّق بمجمل حضورها في «القطر الشقيق»!
الاتفاق يؤكد بديهة اختلاف الأجندة الروسية في سوريا عن تلك التي تحملها إيران… رفقة الطريق بين الطرفَين تحت شعار حماية بقايا سلطة الرئيس السابق بشار الأسد من السقوط لم تعنِ ولا تعني ذهابهما الى «مكان» واحد. تَوضَّح ذلك منذ البداية من خلال إصرار موسكو على تأكيد حرصها المتين على علاقتها بالإسرائيليين وعلى صون «مصالحهم» و»مخاوفهم» الأمنية والاستراتيجية، ثمَّ ترجمة ذلك بوضوح ليزري من خلال فتح خطوط وقنوات التنسيق المباشر بين مراكز عملياتها في قاعدة حميميم ومثيلاتها في إسرائيل.. ثمّ «النظر الى الجهة الأخرى» كلما وَجَد طيرانها الحربي هدفاً تابعاً لـِ»حزب الله» لا بدّ من ضربه في الداخل السوري!
التقى الروس مع الإسرائيليين قبل تبلور كل، أو بعض مقوّمات التقائهم مع الأميركيين. وكان شعار «مكافحة الإرهاب» ذروة في هذه المفارقة: الإرهاب عند قادة الكرملين يعني «داعش» و»النصرة» (وفي الواقع مجمل المعارضة السورية المسلّحة) لكنّه عند «العدو الصهيوني الغاشم» لا يعني أولاً وأساساً سوى «حزب الله» وإيران!
يُحسب للروس وضوحهم في سياساتهم. ونجاحهم في شبك اتصالات متناسقة وناجحة مع كل أطراف المعادلة المتفجرة في سوريا خصوصاً والمنطقة عموماً.. لكن الخزي والعيب كانا عند إيران (وملحقاتها): كل شيء يهون أمام مهمة الفتك بشعب سوريا وإبقاء بشار الأسد في مكانه، حتى لو عنى ذلك، خوض معارك فعلية منسّقة مسبقاً عبر حليفهم المرحلي الروسي، مع الإسرائيليين! وحتى لو عنى ذلك، التطنيش واستعارة أداء النعامة إزاء الغارات الجويّة على أهدافهم الثابتة والمتحرّكة في سوريا! برغم الخسائر الفادحة التي سببتها تسليحياً وبشرياً!
وهذه «أضرار جانبية» لا تتوقف عندها إيران كثيراً، طالما أنّ حربها «المقدّسة» هي مع عرب ومسلمين أساساً! استعانت بالروس تحت هذا السقف! و»تفاهمت» مع باراك أوباما تحت هذا السقف! وثبتت «الهدنة» مع الإسرائيليين (في جنوب لبنان!) تحت هذا السقف! ومستعدّة في واقع الحال، لمتابعة القتال «مع» الأميركيين في العراق (وليس ضدّهم) تحت هذا السقف! وهي في حقيقة الأمر فاوضت العالم على «مشروعها النووي» تحت هذا السقف! ومستعدّة للانفتاح سلمياً وثقافياً وتجارياً ومالياً واقتصادياً على كل الجهات، والاستمرار في الانغلاق الفتنوي والحربي مع الجوار العربي القريب.. تحت هذا السقف!
لكن من سوء حظّها، أنّ لهذا العالم شروطه التي لا تتناسق وتتناسب مع شروط «الولي الفقيه»! ولا مع تكتيكاته وطُرقه وأساليبه للوصول الى مصاف الدول الكبرى والمقتدرة! والغريب بعد ذلك وقبله وفوقه وتحته، هو أنّ صانع القرار الإيراني يرى الواقع وينكره! ثم يحاول أن يستمر في المناورات المتفرّقة حتى لو انكسر طموحه العام!
ما يجري راهناً في سوريا، هو في العمق، أوّل افتراق (منطقي) بين طموحاته وتحالفاته السورية، وبين واقع هذا العالم.. الروسي الذي أخذ الإسرائيلي بالأحضان، يفعل الأمر ذاته مع الأميركي! والأجندة المزدوجة عند الأخيرَين، صارت مثلّثة أو في طريقها الى ذلك: إقفال جبهة الجنوب السوري، لا يعني سوى إقفال الطريق أمام التمدّد الإيراني، قبل أي شيء آخر. والبدء ميدانياً، في تطبيق شعار تقليم ذلك التمدّد ولجمه (أو محاولة ذلك في كل حال!)
وحده صاحب الشأن في طهران لا يريد الإقرار بحقيقة أنّ مصالح روسيا أكبر من بلاده وطموحاتها.. ولذا يستمر في إرسال قاسم سليماني لالتقاط الصور، عند الحدود السورية – العراقية!.

(*) كاتب لبناني




المصدر