ماجد كيالي يكتب: اتفاق روسي- أميركي والخاسر إيران


ماجد كيالي

لعل أهم ما يفصح عنه التوافق الأميركي- الروسي، الذي نجم عن اجتماع القمة بين الرئيسين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين في خصوص سوريا، لا سيما المنطقة “منخفضة التصعيد” أو الآمنة، في الجنوب السوري، أن الدولتين الكبريين باتتا على حافة الحسم في شأن وقف الصراع السوري، تمهيداً ربما لإيجاد مخارج سياسية له، هذا أولاً.

ثانياً أن عديدا من القضايا الخلافية بين هذين الطرفين، قد تجد طريقها في المستقبل نحو الحل أو نحو إيجاد تفاهمات مشتركة.

ثالثاً هذا التوافق أكد بما لا يدع مجالاً للشك بأن كل المفاوضات السورية، التي كانت تدور، سواء في جنيف أو في أستانة، لا قيمة لها، وأنها كانت مجرد تقطيعاً للوقت، بدليل أن اجتماع أستانة 5 لم ينجح في الوصول إلى توافق حول “المناطق منخفضة التصعيد”، بين الأطراف الموقعة، أي روسيا وإيران وتركيا، في حين تم ذلك بين روسيا والولايات المتحدة والأردن، وهما من غير الأطراف الموقّعة.

رابعا ما حصل يؤكد مرة أخرى أن الولايات المتحدة هي الطرف المقرر في الصراع السوري أو في توجيه دفته، سواء بما يتعلق بديمومته أو بإنهائه، وأنها مع روسيا هما من يتحكم بهذا الصراع على الجبهتين المتقابلتين.

فوق كل ذلك فإن الاتفاق الحاصل كرّس روسيا باعتبارها الطرف الممسك بالملف السوري، وباعتبارها صاحبة القرار في صياغة مستقبل هذا البلد على حساب كل من إيران وتركيا. وطبعا فإن إيران هي الطرف الخاسر الأكبر قياسا بطموحاتها وتوظيفاتها، مع الأخذ بعين الاعتبار أوراق القوة التي تحتفظ بها تركيا باعتبارها بلد جوار.

بيد أن كل ذلك لا يعني شيكاً على بياض منح لروسيا، إذ أن الولايات المتحدة تدرك أنها تمتلك أوراق القوة التي تجعلها الأكثر قدرة على صوغ مستقبل سوريا، والأكثر إمكانية للاستثمار فيها، وأن روسيا لا تستطيع شيئا من دونها هذا من جهة. ومن جهة ثانية، فإن الولايات المتحدة ضمنت في ذلك الاتفاق أمن حلفائها، أي إسرائيل والأردن، عبر شمول المنطقة الآمنة المتفق عليها لمنطقتي درعا والقنيطرة. وفوق هذا فإن الولايات المتحدة ضمنت تحجيم نفوذ إيران، ومنع التواصل بين العراق ولبنان عبر إمساكها بالحدود الشرقية لسوريا مع العراق، كما ضمنت أمن حليفها المتمثل بقوات سوريا الديمقراطية، كقوة فاعلة على الحدود الشمالية الشرقية لسوريا.

وزير الخارجية الأميركية أكد أن لهذا الاتفاق ما يليه وأن الأمر يشمل عدم بقاء أسرة الأسد في الحكم في المستقبل، مع الغموض في ما يخص هذا الشأن في المرحلة الانتقالية، أي مع ترك ذلك للإخراج الروسي. وكذا تأكيده أن الأمر يتعلق بالتوافق على إيجاد منطقة حظر جوي، في حديث جدي هو الأول من نوعه بين الطرفين الروسي والأميركي.

هكذا، ثمة عديد من المؤشرات التي تقيد بإمكان وقف الصراع الدامي والمدمر في سوريا، ضمنها إنهاء وضع داعش في سوريا والعراق، ومعه جماعات القاعدة، وتوفر قناعة دولية بأن الصراع السوري بلغ خواتيمه بعد استنزاف وإنهاك الطرفين المعنيين، وأنه آن الأوان لتحجيم دور الأطراف الإقليمية التي تبدو طموحاتها زائدة عن حدها.

مع ذلك فإن التجربة المتعلقة بالصراع السوري، تؤكد بأن أي توافق سيبقى يخضع لاعتبارات عديدة، أهمها يتعلق بمدى حسم كل من الولايات المتحدة وروسيا لأمرها، ومدى استعداد كل منهما لضبط الأطراف الحليفة لها، بواسطة الوسائل السياسية أو بواسطة القوة العسكرية، لأن الأمر يدور عن صراع مسلح على الأرض ولا يدور بوسائل الحوار أو بوسائل الدبلوماسية أو بالسياسة.

وبديهي أيضاً أن هذا الأمر سيخضع لاختبارات أخرى، ناجمة عن كيفية إدراك الأطراف الإقليمية، أو كيفية هضمها لهذا التوافق من عدم ذلك. فإذا كانت الولايات المتحدة وروسيا قادرتين على إقناع إسرائيل، فسيتبقى أن عليهما إقناع تركيا وإيران بذلك. وربما أن إيران، كخاسر أكبر، ولا سيما من موقعها في العراق وسوريا ولبنان، ستحتاج على الأرجح، إلى ضغوط أكبر، من الطرفين، لفرض هذا الاتفاق عليها، أو لإجبارها على ابتلاعه، وهذا يتعلق بأي اتفاق أخر قادم، سواء كان بوسائل الضغط السياسي والاقتصادي أو بوسائل القوة.

المصدر: العرب

ماجد كيالي يكتب: اتفاق روسي- أميركي والخاسر إيران




المصدر