هل ستكون إيران الخاسر الأكبر من اتفاق وقف إطلاق النار جنوب غرب سوريا؟


أمجد عساف - خاص السورية نت

ما زال اتفاق وقف إطلاق النار و"عدم التصعيد" في جنوب غرب سوريا صامداً بعد دخوله يومه الثاني، رغم وقوع "انتهاكات ثانوية" من قبل قوات النظام.

وأعلنت الولايات المتحدة وروسيا والأردن التوصل إلى هذا الاتفاق، عقب أول لقاء للرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" مع  نظيره الروسي "فلاديمير بوتين" في اجتماع قمة العشرين في هامبورج بألمانيا الأسبوع الفائت.

 ولم يكن الاتفاق الثلاثي الأمريكي - الأردني - الروسي مفاجئاً للسوريين ككل أو لسكان الجنوب بشكل خاص، فالمعركة المحتدمة منذ أشهر بين فصائل الجنوب العسكرية المنضوية ضمن عدة غرف عمليات، أبرزها غرفة "البنيان المرصوص" من جهة، وقوات النظام والميليشيات المساندة لها من جهة أخرى في مدينة درعا، كان لها كبير الأثر في تغيير مسار الأحداث.

وخطط نظام بشار الأسد في البداية للسيطرة على جمرك درعا القديم، فكانت نتيجة محاولاته تراجعاً لقواته وسيطرة لقوات المعارضة السورية على أكثر من 90  بالمئة من حي المنشية المتاخم للجمرك.

وبالرغم من تسليمه زمام قيادة العمليات لخبراء ومقاتلين إضافيين خلال الشهر الأخير من إيران وميليشيا "حزب الله" والفرقة الرابعة، واستعانته بشتى أنواع القصف والتدمير، لم ينجح النظام في خططه بالتوغل نحو شرق مخيم درعا باتجاه صوامع الحبوب، أو باتجاه كتيبة الصواريخ الواقعة غرباً بجوار جمرك درعا القديم.

هذا العمل المنظم من قبل فصائل الجنوب على المستوى العسكري، كان له تأثير على المستوى السياسي، حيث اتخذت فصائل الجبهة الجنوبية قراراً جماعياً حازماً بمقاطعة مؤتمر أستانا الذي عُقد في كازاخستان أوائل الشهر الجاري، لتحشر هذه المقاطعة الروس والإيرانيين تحديداً في خانة الفشل باستقطاب أكبر عدد ممكن من الفصائل لتطبيق مشاريعهم في شق صف المعارضة، والاستفراد بالمناطق السورية واحدة تلو الأخرى.

ربما لم يكن أي من فصائل المعارضة، أو قوات النظام ومن يساندها على دراية بالاتفاق الثلاثي خلال وضع اللمسات النهائية عليه، لكن محصلة هذا الاتفاق وبدء تنفيذه، يتضمن مؤشراً جديداً لاتفاقات وقف إطلاق النار في سوريا، عبر دخول أمريكيا بشكل مباشر هذه المرة كطرف ضامن، لكن هذا لا يعني الضمان الكامل لعدم حصول خروقات من جانب الميليشيات الإيرانية خاصة، والتي قد لا تنصاع للضغط الروسي كما هو حال قوات النظام التي تساندها، وبالتالي ربما تحصل خروقات لا تتبعها محاسبة.

هذه الخروقات إن حصلت، لا يتوقع أن تكون واسعة النطاق، لأن إيران الداعمة لقوات النظام وميليشياتها على الأرض، يحضر أمامها تجاربها السابقة لتجاوزها التحذيرات الأمريكية بالبادية السورية في أسابيع خلت، والتي أدت إلى تعرضها للقصف الجوي، وبالتالي تنفيذ التهديد الأمريكي أكثر من مرة.

لعل من أهم تبعات الهدنة الجديدة المعلنة في هذا السياق، إبطاء المشروع الإيراني التوسعي في جنوب سوريا، وهو ما عبرت عنه المعارضة السورية اليوم الاثنين على لسان يحيى العريضي أحد المتحدثين باسمها في مفاوضات "جنيف7"، وقال في هذا الإطار: "الشيء الأساسي في وقف إطلاق النار هو أنه يمنع إيران وميليشياتها من التواجد في تلك الأمكنة، ونريد لهذه الميليشيات، التي قتلت السوريين، أن لا توجد في سوريا".

وتتمثل الخطط الإيرانية في هذه المنطقة بمشروعها التوسعي القائم على إنشاء ممر بري ينطلق من الأراضي الإيرانية مروراً بالعراق، ثم سوريا، وصولاً إلى حيث معقل ميليشيا "حزب الله" اللبناني، وهو ما حاولت فصائل المعارضة السورية إفشاله عبر خوضها للمعارك في درعا والبادية السورية، ولذلك فإن تضمين مناطق واسعة من جنوب سوريا ضمن مناطق وقف إطلاق النار سيصعب المهمة على إيران.

هذا الاتفاق يضع حدوداً عملية للتوسع الإيراني في المنطقة المرفوض من سكان المنطقة أنفسهم، والمرفوض بشكل مواز من دول الجوار على رأسها الأردن.

أما الروس الذين طالما انزعجوا من تصرفات الإيرانيين وإصرارهم على حشر ميليشياتهم الطائفية في كل مكان، حتى ضمن مناطق الفصل التي من الطبيعي أن تنتشر فيها قوى حيادية، ربما وجدوا الفرصة المناسبة في لقاء "ترامب - بوتين" لتوجيه رسالة مفادها أن للدول الكبرى حساباتها المختلفة التي تحكمها المصالح وتضيع فيما بينها الأدوار الثانوية.

كما أن دخول أمريكا على خط هذا الاتفاق سيضع حداً بكل تأكيد لإيران وتوابعها، ويفرض سياسة الاتفاق الواقع نظراً لحساسية جنوب غرب سوريا بالنسبة لإسرائيل في الدرجة الأولى، ونظراً للتعقيدات الحاصلة فيها لاحتوائها على تركيبة متعددة من القوات والفصائل المنتشرة من ريف دمشق إلى ريفي درعا والقنيطرة، وهذا ما قد يجمع الأمريكان والروس أكثر من أي وقت مضى.

وتعقيباً على الاتفاق الثلاثي قال الناطق الرسمي باسم جيش الثورة أبو بكر الحسن لـ"السورية نت": "كفصيل ننتمي للجبهة الجنوبية، موقفنا من أي مبادرة لوقف إطلاق النار نابع من الحرص على دماء شعبنا، وإيقاف آلة القتل والتدمير الأسدية، وعليه نحن سنلتزم بالهدنة مع بقائنا محتفظين بكامل الجاهزية لرد أي خرق من قبل ميليشيات الأسد".

وعن تفاصيل الاتفاق وتوقعاته بشأن صموده، أشار الحسن إلى أنه "لم يتم إطلاعنا بشكل رسمي عن مضمون اتفاق وقف إطلاق النار حتى الآن، لكننا نرى أن نظام الأسد أصبح لا يملك من الأمر شيئاً، وقراره بات بشكل رئيسي بيد إيران وروسيا".

وتابع: "وبناء عليه فإن صمود القرار واستمراره مرتبط بجدية كل من روسيا وأمريكا، وكذلك قدرة الدولتين على لجم إيران".

كما شدد الحسن على أن "الأهم حالياً هو استمرار الجاهزية الكاملة على خطوط الجبهات تحسباً لأي محاولات تقدم غادرة، وعلى الجميع أن لا ينسى أن مناطق التماس مع قوات النظام ليست إلا وجهاً من أوجه أخرى فرضت علينا من خلال أدواته كتنظيم داعش وخلايا الإرهاب والتفجير وخلايا الاتجار بالمخدرات والترويج لها، وإِنْ تَوَقَّفَ إطلاقُ النار على تلك الخطوط مع قوات النظام فإن استكمال إزالة بقية الأخطار يبقى قائماً ومستمراً".

بالمجمل، ورغم كل إشارات الاستفهام الموضوعة أمام اتفاق وقف إطلاق النار جنوب سوريا، والحذر الذي تتخذه المعارضة السورية من التعامل معه، فإن هناك محاولات للاستفادة منه لصالح الشعب السوري، والاستفادة من نتائجه وأهمها إيقاف المشروع الإيراني في المنطقة.

 لكن مع ذلك تضع المعارضة بحسب ما تصرح به كل الاحتمالات أمامها، وتحاول التعامل مع ما ستشهده الميادين السياسية وربما العسكرية، ومن بينها انهيار الاتفاق في حال إقدام الميليشيات الإيرانية وقوات النظام على أية خطوات تصعيدية، والأيام القادمة كفيلة بإظهار صورة حقيقة وتبعات هذا الاتفاق بشكل أوضح، والجميع بالانتظار.




المصدر